«الربيع العربي» يتمدد إلى الهند

غليان شعبي ومظاهرات حاشدة تضامنا مع ناشط مضرب عن الطعام احتجاجا على الفساد

آنا هازاري
TT

عدد هائل من البشر يملأون الشوارع والطرق حاملين أعلاما ورافعين شعارات مناهضة للحكومة، وعارضين بمحض إرادتهم أن يتم اعتقالهم، في مشهد بات مألوفا في معظم أجزاء الهند منذ اليومين الماضيين.

اندلعت الاحتجاجات الضخمة، التي تبدو نسخة طبق الأصل من انتفاضات «الربيع العربي»، عندما اعتقلت الشرطة الهندية الناشط آنا هازاري (74 عاما) قبل بدئه إضرابا عن الطعام؛ احتجاجا على مشروع قانون جديد لمكافحة الفساد. وكان الناشط الذي يسير على نهج الزعيم الهندي الشهير غاندي، يعتزم بدء إضراب عن الطعام احتجاجا على قانون مكافحة الفساد عديم الفاعلية الذي صاغته الحكومة في نيودلهي.

وقبل احتجازه، طالب هازاري المواطنين الهنود بالاستمرار في احتجاجاتهم، مع الحفاظ على طابعها السلمي. ومن خلال وصفه احتجازه من قبل الشرطة بأنه بداية «معركة ثانية من أجل الحرية»، ناشد هازاري الناس المشاركة في احتجاجات مناهضة يطالبون فيها باعتقالهم بالمثل على غرار هازاري. وخاطبهم قائلا: «أعزائي المواطنين، لقد بدأت معركتنا الثانية من أجل الحرية، والآن، تم أيضا اعتقالي. لكن هل سيوقف اعتقالي حركتنا؟ كلا على الإطلاق. لا تسمحوا لذلك بأن يحدث».

وفي غضون ساعات، اكتسحت الاحتجاجات مختلف أنحاء الهند، حيث خرج عشرات الآلاف من مختلف الأعمار والأجناس: الشباب والمسنون وأطفال المدارس والنساء، متحدين الأمطار ودرجة الحرارة المرتفعة، إلى الشوارع حاملين أعلاما، وكان بعضهم يرتدي أقنعة تتخذ شكل وجه هازاري، أو يحمل شعارات، أو يردد هتافات مناوئة للحكومة، تاركين الحكومة مصدومة من هذه المعارضة الشعبية الجامحة.

كان هناك مئات يرتدون غطاء رأسه الأبيض المميز حاملين شعار «أنا آنا هازاري» باللغتين الإنجليزية والهندية. وبعضهم ارتدى فانيلات تحمل شعارات مثل: «تعلموا من المصريين والأردنيين والسوريين والليبيين». ويحظى هازاري بشعبية بين الطبقات الوسطى والنخبة الليبرالية الهندية.

واستمر أحد أضخم الاحتجاجات، مدفوعا بالغضب الشعبي الجارف، خارج سجن «تيهار» بنيودلهي، حيث أودع هازاري، مع أنه تم إطلاق سراحه بعد بضع ساعات، إلا أنه رفض تناول الطعام ومغادرة السجن، قبل أن يسمح له بالإضراب عن الطعام في نيودلهي.

وطوال الليل، تجمع المئات من أنصار هازاري خارج السجن ساعين لتفعيل حقهم في التظاهر، أحد الحقوق الديمقراطية المكفولة بموجب الدستور الهندي. ولم يتوقع أحد بالفعل، لا سيما الحكومة، حجم التأييد الواسع لهازاري وحملته العنيفة ضد الفساد.

وبعيدا عن التطورات المتعلقة بحملة الإضراب عن الطعام، خرج هنود من مختلف الطبقات الاجتماعية إلى الشوارع، وأدان المحتجون الحكومة (لم يكن أحد عازما على قبول فكرة أن إجراء الشرطة ضد هازاري كان من الممكن اتخاذه من دون موافقة المسؤولين الحكوميين).

عاش الهنود في ظل حالة من الفساد المتزايد كواقع حياة لعقود. فكثيرا ما يتعين عليهم دفع رشاوى للمسؤولين مقابل الحصول على رخص قيادة سيارات أو تراخيص بناء، أو إجراء إصلاحات في المساكن، أو حتى الحصول على المزايا المستحقة لهم. لكن سلسلة من فضائح الفساد التي وقعت العام الماضي، والتي أشيع تورط وزراء بارزين وبيروقراطيين ومسؤولين في الكثير منها، والتي شملت قطاعي الاتصالات والدفاع، والأحداث الرياضية، وكبدت الدولة عشرات المليارات من الدولارات، أوصلت الغضب الشعبي إلى درجة الغليان. وفي أبريل (نيسان) الماضي، أضرب هازاري عن الطعام لمدة خمسة أيام، وهو الاحتجاج الذي كسب تأييدا قوميا واسعا، وأسهم في جعله رمزا في معركة مكافحة الرشوة الشعبية. كما ألقى بضغط على كاهل الحكومة الحاكمة لسن قانون توكل بموجبه لمراقب عام مستقل مهمة التحقيق مع كبار المسؤولين. لكن صيغة التشريع المقترح، التي لم تتخذ شكل قانون بعد، والتي أعفت مكتب رئيس الوزراء وكبار القضاة من الرقابة الصارمة، دفعت بهازاري إلى إعلان إضراب ثان عن الطعام.

وقال سانتوش هيغد، القاضي السابق بالمحكمة العليا، الذي تصدر خبر إجباره الوزير الأول بولاية نيودلهي على تقديم استقالته في أعقاب اتهامات بالفساد عناوين الصحف: «الناس يصبون جام غضبهم. إنها حركة غضب شعبي تلقائية تماما، والحكومة ترغب في قمع الثورة الشعبية». واتهم الساسة المعارضون إدارة رئيس الوزراء، مانموهان سينغ، المحاصرة، التي تعتبر الآن في منتصف مدتها الثانية، بتكرار صور القمع والتنكيل الوحشية التي انتهجتها رئيسة الوزراء، أنديرا غاندي، في سبعينات القرن الماضي، والتي خسرت الانتخابات التالية، أو إجراءات حكام عهد الاستعمار البريطاني.

«هذا قضاء على الديمقراطية»، هذا ما قاله أرون جايتلي، القيادي الرفيع المستوى بحزب بهاراتيا جاناتا (بي جي بي) المعارض. وقالت راكشاندا خان (35 عاما) ربة منزل، إنها شاركت في المظاهرات بترديد النشيد الوطني في وسط المدينة مع مئات آخرين. وقالت خان: «كان ذلك أفضل بكثير من الجلوس أمام شاشة التلفزيون في حالة من القلق والغضب. وددت أن أتخذ إجراء ملموسا. لقد حان الوقت للوقوف في صف آنا، بدلا من الجلوس في المنزل».

كذلك، قال عبد العزيز الشيخ (26 عاما)، وهو مهندس في مجال تكنولوجيا المعلومات وناشط، إنه كان يتظاهر طوال اليوم وكان ينظم صلوات على أضواء الشموع. وأضاف: «أستقي إلهامي من إخواني وأخواتي في العالم العربي. إن دول العالم العربي ليست حتى ديمقراطيات ناضجة مثل الهند، حيث الحكومة عازمة على حرمان الهنود من حقهم الديمقراطي في التظاهر السلمي. هذا أمر مخالف تماما للدستور».

وازدادت حدة الغضب إثر احتجاز الكثير من النشطاء المعروفين الآخرين بخلاف هازاري، ومنهم كيران بيدي، ضابطة شرطة بارزة في الهند ومعروفة بجهودها في مكافحة الفساد. وأرسلت رسالة عبر موقع «تويتر» من محبسها تشير فيها إلى أنها رفضت عرضا بإطلاق سراحها بكفالة.

ونجح هازاري، من خلال إضرابه الأول عن الطعام، في إجبار الحكومة على أن تعد بسن قانون لمكافحة الفساد، يمنح بمقتضاه مراقب عام صلاحيات التحقيق مع الساسة والبيروقراطيين والقضاة المتهمين بالفساد، وفرض عقوبات عليهم. غير أن التغييرات التي طرحت في تشريع قدم مطلع أغسطس (آب) الحالي، قوبلت بانتقادات من قبل النشطاء باعتبارها غير كافية. واتهموا الحكومة بتغيير موقفها وتبني نهج مغاير.

واستخدمت الفئات البارعة في التعامل مع التكنولوجيا، خاصة الشباب، مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر» في إرسال تعليقات معارضة لاحتجاز آنا هازاري. وعلى موقع «تويتر»، كانت 8 من بين 10 رسائل في القائمة الرئيسية الخاصة بأخبار الهند، مرتبطة ارتباطا وثيقا بموضوع الإضراب عن الطعام. ومن المثير للعجب أن كثيرين غيروا صورة البروفايل خاصتهم إلى صورة آنا هازاري كنوع من التعبير عن دعمهم له.

نشر ساشين غوبتا على حائطه: «لنتأكد من أن هاتف مكتب رئيس الوزراء مستمر في الرن. وبعد 3 أو 4 محاولات، حينما سألت: لماذا ألقي القبض على آنا؟ تلقيت الرد، آسف، لا يمكنني قول أي شيء». ونشر مستخدم آخر، رسالة على موقع «تويتر» جاء فيها: «في الخامس عشر من أغسطس (آب)، حصلنا على استقلالنا، وفي يوم السادس عشر من الشهر نفسه، سلبته الحكومة الهندية منا». كما كتب تشاندان موغار، الرحالة النشط: «علينا جميعا أن ندعم آنا. هذه هي الفرصة الأخيرة ولا مجال للتأخير. أنا على استعداد بالفعل للتوجه إلى السجن للاحتجاج السلمي. هل أنت مستعد؟».