مصادر دبلوماسية: العقوبات الاقتصادية والنفطية الأوروبية الأكثر إضرارا بالنظام السوري

باريس تخوض المواجهة مع دمشق على ثلاثة مستويات

TT

بعد النقلة النوعية التي اعتمدتها الدول الغربية بطلب تنحي الرئيس السوري، بدأ العمل للخطوات اللاحقة التي تجري، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، على ثلاثة مستويات: نقل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية للنظر في «جرائم» النظام السوري، السعي إلى فرض عقوبات اقتصادية وتجارية وفردية عبر قرار من مجلس الأمن الدولي، وأخيرا فرض سلة عقوبات أوروبية إضافية توازي الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية وتتناول بشكل خاص القطاعين المالي (المصرفي)، والنفطي (الغازي).

وتلعب باريس دورا نشطا على المستويات الثلاثة.. فعلى المستوى الأول، قالت الخارجية الفرنسية إنها «تدعم بشكل كامل التوصيات التي تضمنها تقرير المفوضية العليا لحقوق الإنسان، وتقف بشكل إلى خاص إلى جانب اقتراحها الطلب من مجلس الأمن الدولي دعوة المحكمة الجنائية الدولية للنظر في الملف السوري». وما كانت تشير باريس إليه تلميحا بحديثها عن «التبعات القانونية» المترتبة على استخدام العنف ضد المتظاهرين المدنيين في سوريا، أخذت تسميه مباشرة بحديثها عن «الجرائم ضد الإنسانية» التي يرتكبها النظام السوري، مما يعني أنها من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وذهبت الناطقة المساعدة باسم الخارجية الفرنسية إلى وصف ممارسات قوات النظام بأنها «وصلت إلى حد من الفظاعة لا يمكن تصوره». ولذا، فإن باريس تريد أمرين متلازمين: إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية من جهة، وإنشاء لجنة تحقيق في إطار مجلس حقوق الإنسان الذي سيجتمع بعد غد للنظر في الانتهاكات التي ارتكبت منذ اندلاع الانتفاضة السورية، من ناحية أخرى.

وبموازاة الملف الإنساني - القانوني، تدفع باريس باتجاه فرض عقوبات دولية على دمشق تطال حرمانها من الحصول على السلاح وتجميد الودائع السورية في الخارج ومنع مسؤولين سوريين من السفر. وبدأت أربع دول غربية (فرنسا، وبريطانيا، والبرتغال، وألمانيا) بدعم من واشنطن العمل على مسودة مشروع قرار تريد الدول المعنية توزيعه على كل الأعضاء، على أن يدرس في الاجتماع القادم لمجلس الأمن عن سوريا الأسبوع اللاحق. وسبق للدول عينها أن اقترحت مشروع قرار يكتفي بإدانة القمع. لكن هل الوضع تغير اليوم في مجلس الأمن؟.. تقول المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن هناك «انزعاجا» واضحا لدى كل الأعضاء وليس الغربيين فقط من تصرفات النظام السوري. غير أن المعارضين، رغم قبولهم السابق بصدور البيان الرئاسي، ما زالوا معارضين خصوصا بعد أن انتقل الوضع للمطالبة بعقوبات اقتصادية وشخصية وإحالة هرم السلطة في دمشق إلى المحكمة الجنائية الدولية. وبناء عليه، فإن هذه المصادر تتحدث بشأن سوريا، عن أمرين: المطلوب والممكن. وبما أن المطلوب غير متوافر في الوقت الحاضر في انتظار أن ترتكب القوات السورية انتهاكات واسعة تحدث تحولا لدي المعارضين، فإن الغربيين يتجهون نحو الممكن الذي يعني، عمليا، فرض عقوبات أوروبية جديدة بعد أن اعتبرت واشنطن أنها قامت بما يتوجب عليها من خلال المرسوم الرئاسي الذي منع التعامل في النفط السوري وجمد ودائع الدولة السورية في المؤسسات المالية الخاضعة للقانون الأميركي. ورغم أن وزيرة الخارجية الأميركية وصفت العقوبات الجديدة بأنها «تصيب الاقتصاد السوري في الصميم»، فإن المصادر الأوروبية تخفف من وقعها باعتبار أن الشركات الأميركية لا تشتري نفطا سوريا ولا تبيع مشتقاته إلى دمشق. فضلا عن ذلك، لم تفرض واشنطن حظرا على التعامل لا مع القطاع المصرفي السوري باستثناء المصرف التجاري السوري وفرعه اللبناني، ولا منعت المعاملات التجارية على أنواعها مع سوريا. ولذا، فإن المصادر الأوروبية ترى في كلام كلينتون «بعض المبالغة».

وبعكس ذلك، فإن الاقتصاد السوري وفق المصادر الدبلوماسية، سيعاني حقيقة لو اعتمدت دول الاتحاد الأوروبي تدابير تمنع التعامل مع القطاع النفطي السوري، حيث إن 90 في المائة من صادرات الخام السوري تذهب إلى بلدان أوروبية أهمها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا. فضلا عن ذلك، فإن الشركات الأوروبية، بعكس الشركات الأميركية، ضالعة في تطوير البترول والغاز السوريين، وأهمها «توتال» و«شل»، فضلا عن شركتين بريطانيتين أقل شأنا. وإلى جانب منع شراء النفط السوري، بإمكان الاتحاد لأوروبي أن يطلب انسحاب الشركات الأوروبية من سوريا على غرار ما حصل في إيران تحت طائلة العقوبات للشركات الممتنعة. لكن يبدو أن العقوبات الأوروبية، وفق مصادر مطلعة على مسار المناقشات، لم تصل بعد إلى هذا الحد، بل إن ما اتفق عليه حتى الآن هو تمديد لائحة الشخصيات المجمدة أموالها والممنوعة من السفر إلى أوروبا، وربما حظر شراء النفط السوري.

وترى أوساط اقتصادية في العاصمة الفرنسية أن هذين التدبيرين من شأنهما «إزعاج» النظام في سوريا، لكن «لن يكون من المستحيل له» أن يجد زبائن غير زبائنه الأوروبيين، مما يعني عمليا أن تأثير هذه الإجراءات سيكون «محدودا» لجهة تجفيف مصادر تمويل النظام. غير أن وقع هذه الإجراءات سيكون قويا، إذ سيعني أن النظام ليس فقط معزولا سياسيا ودبلوماسيا، إنما أصبح محاصرا ماليا واقتصاديا.