«خطة تسديد فاتورة الشغب».. والمحاكم متهمة بعقوباتها القاسية

مصدر حكومي بريطاني: صندوق جديد لدعم المناطق المتضررة من الشغب في لندن

الأمير تشارلز وزوجته كاميلا خلال زيارة إلى مركز ترفيه للأطفال في توتنهام إحدى المناطق المتضررة من أعمال الشغب
TT

وجهت اتهامات إلى المحاكم البريطانية التي تعمل على مدار الساعة منذ بدء أعمال الشغب، بإصدار عقوبات تعسفية ضد مثيري أعمال الشغب، بعد إصدارها أحكاما قاسية بالسجن على من قاموا بأعمال مثل سرقة عبوة مياه أو إنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» تدعو إلى المشاركة في أعمال العنف.

وأصدرت إحدى المحاكم البريطانية، الثلاثاء الماضي، حكما بالسجن أربعة أعوام على شخصين تبلغ أعمارهما 20 و22 عاما، وهي أقسى عقوبة تم فرضها في سياق أعمال الشغب، بتهمة التحريض على الاضطرابات من خلال الـ«فيس بوك»، على الرغم من أن هذه الدعوات لم يكن لها أي تأثير في تلك الأحداث. حسب وكالة الصحافة الفرنسية. فقد دعا جوردان بلاكشو (20 عاما) إلى تجمع على صفحة في «فيس بوك» أطلق عليها اسم «تدمير بلدة نورثويتش» (شمال غربي إنجلترا)، لكنه ذهب وحده إلى ذلك المكان فاعتقلته الشرطة على الفور. أما المتهم الثاني بيري كينان (22 عاما) فقد فتح صفحة «تنظيم أعمال الشغب» في حي وارينغتون الذي يسكنه (شمال غربي إنجلترا)، قبل إلغائها في اليوم الثاني مع الاعتذار.

وقد أصدرت إحدى المحاكم البريطانية، الخميس الماضي، حكما بالسجن ستة أشهر على شاب (23 عاما) استغل أعمال الشغب تلك ليستولي على حزمة من زجاجات مياه الشرب تقدر قيمتها بـ3.5 جنيه إسترليني.

وبعد أسبوع من انتهاء أعمال الشغب، مثل 1200 شخص، 20 في المائة منهم قاصرون، أمام المحاكم. وقد أودع 64 في المائة منهم الحبس. ومعظم المحاكم الابتدائية التي لا يمكنها إصدار أحكام تتجاوز الستة أشهر حولت المتهمين إلى محاكم عليا حيث يمكن فرض عقوبات مشددة.

ودعا رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، إلى التشدد وإصدار أقصى العقوبات ضد مثيري الشغب، قائلا: «إن كل هؤلاء المذنبين يجب أن ينتظروا الذهاب إلى السجن».

وقالت سالي آيرلندا من منظمة «العدالة»، في تصريحات أوردتها صحيفة الـ«غارديان»: «إن بعض التهم ليست متكافئة... وسنرى الكثير من طلبات الاستئناف».

أما المحامي بول ميندال فقد رفض بشدة هذه الحجة، ورأى ميندال أن «هناك قواعد واضحة تنظم نوع العقوبة لكل حالة»، وأضاف أنه «يبدو أن المحاكم دفعت إلى تجاهل هذه القواعد وتجاهل كتب القانون وتشديد العقوبات». وتابع: «أجد هذا الأمر مقلقا وغير عادل. نقول غالبا إن عدالة بطيئة هي حرمان من العدالة، ولكن التسرع في العدالة هو عدالة مرفوضة».

من جانبها نفت السلطات القضائية رسميا أن تكون «أعطت توجيهات بشأن العقوبات على الجرائم التي ارتكبت خلال الاضطرابات الأخيرة».

وفي نفس السياق أعلن نيك كليغ، نائب رئيس الوزراء البريطاني، أن المدنين من مثيري الشغب والمشاركين في عمليات النهب، التي وقعت في أعقاب الاضطرابات العنيفة التي ضربت بريطانيا الشهر الحالي، سيرتدون الزي البرتقالي للمساعدة في أعمال التنظيف في المناطق التي تضررت نتيجة ما قاموا به، في إطار «خطة تسديد فاتورة الشغب».

وقال كليغ إن «لجان الضحايا والجمعيات المستقلة تدرس أسباب انتشار العنف وعمليات الحرق والنهب التي تركت آثارها على أحياء لندن والكثير من المدن الأخرى». وأكد في مؤتمر إخباري أن ذلك «لن يكون استجوابا عاما، ولن يندرج تحت (قانون المساءلة)، لكن ذلك سيكون بمثابة وسيلة يمكن من خلالها للضحايا والمجتمعات أن تدلي برأيها»، حسب «نيويورك تايمز».

كما اعتبر أن هذه الإجراءات بمثابة حل وسط بين وجهتي نظر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، زعيم حزب المحافظين الذي يدفع باتجاه تطبيق القانون وفرض النظام، وحزب العمال المعارض بقيادة إد ميليباند، الذي حث الحكومة على التركيز على أسباب الاضطرابات والقيام بتحقيق عام موسع يقوده قاضٍ لديه القدرة على استدعاء الشهود.

وعلى الرغم من قول القضاة والشرطة إن هذه العقوبات القاسية تبعث برسالة واضحة من أجل الردع، قال منتقدون إن القضاة تبنوا معايير مزدوجة. وقارنها البعض بشكل ساخر بالعقوبات الأكثر تساهلا في فضيحة حسابات النفقات التي تورط فيها أعضاء البرلمان، أو الغياب اللافت للملاحقات القضائية بشأن الممارسات المصرفية غير المسؤولة التي أدت إلى وقوع الأزمة المالية العالمية.

وفي سياق آخر وعلى إثر الخسائر المادية الكبيرة التي نتجت عن أعمال الشغب أكد مصدر حكومي أن بريطانيا ستعمل على إعادة بناء ثقة أصحاب المؤسسات والمستثمرين، إثر أعمال الشغب التي شهدتها لندن، عن طريق إقامة صندوق شركات للمناطق الأكثر تضررا، وذلك مع تعرض الوزراء لضغوط لبذل جهود تتجاوز مجرد إطلاق التصريحات المتشددة.

وقد اقتصر معظم رد فعل حكومة ائتلاف المحافظين والديمقراطيين الأحرار إزاء أربعة أيام من أعمال الشغب والنهب في أنحاء إنجلترا، الأسبوع الماضي، على التصريحات المتشددة بحق مرتكبي أعمال السلب، إلى جانب حفنة من خطوات تشديد إجراءات الأمن، حسب «رويترز».

وقال المصدر الحكومي أيضا: «يمكن أن نحصل على مساعدة فورية لتلك المناطق التي تحملت عبء الاضطرابات وننهض بالنمو». وأضاف أن الصندوق الجديد يهدف إلى مساعدة الشركات في مناطق بلندن، مثل توتنهام، حيث بدأت أعمال الشغب، وكرويدون، كي تقف على قدميها من جديد. وستقام أيضا مناطق شركات جديدة في أنحاء بريطانيا لتحفيز نمو القطاع الخاص، في اقتصاد متأزم يكافح للعودة إلى النمو بعد 18 شهرا من الركود.

ويقول منتقدون إنه يجب أيضا معالجة مشكلات اجتماعية واقتصادية أعمق، مثل عدم المساواة والحرمان والبطالة المرتفعة بين الشبان، إذا كان لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون أن يحقق هدفه لإصلاح «بريطانيا المكسورة»، على حد وصفه.

ويشبه البعض ذلك بأعمال الشغب في لندن وليفربول أوائل الثمانينات، التي ألقي اللوم فيها بادئ الأمر على غياب القانون، لكنّ تحقيقا كشف بعد ذلك أن ما أوقد شرارتها هو عدم المساواة والفقر والتوترات الناجمة عن قسوة الشرطة.

وألحقت الاضطرابات التي لطخت صورة لندن وشرطتها قبل عام فحسب من استضافة المدينة لدورة الألعاب الأولمبية أضرارا بمئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية، حيث أشعلت النار في محال تجارية، وتعرض كثير منها للسلب والنهب.

ويتعرض كاميرون، الذي يواجه أسئلة أيضا بشأن معالجته لفضيحة تجسس هاتفي في صحيفة لشركة «نيوز كورب»، كان يدير تحريرها مدير اتصالاته السابق، لانتقادات من بعض الديمقراطيين الأحرار لرد فعله «غير المحسوب»، على أعمال الشغب، فقد سارع رئيس الوزراء إلى استغلال الاستياء الشعبي إزاء أعمال العنف، ملقيا باللوم فيها على انهيار في الأخلاق والقيم العائلية، ومتعهدا بإجراءات صارمة، دون أن يقدم حلولا تُذكر على المدى الطويل.

وقال المصدر إن الحكومة ستعلن عن 11 منطقة جديدة في أنحاء بريطانيا تتمتع فيها الشركات بتخفيضات ضريبية وإجراءات ميسرة، مما سيوفر ما يصل إلى 30 ألف وظيفة بحلول الانتخابات المقبلة في 2015.

ومناطق الشركات جزء من خطة نمو حكومية تستهدف إعادة تحقيق التوازن في الاقتصاد، مع قيام الوزراء بخفض الإنفاق العام لمعالجة عجز قياسي في الميزانية.

وبين المصدر أيضا أنه «من الضروري أن نحقق نموا اقتصاديا متوازنا في أنحاء البلاد. حان الوقت لكي تساعد الحكومة كل جزء من البلد على النمو والاستفادة من إمكانياته».