أوباما يطالب الأسد بالتنحي ويفرض أشد العقوبات على سوريا

كلينتون: نتفهم ونحترم الرغبة القوية للشعب السوري بألا تتدخل أي دولة أجنبية في صراعهم

لافتة رفعها المتظاهرون السوريون في ببلدة الكسوة بثها موقع «شام نيوز» التابع للمعارضة أمس
TT

دخلت الأزمة السورية منعطفا جديدا أمس مع مطالبة الرئيس الأميركي باراك أوباما مباشرة بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد والمطالبة بإنهاء نظامه. وأصدرت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على سوريا أمس، تزامنا مع بيان خطي من أوباما وبيان شفوي من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون يؤكد على التنديد بالنظام السوري.

وحرص كل من أوباما وكلينتون على التأكيد على رفض التدخل الأجنبي في تحديد القيادة السورية المقبلة، كما أن الإدارة الأميركية تشدد على عدم رغبتها أو تأييدها لأي تدخل عسكري أجنبي في سوريا. وهاتان خطوتان تشدد عليهما الإدارة الأميركية، وتؤكد أن موقفها مبني على الواقع في المنطقة وعلى مطالب المعارضة السورية بعد حدوث أي تحرك عسكري ضد سوريا.

وأثنى أوباما على الشعب السوري والمتظاهرين الذين تتصاعد أعدادهم من أشهر عدة. وقال: «لقد ألهمنا سعي الشعب السوري في سبيل التحول السلمي إلى الديمقراطية، فقد واجه بشجاعة الوحشية الضارية بأيدي حكومته. وقال كلمته من خلال مسيراته السلمية وإلحاقه العار الصامت بالنظام السوري، ومثابرته الشجاعة على مواجهة الوحشية، يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع، وردت الحكومة بمواصلة الهجمات الضارية». وأضاف: «إنني أشجب بشدة هذه الوحشية، بما فيها الهجمات المشينة على المدنيين السوريين في مدن مثل حماه ودير الزور واعتقال زعماء المعارضة الذين حرموا من العدالة وأخضعوا للتعذيب على أيدي النظام». واعتبر أوباما أن «تلك الانتهاكات للحقوق العالمية للشعب السوري كشفت لسوريا والمنطقة والعالم عن ازدراء حكومة الأسد السافر لكرامة الشعب السوري».

وشدد أوباما في خطابه على الطابع الدولي للتحرك الأميركي، الذي تزامن مع تنديد أوروبي لنظام الأسد والمطالبة بتنحيه. ولا تريد أن تظهر الإدارة الأميركية على أنها تدخل مواجهة ثنائية مع سوريا. وقال أوباما: «فرضنا عقوبات على الرئيس الأسد وحكومته، كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات أيضا. وساعدنا على قيادة جهد في مجلس الأمن الدولي لإدانة أعمال سوريا، ونسقنا بشكل وثيق مع الحلفاء والشركاء في المنطقة والعالم». وأضاف: «أصبحت حكومة الأسد الآن مدانة من بلدان في كل أرجاء العالم، ولم يعد لها من تتجه إليه طلبا لتأييد تدابيرها الوحشية المجحفة الصارمة سوى إيران».

وحمل البيان إشارات عدة إلى أهمية تحديد الشعب السوري مصيره، إذ قال أوباما: «إن مستقبل سوريا يجب أن يقرره شعبها، لكن الرئيس الأسد يقف في طريقه، وكانت دعواته إلى الحوار والإصلاح أصداء جوفاء فيما كان يسجن ويعذب ويقتل شعبه بالذات». وأضاف: «لقد قلنا باستمرار إنه يجب على الرئيس الأسد إما أن يقود التحول الديمقراطي أو أن يتنحى عن طريقه، وهو لم يقد. ولذا فقد آن الأوان، ومن أجل مصلحة سوريا، أن يتنحى الرئيس الأسد جانبا».

وأكد أوباما أنه «لا يمكن للولايات المتحدة فرض هذا التحول على سوريا ولن تسعى لفرضه، الأمر متروك لأبناء الشعب السوري في اختيار قادتهم، ونحن سمعنا عن رغبتهم القوية في ألا يكون هناك تدخل أجنبي في حركتهم». وبينما استبعد أوباما أي تدخل مباشر في سوريا، أوضح أن «ما ستدعمه الولايات المتحدة هو الجهد اللازم من أجل التوصل إلى سوريا ديمقراطية وعادلة وشاملة لجميع السوريين. إننا سوف ندعم هذه النتيجة من خلال الضغط على الرئيس الأسد لإفساح الطريق لهذا التحول، ومن خلال مساندة الحقوق العالمية للشعب السوري جنبا إلى جنب مع الآخرين في المجتمع الدولي». وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى في حديث مع عدد من الصحافيين في واشنطن أمس: «لا أعتقد أن الخيار العسكري هو مسار مرغوب في سوريا»، مفضلا الاعتماد على الضغط على النظام ودعم المعارضة كالخيار الأفضل.

وهذا الضغط يأتي من خلال العقوبات وقطع الإيرادات عن النظام السوري. وأعلن أوباما عن العقوبات الجديدة التي فرضتها إدارته على سوريا صباح أمس، وهي إجراءات وصفها بـ«عقوبات غير مسبوقة لتعميق العزلة المالية لنظام الأسد وتعطيل قدرته على تمويل حملة العنف ضد الشعب السوري».

وأصدر أوباما أمرا رئاسيا تنفيذيا جديدا يقر التجميد الفوري لجميع الأصول التابعة لحكومة سوريا التي تخضع للسلطة القانونية الأميركية، كما يحظر على جميع المواطنين الأميركيين «الانخراط في أي صفقة تشمل الحكومة السورية». وتحظر العقوبات الجديدة استيراد الولايات المتحدة النفط أو المنتجات النفطية ذات المنشأ السوري، وتمنع الأميركيين من القيام بأية تعاملات ذات صلة بقطاع النفط السوري أو المنتجات النفطية السورية. وأصدر أوباما قرارا يحظر كلا من «شركة النفط العامة» و«الشركة السورية لنقل النفط» و«الشركة السورية للغاز» و«الشركة السورية للنفط».

ويحظر القرار الرئاسي على الأميركيين أيضا إدارة الأعمال أو الاستثمار في سوريا. وهناك إدراك في واشنطن أن التحركات الأميركية بمفردها لن تكون مؤثرة إذ إن سوريا معرضة للعقوبات الأميركية منذ عام 1979 ولا توجد روابط تجارية واسعة بين البلدين خاصة في القطاع النفطي. وقال أوباما: «نحن نتوقع أن يقوم الآخرون بتوسيع نطاق الإجراءات التي قررنا اتخاذها»، حيث من المتوقع أن يقوم الاتحاد الأوروبي بخطوات مماثلة.

وانتهى بيان أوباما بالتنبيه على أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة على سوريا والعمل على «التغيير في السلطة» سيستغرق وقتا. وقال أوباما: «نحن ندرك أن الأمر سيستغرق وقتا ليقوم أبناء الشعب السوري بتحقيق العدالة التي يستحقونها، سيكون هناك المزيد من النضال والتضحية. فمن الواضح أن الرئيس الأسد يعتقد أنه يستطيع إسكات أصوات شعبه من خلال اللجوء إلى الأساليب القمعية التي كان يقوم بها في الماضي، لكنه مخطئ». وأضاف: «كما تعلمنا خلال هذه الشهور الكثيرة الماضية، فإنه في بعض الأحيان لن تكون الأمور في المستقبل مثلما كانت عليه في الماضي. لقد حان الوقت لأبناء الشعب السوري لتحديد مصيرهم، وسنواصل الوقوف إلى جانبهم بحزم وثبات».

وحملت كلينتون تصريحات شبه متطابقة مع تلك التي جاءت في بيان الرئيس السوري، مكررة التنديد بنظام الأسد ودعم الشعب السوري. وبعد 30 دقيقة من إصدار البيت الأبيض بيان أوباما، وجهت كلينتون خطابا أمام عدسات الكاميرات في مقر وزارة الخارجية الأميركية. وكررت التأكيد على الموقف «الدولي» من سوريا واعتبرت أن «حكومة الأسد أدينت من دول في كافة أرجاء العالم والآن تنظر فقط إلى إيران للدعم في قمعها الوحشي والظالم». وأضافت: «على الشعب السوري أن يختار قادته في نظام ديمقراطي مبني على سيادة القانون ومخصص لحماية حقوق كل المواطنين بغض النظر عن الإثنية أو الدين أو الطائفة أو الجنس»، مؤكدة «نحن نتفهم الرغبة القوية للشعب السوري بألا تتدخل أية دولة أجنبية في صراعهم ونحن نحترم رغبتهم». ولكن أردفت قائلة: «في الوقت نفسه، سنقوم بدورنا لتأييد طموحاتهم لسوريا ديمقراطية وعادلة وشاملة.. من خلال الضغط على النظام وعلى الأسد شخصيا للخروج عن طريق هذا التحول».

وتحدثت كلينتون عن جهود بلادها لـ«توسيع دائرة التنديد العالمي ولقد دعمنا كلماتنا بالتحركات»، في رسالة إلى الدول التي تندد بالعنف في سوريا بأن تتخذ إجراءات مماثلة. وقالت: «إذا استطاع الشعب السوري تحقيق أهدافه، سيتوجب على الدول الأخرى أن تقدم الدعم وتتخذ الإجراءات اللازمة». ولفتت كلينتون إلى أهمية الدول الإقليمية، قائلة: «خلال الأسبوعين الماضيين، الكثير من دول جوار سوريا وشركائها في المنطقة انضموا إلى الأصوات المنددة ونتوقع أن يزيدوا هذه الخطوات، مع غيرهم من أعضاء المجتمع الدولي، من خلال الكلمات والتحركات».

وكانت أولى ردود الفعل الأميركية على قرارات أوباما من الجمهوريين. واعتبر عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جون ماكين أن مطالبة الأسد بالتنحي «أخبار جيدة وإجراء كان ضروريا». وأضاف في رسالة عبر موقع «تويتر» أنه «من الأفضل أن القرار تأخر بدلا من عدم اتخاذه أصلا». وأما المرشح الجمهوري للرئاسة، فأصدر بيانا يدين تأخر أوباما باتخاذ هذه الخطوة، قائلا إنه «استغرق الكثير من الوقت ليتكلم الرئيس أوباما بشدة ضد الأسد وقمعه الشرس». إلا أن البيت الأبيض دافع عن قرار التأخر في إعلان أوباما المطالبة بتنحي الأسد. وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى في الحديث مع مجموعة من الصحافيين: «لقد تحركنا منذ الأيام الأولى.. الهدف كان بناء جهود دولية قوية من أجل التأثير الأكبر» على النظام السوري. وتحدث المسؤول عن أهمية الدور التركي في معالجة الأزمة في سوريا، مؤكدا أن الساعات الـ24 قبل إصدار بيان أوباما شهدت اتصالات ومشاورات مكثفة مع الأتراك. وأوضح المسؤول: «الشراكة مع تركيا في هذا الشأن كانت مهما جدا، خاصة مع شدة التنديد من القياد التركية». وأضاف: «نرى المزيد من الإحباط من الشركاء الإقليميين، فقد أثبت الأسد سجلا من الوعود الفارغة».