الحريري: أتطلع إلى موقف تاريخي من قيادة حزب الله والمطلوب فك ارتباطها بالمتهمين

مصادر قيادية في «المستقبل» لـ «الشرق الأوسط»: القطيعة أمر واقع مع الحزب وأساسها السلاح غير الشرعي لا المحكمة فحسب

لوحات عملاقة للرئيس الراحل رفيق الحريري على الطريق المؤدي لصيدا (أ.ب)
TT

دعا رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى فك ارتباطه بالمتهمين الأربعة باغتيال والده رفيق الحريري، وطلب إليه اتخاذ «موقف تاريخي لوضع حد لسياسات الهروب إلى الأمام، والإعلان عن التعاون التام مع المحكمة الدولية بما يؤدي إلى تسليم المتهمين والمباشرة في إجراء محاكمة عادلة».

وقال في بيان أصدره تعليقا على نشر القرار الاتهامي في قضية اغتيال والده إن «المطلوب من قيادة حزب الله يعني بكل بساطة الإعلان عن فك الارتباط بينها وبين المتهمين، وهذا موقف سيسجله التاريخ والعرب وكل اللبنانيين للحزب وقيادته، بمثل ما يمكن أن يسجل خلاف ذلك، إذا أرادوا الذهاب بعيدا في المجاهرة بحماية المتهمين».

ورأى أن «المدعي العام في جريمة الاغتيال قد تقدم بالأدلة الكافية للانتقال إلى مرحلة المحاكمة العادلة، ولا موجب بعد الآن لأي نوع من أنواع الصراخ السياسي والإعلامي»، معتبرا أنه «إذا كان همنا، من كل المواقع السياسية، أن نحفظ لبنان وأن نوفر الاستقرار لشعبنا وأن نحمي بلدنا وصيغة الوفاق الوطني، فإن باب العدالة مشرع أمامنا لتحقيق هذا الهدف النبيل». وتوجه الحريري إلى الحكومة اللبنانية بالإشارة إلى أن «لغة التذاكي على الرأي العام، والإعلان عن الشيء ونقيضه في آن، وسياسة توزيع الأدوار بين رئيس الحكومة وحلفائه، وأن محاولات التهرب من تحمل المسؤولية تجاه ملاحقة المتهمين وتحديد الجهات التي تعطل عملية الملاحقة وإلقاء القبض عليهم والامتناع عن تسليمهم إلى المحكمة الدولية، كل ذلك لم يعد يجدي نفعا ويحمل الحكومة مسؤولية الاشتراك في عدم التعاون، والتخلي عن التزامات لبنان تجاه متابعة قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه».

وأشار الحريري إلى «أننا بمقدار ما نشعر في هذا اليوم، بالاطمئنان إلى المسار الذي تتحرك فيه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ونعبر عن عظيم تقديرنا وشكرنا للجهود التي بذلها فريق التحقيق الدولي والجهاز القضائي المختص في المحكمة، لا نستطيع أن نخفي حجم الألم الذي يعتصر قلوبنا وقلوب معظم اللبنانيين تجاه التهم التي طالت مع الأسف أسماء مواطنين من بلدنا، تشير الأدلة إلى مسؤوليتهم عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري». وسأل: «أي عقل شيطاني يمكن أن يكون قد استولى على عقول هؤلاء، ليرتكبوا مثل هذه الجريمة، بل أي عقل شيطاني يمكن أن يكون قد خطط وأعطى الأوامر لهؤلاء بقتل الرئيس رفيق الحريري، وبجر لبنان إلى مسلسل دموي رهيب خطف من صفوف اللبنانيين نخبة من رجالات السياسية والفكر والنضال الوطني».

وشدد الحريري على «أننا سنبقى على عهدنا إلى كل اللبنانيين بأن تكون العدالة وسيلة لإحقاق الحق، وليست أداة للثأر أو الانتقام، وبأن نجعل من الفرصة المتاحة لكشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فرصة حقيقية لإنهاء مسلسل الجريمة السياسية المنظمة في لبنان، وسوق المتهمين إلى قفص العدالة، كي لا تبقى العدالة رهينة في قفص المجرمين». واعتبر أن «الحقيقة أبلغ من أن يتم الالتفاف عليها، والقرار الاتهامي بكل ما تضمنه من أدلة ووثائق وشهادات، يرسم الخط المستقيم لهذه الحقيقة».

ويأتي نشر المحكمة الدولية لأجزاء من القرار الاتهامي، في وقت تشهد فيه العلاقة بين تيار المستقبل وحزب الله قطيعة تامة وبشكل خاص منذ الإطاحة بحكومة الحريري، بالتزامن مع سجال سياسي عالي النبرة، بلغ ذروته مع وصف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تيار المستقبل بأنه «ميليشيا»، ما استدعى سلسلة ردود قاسية من نواب «المستقبل».

وفي هذا الإطار، أعربت مصادر قيادية رفيعة في تيار المستقبل لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقادها بأن «القطيعة السياسية مع حزب الله هي أمر واقع ولا تتعلق فقط بالمحكمة الدولية، بل تطال مسائل وطنية أخرى، وأساسها وجود السلاح غير الشرعي»، مشيرة في الوقت عينه إلى أن «صدور القرار الاتهامي وموقف حزب الله من المحكمة سبب إضافي وواضح للخلاف السياسي مع حزب الله». وفي سياق متصل، اعتبر النائب في تيار المستقبل عمار حوري أن «للعدالة مقتضياتها»، موضحا «أننا لم نكن يوما دعاة سجال مع حزب الله ولم ننجر إليه، وعندما نضطر للرد فنحن نرد على الافتراءات والاتهامات غير الحقيقية بهدف وضع النقاط على الحروف».

ووصف خطوة المحكمة أمس بأنها «خطوة متقدمة باتجاه العدالة، وتلقي الضوء على مزيد من التفاصيل، وذكرت المادة 38 بأنه تم الاستناد إلى قرائن عدة من اتصالات وتسجيلات وصور وإفادات الشهود»، معتبرا أنه من شأن ذلك أن «يشكل بوابة حقيقية للعدالة وليحاول المتهمون أن يقولوا ما لديهم ويثبتوا براءتهم». ورأى أن «مقاربة هذا الموضوع يجب أن تتم بشكل موضوعي»، داعيا إلى «الفصل بين المرتكبين وقيادة حزب الله من خلال فك ارتباطها بهم كما قال الرئيس الحريري»، وتعليقا على نشر أجزاء من القرار الاتهامي، أشارت الأمانة العامة لقوى 14 آذار إلى أن ذلك «شكل حدثا استثنائيا كبيرا»، معتبرة أن القرار هو «من جهة استكمال لخطوات المحكمة الدولية في مسارها نحو كشف الحقيقة، ومن جهة أخرى استحقاق لوحدة اللبنانيين حول العدالة ويعد شرطا ضروريا للاستقرار». ورأت في نشره «انتصارا لمبدأ لطالما شددت عليه، مبدأ إنهاء سياسة الإفلات من العقاب وإلغاء الإرهاب والاغتيال السياسيين». وشددت على أن «حزب الله مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بتسليم المتهمين الأربعة من أعضائه إلى العدالة الدولية»، وناشدت الحكومة «تحمل مسؤولياتها في التعاون مع المحكمة تعاونا صادقا»، لافتة إلى أن «العدالة التي لا تقتص من طائفة أو مذهب أو جهة بل من مجرمين، يجب أن تتحقق، وعلى أن رفضها هو الفتنة بذاتها إذ يتحدى اللبنانيين وشهداءهم من كل الطوائف والأطياف».