اتهام هندي لأميركا بالوقوف وراء الاحتجاجات العارمة ضد الفساد

الخارجية الأميركية تتنصل من «تقارير غير دقيقة» وماكين يشيد بحرية التعبير في الهند

مؤيدون للناشط آنا هازاري يحملون صورة له خلال تظاهرهم خارج السجن الذي يقبع فيه.. في نيودلهي أمس (إ.ب.أ)
TT

في حين تواصلت المظاهرات الاحتجاجية ضد الفساد في الهند، أمس، تحدث ناطق باسم الحزب الحاكم في البلاد عن دور محتمل للولايات المتحدة في موجة الاحتجاجات هذه.

وأشار المتحدث باسم حزب المؤتمر الهندي الحاكم، رشيد علوي، إلى تصريحات أطلقتها الخارجية الأميركية، الأسبوع الماضي، قالت فيها إنها تعول على الهند «لممارسة ضبط النفس الديمقراطي المناسب» في التعامل مع الاحتجاجات.

وقال علوي في تصريحات نقلتها صحيفة «تايمز أوف إنديا» أمس: «لم تطلق الولايات المتحدة من قبل تصريحات بشأن أي حركة في الهند. إنها المرة الأولى التي تفعل فيها ذلك». وتابع: «نظهر درب الديمقراطية لآخرين، فما الحاجة لأن تقول الولايات المتحدة ذلك؟ لقد خلق ذلك بلبلة».

وعادة ما يشتبه القادة الهنود في تدخلات خارجية وراء أي حركة معارضة داخلية وإن كانت الحكومات الهندية اتخذت مؤخرا توجها دوليا أكثر انفتاحا وربطتها علاقات قوية بالولايات المتحدة. وكانت الاحتجاجات الحالية قد اندلعت تضامنا مع آنا هازاري، الناشط المخضرم المكافح للفساد، الذي قرر الدخول في إضراب عن الطعام حتى يتم تعديل تشريع ضد الفساد. وقال علوي: «آنا بمفرده وليس لديه تنظيم فكيف نمت تلك الحركة إذن؟». وتابع مشككا: «من هؤلاء الذين ينشرون الأنباء على الإنترنت وبالهواتف؟».

ولمح رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ بنفسه إلى تدخل خارجي خلال كلمة ألقاها أمام البرلمان أول من أمس. وقال إن «قوة الهند تظهر الآن كلاعب مهم على الساحة الدولية.. هناك قوى كثيرة لا تريد أن ترى الهند تتبوأ مكانها الصحيح في مصافي الأمم، ولا ينبغي أن نخدم أجنداتهم».

وكانت أنديرا غاندي، رئيسة الوزراء التي علقت العمل بالنظام الديمقراطي في الهند وسط اضطرابات سياسية في منتصف السبعينات، قد دأبت على الحديث عن «أصابع خارجية» في المشكلات الداخلية للبلاد، وهو التعبير الذي ما زال رائجا بين السياسيين الهنود.

غير أن السيناتور الأميركي جون ماكين، الذي يزور نيودلهي في الوقت الراهن، رفض تلك التلميحات. وقال ماكين: «الحقيقة هي أن الولايات المتحدة لا تقحم نفسها فيما يدور في أكبر ديمقراطية في العالم من حيث عدد السكان، ولا تنوى في الواقع فعل ذلك».

وأضاف أنه حري بالهند أن تفخر بمواطنيها وبقدرتهم على «التعبير عن آرائهم بشكل سلمي»، مقارنة مثلا بما يدور في سوريا حيث «يذبح المحتجون على أيدي الحكومة».

من جانبها، تحركت المتحدثة بلسان الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند لنزع فتيل أزمة. وقالت للصحافيين في واشنطن: «وردت تقارير غير دقيقة إطلاقا من الهند جاء فيها أن الولايات المتحدة أصدرت بيانا شديد اللهجة، وهو ليس كذلك». وكانت نولاند هي التي أصدرت التصريح الذي استند إليه المتحدث الهندي رشيد علوي.

وتواصلت أمس المظاهرات المنددة بالفساد المستشري في الهند حيث خرجت أعداد ضخمة من المواطنين لتقول إنها ضاقت ذرعا بالفساد المستشري. وفي مشاهد لم تعهدها العاصمة منذ عقود، خرج عشرات الآلاف من المحتجين، أول من أمس، في مسيرة تلقائية بنيودلهي للإعراب عن غضبهم تجاه مشكلة تمس كل جوانب حياتهم اليومية. وشارك في الاحتجاجات طلبة في المدارس وموظفون ومتقاعدون ورجال بالجيش، بل شملت حتى مجموعة من طائفة الهيجرا من الرجال الخصيان الذين يرتدون ملابس النساء، للإعراب بصوت واحد عن مطالبهم بالتحرك لوقف الفساد، وهو ما وعدت به الحكومة تلو الأخرى دون نتيجة.

وشاركت سانديا ياداف وهي ربة بيت في الرابعة والخمسين من عمرها، في مسيرة أول من أمس برفقة اثنتين من بناتها؛ إحداهما لم تنجح في دخول الجامعة على الرغم من حصولها على 90 في المائة لرفضها دفع رشوة. وقالت سانديا: «لم يعد بإمكاننا السكوت والتفرج على ما يجري!».

وكثيرون أعربوا عن رأيهم بأن الفساد يجعلهم يشعرون بالخجل كهنود فضلا عن الحنق، لأنهم يضطرون للمشاركة في الفساد المتجذر في المجتمع دون أن يكون لديهم خيار آخر.

وقالت المتظاهرة انيتا تريهان: «نحن فاسدون جدا، اعتدنا الرشوة ونقبلها دون تردد. علينا أن نخجل من أنفسنا»، إذ اعترفت هي نفسها بدفع 20 ألف روبية (450 دولارا) رشوة مقابل الحصول على ترخيص بفتح صالون تجميل.

من جانبها، قالت انجالي ياداف التي تدرس الطب إنها اضطرت لرشوة موظف لاستخلاص شهادة وفاة والدتها. وقالت: «خجلت من نفسي جدا، أما الآن فسأقاوم الفساد».

وخرج المتظاهرون بعد حملة أطلقها آنا هازاري الناشط المخضرم الذي تعهد «بالصوم حتى الموت» احتجاجا على ما وصفه بمشروع قانون تم تخفيفه في البرلمان حتى لا تتم مكافحة الفساد مكافحة جدية. وتدور معركة هازاري الرئيسية مع حكومة رئيس الوزراء سينغ، التي طالت كبار وزرائها الفضيحة تلو الأخرى بملايين الدولارات.

ومع الاستياء العام من سجل الحكم في الهند، ينصب الغضب الأكبر على ما يستشري من فساد يومي يضطلع به الموظف تلو الآخر في مختلف المصالح. وتقول افنتيكا رواتجي الطالبة الجامعية البالغة 18 عاما إنها دفعت رشوة مؤخرا لاستخراج رخصة القيادة، وتضيف: «من دون الرشاوى لن تستخلص شيئا في الهند. هذا الاستشراء العام هو الواجب وضع حد له وعلينا التحرك بمواجهته الآن ومن هنا».

والرشاوى أمر شائع في الهند يتوجب دفعها للحصول على أي وثيقة؛ من الحصول على وصلة هاتف إلى تراخيص مزاولة الأعمال إلى خطابات القبول بالمدارس، إلخ. والفساد يستشري في كل أركان المجتمع بكافة طبقاته من الأكثر ثراء إلى الأشد فقرا. كما جرت احتجاجات مماثلة في أنحاء أخرى من البلاد من ولاية اروناتشال براديش في أقصى الشمال الشرقي إلى العاصمة المالية مومباي، ومدينة تشيناي الساحلية جنوبا.

ويقول كي اس مالهوترا، 68 عاما، أستاذ التاريخ السابق بجامعة دلهي: «أخيرا أخرجنا قضية الفساد إلى شوارع الهند. أنا سعيد بأن الهنود متحدون وراء قضية ستغير حياتنا للأبد».

وقال متظاهر مسن آخر يدعى غوفيند كومار «علينا أن نهزم الفساد الذي ينخر في النظام بأكمله»، وانضم كومار إلى المسيرة بعد وقفة احتجاجية دامت طوال الليل. وأضاف كومار: «هذه معركتنا وتلك ساحتنا»، مشيرا إلى الشارع الذي خرجت فيه المسيرات.

ومن جانبه، قال الموظف الحكومي المتقاعد سرينيفاس كريشنان إن القادة السياسيين مغيبون عن الواقع، مضيفا أن انتفاضة الاحتجاجات التي جرت فجأة ستدق ناقوسا يوقظ البلاد بأسرها، وتابع: «كل واحد هنا ضحية للفساد».