واشنطن تضغط على إسرائيل للاعتذار لتركيا.. ونتنياهو يرفض

رابطة بين الأزمة في سوريا والعلاقات الإسرائيلية التركية.. والمساعدة ضد المشروع الفلسطيني في الأمم المتحدة

TT

ذكرت مصادر سياسية رفيعة في تل أبيب، أمس، أن الإدارة الأميركية تمارس «ضغطا شديدا على إسرائيل» لكي تعتذر لتركيا على مقتل مواطنيها التسعة بالرصاص الإسرائيلي خلال الاعتداء على أسطول الحرية المتوجه إلى قطاع غزة في عرض البحر المتوسط. وقالت إن واشنطن حذرت من أن «عدم الاعتذار سيصعب عليها مساعدة إسرائيل في مواجهة المشروع الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة».

ولكن هذه المصادر أكدت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لم يتأثر بهذا الضغط وأبلغ وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، رفضه للاعتذار حاليا لأنه لم ينجح في إقناع وزرائه بعد. وطلب إمهاله فترة أخرى حتى يستمر في المفاوضات مع تركيا، لعله يتوصل إلى صيغة تقنع وزراءه.

وقالت هذه المصادر، إن الإدارة الأميركية قلقة من الموقف الإسرائيلي وتجده ضارا بمصالحها في ما سمته «الأزمة في سوريا». فهي تجد حل الأزمة في سوريا فقط عن طريق تركيا. وتريد تشجيع أنقرة على اتخاذ موقف صارم ومتصاعد ضد النظام السوري، ولكنها ترى أن إسرائيل لا تساهم في هذا التشجيع و«بدلا من أن تنهي الأزمة القائمة في العلاقات مع أنقرة باعتذار عن مقتل مدنيين أتراك، تنجر وراء العواطف وقضايا الكرامة الشخصية وتمتنع عن الاعتذار وبذلك تلهي تركيا بصراع جانبي».

يذكر أن إسرائيل كانت قد سيطرت على سفن أسطول الحرية في مايو (أيار) 2010، وخلال هجومها العسكري الدموي قتلت تسعة مواطنين أتراك وجرحت نحو 50 شخصا ممن حضروا على متن سفينة «مرمرة»، بهدف رفع الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.

وكانت العلاقات بين البلدين قد تدهورت قبل ذلك على خلفية الحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة (2008 - 2009). فبلغت الحضيض عند مقتل الأتراك التسعة. ولكن تركيا أبدت استعدادا لتسوية الخلاف مع إسرائيل، إذا اعتذرت هذه عن هذا الاعتداء ودفعت التعويضات لأهالي الضحايا. ولكن الحكومة الإسرائيلية انقسمت على نفسها، ما بين مؤيد ورافض للاعتذار. والرافضون، أمثال وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، راحوا يتبجحون قائلين إن على تركيا أن تعتذر كونها أطلقت الأسطول، بينما رأى المؤيدون، وبينهم قادة الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع إيهود باراك، أن «العلاقات مع تركيا ذات أبعاد استراتيجية، ولا يجوز التضحية بها في قضية عاطفية كهذه، خصوصا أن الولايات المتحدة تدخلت وطلبت من إسرائيل أن تنهي هذا الملف في أسرع وقت وبأي ثمن».

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، إن دبلوماسيين إسرائيليين في الولايات المتحدة بعثوا بعدة رسائل إلى إسرائيل تتضمن موقفا واضحا من الخارجية الأميركية، بما فيها رسائل مباشرة من كلينتون، تقول فيها إن «استمرار التدهور في العلاقات بين إسرائيل وتركيا يمس بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة». وأضافت أنه من أجل مواجهة الأزمة في سوريا فإن الإدارة الأميركية تسعى إلى توطيد العلاقات مع تركيا، باعتبار أن هناك أهدافا مشتركة للطرفين، بينها إنهاء حكم الرئيس السوري بشار الأسد، وتنصيب بديل له أكثر اعتدالا، وإعادة الاستقرار إلى سوريا، ومنع تفككها.

وتعتبر الولايات المتحدة وجود علاقات جيدة بين حليفيها وشريكيها في المصلحة إزاء ما يحصل في سوريا، بمثابة قضية مصيرية. وتستغرب كيف أن الحكومة الإسرائيلية لا تدرك ذلك. ولذا، فإنها تمارس الضغط عليها لتقدم الاعتذار مقابل توطيد العلاقات مع تركيا. وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن وزير الدفاع إيهود باراك كان قد سمع أقوالا مماثلة من كلينتون خلال زيارته لواشنطن قبل ثلاثة أسابيع. وفي حينه طلبت منه أن تعمل إسرائيل كل ما بوسعها لحل الأزمة مع تركيا التي قالت إنها تمس بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. كما أشارت الصحيفة إلى أن الضغوط الأميركية على إسرائيل تتزايد، خاصة قبل ثلاثة أيام من نشر تقرير لجنة «بالمر» الدولية بشأن الهجوم الدموي على أسطول الحرية والمفترض نشره بعد يومين أي في 20 أغسطس (آب) الحالي. وهذا التقرير يطالب إسرائيل بالاعتذار، مع العلم بأنه يدين إسرائيل على استخدامها القوة بشكل مفرط ويدين تركيا على تشجيعها إطلاق أسطول الحرية.

ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن دبلوماسيين إسرائيليين قولهم إن مسؤولين في الخارجية الأميركية لمحوا بشكل غير رسمي إلى أن الولايات المتحدة لن تستطيع المرور مر الكرام على استمرار الموقف الإسرائيلي. وتنوي معاقبة إسرائيل على عدم الاعتذار. ولمحت إلى شكل هذا العقاب فقالت: «الأميركيون يقولون إنه في حالة عدم اعتذار إسرائيل، فإنهم سيجدون صعوبة في إقناع دول صديقة في الأمم المتحدة لتغيير تصويتها بشأن الدولة الفلسطينية في سبتمبر (أيلول) في حال وجدت إسرائيل (صعوبة) في الاستجابة للطلب الأميركي بمصالحة تركيا». كما أشارت الصحيفة إلى أن تركيا، التي تعلم بالضغوط الأميركية، تواصل الضغط على لجنة «بالمر» من أجل تأجيل نشر التقرير إلى حين تقديم الاعتذار الإسرائيلي.