طلاب أجانب يشكون تحولهم إلى «عمالة رخيصة» في أميركا

توجهوا لتعلم اللغة والعمل بموجب برنامج للخارجية ونظموا إضرابا نادرا في مصنع شوكولاته

المئات من الطلاب الأجانب تظاهروا ضد ظروف العمل وتدني الأجور في مصنع للشوكولاته في بنسلفانيا (نيويورك تايمز)
TT

أضرب المئات من الطلاب الأجانب، الذين أخذوا يلوحون بأكفهم ويصيحون في جرأة بالكثير من اللغات، عن العمل يوم الأربعاء في مصنع يقوم بتعبئة شوكولاته في هيرشي، قائلين إن برنامجا صيفيا كان من المفترض أن يدخل في إطار التبادل الثقافي تحول إلى برنامج لعمالة بأجر محدود.

وكان هؤلاء الطلاب قدموا من دول بينها الصين ونيجيريا ورومانيا وأوكرانيا، إلى الولايات المتحدة عبر برنامج تأشيرات صيفية أنشأته وزارة الخارجية منذ وقت طويل ويسمح لهم بالعمل لمدة شهرين ثم السفر. وذكروا أنهم كانوا يتوقعون ممارسة اللغة الإنجليزية وجمع المال والتعرف على طبيعة الحياة في الولايات المتحدة.

بصورة ما، حدث هذا بالفعل، فقد تم تشغيل نحو 400 طالب أجنبي في حمل صناديق ثقيلة وتعبئة حلوى «رييس»، وشوكولاته «كيت كات» و«ألموند جوي» في خط إنتاج سريع الدوران، وكان كثير منهم يعمل بورديات ليلية. وبعد الخصومات من الرواتب بسبب الرسوم المرتبطة بالبرنامج وإيجاراتهم، قال الطلاب في تجمع أمام مصنع التعبئة الضخم إن كثيرين منهم لا يحققون مكاسب تكفي لتغطية النفقات التي تكبدوها في دولهم للحصول على تأشيرات السفر.

وجاءت التجربة التي مروا بها في المجتمع الأميركي مختلفة تماما عما توقعوه. وقال تشاو هويجياو، وهو طالب عمره 20 عاما بالمرحلة الجامعية يدرس العلاقات الدولية من داليان بالصين: «لا يوجد أي تبادل ثقافي على الإطلاق». وأضاف: «إنه فقط عمل بمعدل سريع يفوق الاحتمال».

وكل صيف تستقدم الخارجية الأميركية آلاف الطلاب الأجانب ضمن البرنامج الدولي للسفر من أجل العمل، بتأشيرات سفر تعرف باسم «جيه - 1». وعلى مر السنين حقق البرنامج نجاحا بإعطائه الطلاب الجامعيين من الدول الأجنبية فرصة للاندماج في الحياة اليومية في أميركا وتكوين صداقات دائمة.

غير أنه في السنوات الأخيرة ظهرت شكاوى من البرنامج من قبل الطلاب في ما يتعلق بالأجور الضعيفة وظروف العمل الصعبة غير المتوقعة. وعلى الرغم من ذلك يبدو أن الإضراب عن العمل بمصنع بالميرا هو أول إضراب من نوعه يشارك فيه طلاب أجانب احتجاجا على ظروف عملهم.

وأفاد جون فليمينغ، وهو متحدث باسم الخارجية الأميركية، بأن المسؤولين علموا باحتجاج الطلاب وأرسلوا أفرادا من فريق العمل بالوزارة إلى هيرشي في بالميرا، حيث توجد شركة الحلويات، للتحقيق في الأمر. وقال فليمينغ: «إن مهمتنا هي ضمان أن جميع حاملي تأشيرات (جيه - 1) يحصلون على الحقوق المخولة لهم بموجب شروط برنامج السفر من أجل العمل الصيفي».

وشملت الترتيبات التي أتت بالطلاب الأجانب للعمل في مركز التوزيع الشرقي الثالث، مستودع ضخم في المنطقة الصناعية الراقية بالقرب من هيرشي، عاصمة الشوكولاته الأميركية، مجموعات من المتعهدين. وقال الطلاب إنهم قد ألقوا باللوم في الأساس على المنظمة التي تدير برنامج تأشيرات «جيه - 1» لوزارة الخارجية، وهي مجلس الرحلات التعليمية، ومقره كاليفورنيا. وقال ريك أنايا، الرئيس التنفيذي للمجلس، إنه قد جلب نحو 6000 طالب يحملون تأشيرة «جيه - 1» إلى الولايات المتحدة هذا الصيف. وأشار إلى أنه حاول الاستجابة لشكاوى عمال بالميرا. وقال: «نحن لا نحظى بأي تعاون. نحن نحاول التعاون مع هؤلاء الشباب من أجل إيجاد حلول لمشكلاتهم. كل هذه السلبية تضر ببرنامج ممتاز. سوف نبذل قصارى جهدنا من أجل مساعدتهم، لكن يبدو أن طرفا ما يهيجهم».

وقال متحدث باسم هيرشي، يدعى كيرك سافيل، إن شركة الشوكولاته لم تقم بتشغيل مصنع التعبئة في بالميرا بشكل مباشر، إذ تديره شركة «إكسيل». وقالت متحدثة باسم شركة «إكسيل» إنها قد تمكنت من العثور على عمال من الطلاب من خلال شركة توظيف أخرى.

وقالت المتحدثة باسم الشركة، لين أندرسون: «نحن نجري اتصالات مع وكالة توظيف لتزويدنا بموظفين مؤقتين، بعضهم من القوة العاملة المحلية وبعضهم يحملون تأشيرة (جيه - 1). وليس لنا تأثير كبير على بعض تلك القضايا التي قد أثاروها».

وتقدمت منظمة عمالية كانت تعمل مع الطلاب، وهي اتحاد العمال الزائرين الوطني، بشكوى يوم الأربعاء إلى وزارة الخارجية تطلب فيها منها استبعاد مجلس الرحلات التعليمية بالولايات المتحدة الأميركية من قائمة المنظمات الراعية للبرنامج.

وفي احتجاج يوم الأربعاء اتجه إلى المصنع نحو 200 طالب كان من المقرر أن يبدأوا عملهم بالوردية المسائية في الساعة الـ3 مساء، وقدموا عريضة بمئات التوقيعات إلى ممثل الإدارة. بعدها خرجوا للاحتجاج بصحبة بعض الطلاب القادمين من وردية النهار.

وكانوا قد أتوا عبر الطريق المؤدي إلى المصنع في مقطورات صغيرة تسير بسرعة فائقة، وأخذوا يرددون: «نحن الطلاب، الطلاب الأقوياء!»، إضافة إلى شعارات عمالية باللغة الإنجليزية وأيضا بلغاتهم الأصلية. وقال الطلاب إنهم رأوا أن إضراب عدد هائل منهم عن العمل من شأنه أن يقلل معدل الإنتاج في وردياتهم.

«نحن نرغب في التمتع بحقوقنا»، قالت تشاو متحدثة باللغة الإنجليزية. ورفعت هي وثلاثة طلاب من الصين أذرعهم، مشيرين إلى كدمات قالوا إنهم قد تعرضوا لها إثر حملهم صناديق ضخمة. وشارك ممثلون من اتحادين عماليين أميركيين في التجمعات الاحتجاجية في تقاطع طرق خارج المصنع. ونظم مسؤولون عماليون، منهم ريك بلومينغدال، رئيس مكتب الاتحاد الأميركي للعمال وكونغرس المنظمات الصناعية (A.F.L. - C.I.O.) بولاية بنسلفانيا، ونيل بيسنو، رئيس فرع الاتحاد الدولي لموظفي الخدمة بولاية بنسلفانيا، اعتصاما قصيرا بمدخل المصنع وتم إلقاء القبض عليهم.

وقالت هاريكا دويغو أوزير، 19 عاما، طالبة بالسنة الثانية تدرس الطب بإحدى الجامعات في إسطنبول، إنها قد سمعت من أصدقائها أن البرنامج الصيفي سيكون ممتعا وأنها ستكسب منه قدرا من المال يكفي لدفع مصاريفها الدراسية بكلية الطب. وقالت أوزير: «قلت لم لا؟ هذه أميركا». وقالت إنها عندما قدم لها عقد عمل في مصنع لإنتاج شوكولاته هيرشي شعرت بسعادة غامرة. وقالت: «لقد شاهدنا جميعا مصنع (تشارلي) للشوكولاته. واعتقدنا أن العمل بهذا المصنع سيكون جيدا».

وعلى غرار الكثير من الطلاب الآخرين، قالت أوزير إنها استثمرت مبلغا قيمته نحو 3500 دولار، شمل تكاليف البرنامج، من أجل الحصول على تأشيرة «جيه - 1» والسفر إلى الولايات المتحدة. وقال الكثير من الطلاب الصينيين، من بينهم تشاو، إنهم قد دفعوا أكثر من 6000 دولار في عملية تأمين التأشيرات.

ولفتت أوزير إلى أنها عملت في وردية مدتها ثماني ساعات كانت تبدأ الساعة 11 مساء. وقالت: «إنك تتحمل العمل لثماني ساعات كاملة. وهذا أسوأ شيء بالنسبة لأصابعك ويديك وظهرك، فأنت تجلس بشكل مائل». وذكرت أنه في أحد المواقع التي عملت بها كانت الكاميرات مصوبة عليها، وأخبرها المراقبون أنها لو لم تكن قادرة على مواكبة إيقاع العمل فعليها أن تغادر المكان.

وقال غودوين إفوبي (26 عاما)، طالب طب بالسنة الثالثة من نيجيريا، ويدرس بإحدى الجامعات في أوكرانيا، إن وظيفته هي نقل الصناديق. وقال إفوبي: «منذ أن أتيت إلى هنا أصبت بألم مزمن في ظهري». وأضاف: «بات الإمساك بقلم الآن مهمة صعبة بالنسبة لي، فعضلاتي تؤلمني».

وقال الطلاب إنهم قرروا التظاهر حينما علموا أن جيرانهم في الشقق والمنازل التي يقيمون فيها يدفعون إيجارات أقل بكثير منهم. وقال أفوبي: «كانت النقطة الفاصلة حينما اكتشفنا حقيقة الإيجارات».

وقالت أوزير وطلاب آخرون إنه كان يدفع لهم 8.35 دولار في الساعة. وبعد خصم رسوم البرنامج من راتبها، إلى جانب 400 دولار كقيمة إيجار شهرية، عادة ما تحصل على راتب تقل قيمته عن 200 دولار أسبوعيا». وقالت أوزير: «من المفترض أننا هنا من أجل التبادل الثقافي والتعليم، لكن يبدو الأمر وكأننا مجرد عمالة رخيصة».

* خدمة «نيويورك تايمز»