حديث متهم باغتيال الحريري لمجلة أميركية يربك الدولة اللبنانية.. وحزب الله ينفي حصوله ويعتبره فبركة من المحكمة

الحريري: الحكومة حولت الدولة أداة لتغطية ارتكابات حزب الله بحق اللبنانيين

نسوة لبنانيات يجلسن في محيط قبر رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري (رويترز)
TT

بدت، أمس، الدولة اللبنانية مرتبكة إلى أقصى الحدود، سواء بالسلطة السياسية الممثلة بالحكومة، أم بأجهزتها القضائية والأمنية، إثر نشر مجلة الـ«تايمز»، الأميركية، مقابلة أجراها مراسلها في بيروت مع أحد المتهمين الأربعة في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، التي أعلن فيها المتهم، الذي رفض الكشف عن اسمه، على الرغم من أنه من بين الأربعة الذين سمتهم المحكمة، أن الدولة اللبنانية تعرف مكان إقامته، لكنها لا تستطيع توقيفه.

وقد استدعى ذلك مسارعة رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، إلى الاتصال بوزير العدل، شكيب قرطباوي، طالبا منه متابعة هذا الموضوع وفقا للقانون، في حين شن رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، هجوما عنيفا على حكومة ميقاتي، واصفا إياها بأنها «بوجهين ولسانين، وأنها حولت الدولة إلى مجرد أدوات وظيفتها الأساسية حماية حزب الله وتنفيذ رغباته والتستر على المخالفات والتجاوزات التي يرتكبها بحق لبنان واللبنانيين». غير أن حزب الله، بعد العاصفة السياسية التي أثارتها هذه المقابلة، أصدر، مساء أمس، بيانا نفى فيه نفيا قاطعا حصول هذه المقابلة، معتبرا أنها «من فبركات المحكمة الدولية».

وإثر نشر هذا الحديث، أجرى رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، اتصالا بوزير العدل، شكيب قرطباوي، وطلب منه متابعة ما ورد في المجلة الأميركية، وذلك وفق الأصول القانونية المناسبة. في حين سارع قرطباوي إلى الاتصال بالنائب العام التمييزي، سعيد ميرزا، الذي نفى أن يكون القضاء على علم بمكان أي من المتهمين الأربعة ولم يوقفه. وأعلن وزير العدل في بيان له «بعد نشر الحديث المنسوب إلى أحد المتهمين في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اتصلت بمدعي عام التمييز الرئيس سعيد ميرزا الذي نفى نفيا قاطعا أن تكون النيابة العامة التمييزية أو أجهزة الضابطة العدلية المكلفة من قبلها تعرف مكان إقامة أي من المتهمين الأربعة ولم توقفه». وقال: «أبلغني الرئيس ميرزا أنه سيقوم بعمليات الاستيضاح المناسبة وبمتابعة الإجراءات القانونية لمعرفة الهوية الحقيقية للشخص المنسوب إليه الحديث المشار إليه».

وأوضح قرطباوي، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن «الدولة، بكل أجهزتها، لم توفر جهدا في البحث عن المتهمين، وهي لا تتساهل في قضية كهذه تتعلق بالمحكمة الدولية وعملها، واهتمام الدولة بكشف حقيقة من اغتال الرئيس رفيق الحريري».

بدوره، أكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» أن «القضاء اللبناني باشر تحقيقاته حول ما نشرته المجلة الأميركية، لمعرفة هوية هذا الشخص المنسوب إليه الحديث ومكان وجوده». وردا على سؤال لم يستبعد المصدر القضائي أن «يتم الاستماع إلى إفادة الصحافي الذي أجرى المقابلة مع المتهم».

كانت مجلة الـ«تايمز» الأميركية قد نقلت عن أحد المتهمين الأربعة أن الدولة اللبنانية تعرف مكانه ولو أرادت أن تلقي القبض عليه لفعلت «لكنها لا تستطيع»، وقال المتهم، الذي بقيت هويته مجهولة، في مقابلة مراسل الـ«تايمز» في بيروت: «وافقت على إجراء المقابلة لأنني أريد أن أوجه رسالة إلى العالم بأنني غير متورط في جريمة اغتيال الحريري وكل التهم الموجهة إليَّ فارغة». وأضاف: «إن الدولة اللبنانية تعرف مكاني ولو أرادت أن تلقي القبض عليَّ لفعلت ذلك منذ زمن بعيد، لكنها بكل بساطة لا تستطيع ذلك».

ونفى المتهم ضلوعه باغتيال الحريري، وقال، ردا على سؤال المراسل لماذا وافق على إجراء المقابلة: «أردت أن أوجه رسالة إلى العالم أجمع أقول فيها إنني لم أشارك في قتل رفيق الحريري، وإن التهم المنسوبة إليَّ جميعها باطلة». وأضاف، ردا على سؤال حول أدلة الاتصالات التي جمعها المحققون الدوليون: «الجميع يعرف أن باستطاعة الموساد التلاعب ببيانات الهواتف الخلوية بمساعدة عملائه في لبنان، وبعض العملاء قدموا أدلة واضحة بهذا الشأن عندما ألقي القبض عليهم، فقد اعترفوا بأن إسرائيل تستطيع التلاعب بالبيانات السلكية واللاسلكية. وهكذا، لو أن المحكمة الدولية استندت إلى قرائن حقيقية، لكنت سلمت نفسي منذ اليوم الأول».

وشرح الصحافي، الذي لم يذكر اسمه على المقابلة، بل كتب على رأس الموضوع اسم نيكولا بلانفورد (إضافة إلى صحافي في بيروت)، أنه أثناء محادثة جمعته بمسؤول من حزب الله، وجد نفسه وجها لوجه مع أحد عناصر حزب الله الأربعة المتهمين باغتيال الحريري. وقال: «لقد وصل المتهم إلى منزل رفيقه في حزب الله، حيث الاجتماع، وحده على متن دراجة نارية. وفي خضم النقاش الذي تناول القرار الاتهامي، كشف الرجل عن هويته الحقيقية مبرزا بطاقة شخصية له قديمة العهد، واشترط، قبل الموافقة على إجراء المقابلة، ألا يكشف عن اسمه وكذلك مكان اللقاء».

وأكد المتهم في المقابلة أنه يوم اغتيال الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005، كان في مهمة عسكرية بعيدا عن مكان الاغتيال، وقال: «كنت في مهمة عسكرية ولا أستطيع بطبيعة الحال الكشف عن مكان وجودي، إلا أنني أجزم أنني كنت بعيدا عن منطقة سان جورج نحو ساعة ونصف الساعة على أقل تقدير، ولديَّ ما يثبت ذلك». وأضاف أنه صدم من اغتيال الحريري، وقال: «بالتأكيد. لقد صدمت حتى بنبأ اغتيال الحريري، وتوقفت وصديق لي في أحد المقاهي لمتابعة تفاصيل الحادث على التلفاز. وفي اليوم التالي، ذهبت إلى مكان عملي كالمعتاد، والتقيت زملائي. ولو أنني شاركت فعلا كما يقولون في الجريمة، لكنت اتخذت تدابير الحيطة والحذر على الأقل».

ورفض المتهم تقديم نفسه للمحاكمة، على الرغم من تأكيد براءته، وقال: «لن أضع نفسي بيد محكمة هدفها الأساسي القضاء على حزب الله، وليس الكشف عن المجرمين الحقيقيين. إنها محكمة مسيسة، وهذا باعتراف الكثير من أعضائها. إذا كنت تنشد الحقيقة فعلا، فتش عنها في مكان آخر غير لبنان. دع محققيها يذهبوا إلى بلدان مجاورة وسوف يعثرون على المشتبه فيهم الحقيقيين في هذه الجريمة». وعندما سأله الصحافي: «هل تقصد سوريا؟». أجاب: «بالطبع لا. عليهم الذهاب إلى إسرائيل التي تملك الدافع الأول والمصلحة الوحيدة في قتل الحريري. ألا ترى أنها وحلفاءها المستفيد الوحيد من هذه الجريمة؟». وردا على سؤال حول ما إذا كان يعتقد أن حزب الله سيقدمه إلى المحكمة، قال: «لو كنت مذنبا، لكان فعل منذ اليوم الأول. سأقولها مرة واحدة وأخيرة: أنا بريء من كل التهم الموجهة ضدي». وأضاف: «السلطات اللبنانية على علم تام بمكان إقامتي، ولو أرادت القبض عليَّ لكانت أقدمت على ذلك منذ زمن. ببساطة، إنها لا تستطيع.. سأواصل حياتي كالمعتاد، ضاربا عرض الحائط بالمحكمة وقراراتها».

من جهته، شكك وزير الداخلية، مروان شربل، بصحة ما نشرته المجلة، وقال: «لو كنا نعلم مكان وجود المتهم لكنا أحضرناه، وإذا علمنا مكان المتهمين لا أحد يستطيع منعنا»، مؤكدا أن «وزارة الداخلية بحثت في الأماكن التي يتجه إليها المتهمون». وأشار إلى أن «النيابة العامة التمييزية كلفت المفرزة القضائية المركزية التي تلتزم بجميع القرارات التي تصدر من النيابة العامة للتنفيذ وكلفوا بالقرارات الاتهامية وبحثوا عنهم في جميع المناطق وسألوا عنهم وأخذوا جميع الإفادات»، مستغربا كيف أن هذا الصحافي استطاع أن يصل إلى أحدهم». ودعا شربل الصحافي بلانفورد إلى أن «يعطي هذه المعلومات إلى النيابة العامة التنفيذية لكي تتحرك؛ لأنها هي صاحبة الحق والمكلفة بتنفيذ قرارات المحكمة الدولية»، مؤكدا أن «وزارة الداخلية قامت بواجباتها بالبحث عن المتهمين الأربعة».

وسأل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في بيان وزعه مكتبه الإعلامي أمس: «هل سمع الرئيس ميشال سليمان بالمقابلة التي نشرتها مجلة الـ(تايمز) مع أحد المتهمين المطلوبين للعدالة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ وهل يريد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومعه باقي الفريق الوزاري، المسؤول مبدئيا عن التزامات لبنان تجاه المحكمة الدولية، أن يسمع بتلك المقابلة، والإعلان الذي جاء على لسان المتهم، بعجز السلطة اللبنانية عن توقيفه، وامتناعها عن توقيفه، على الرغم من معرفتها بمكان إقامته؟».

وقال الحريري: «يبدو أن أحدا من هؤلاء كلهم لا يريد أن يسمع، أو أن يقرأ، أو أن يرى، أو حتى أن يتكلم، وأن سياسة صم الآذان ودفن الرؤوس في الرمال تجاه كل ما يتصل بحزب الله وسطوته على القرار الحكومي، وعلى هيبة الحكم في لبنان، هي السائدة، وليس في مقدور أحد من أهل الحكم أن يخالف رأي وتوجهات وإرادة المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية». وأضاف: «فما نُقل عن أحد المتهمين في مجلة الـ(تايمز) أكثر من خطير، وأكبر من أن يكون مجرد أخبار للنيابة العامة التمييزية؛ لأنه إعلان واضح ومكشوف من جانب حزب الله بأن الدولة، برئاساتها ومؤسساتها وحكومتها وأجهزتها الأمنية والقضائية، هي مجرد أدوات وظيفتها الأساسية حماية حزب الله وتنفيذ رغباته والتستر على المخالفات والتجاوزات التي يرتكبها بحق لبنان واللبنانيين، فحزب الله يريد الدولة غطاء لوجوده السياسي والأمني والعسكري، وهناك في الدولة والحكومة من يوفر له هذا الغطاء، ويشاركه سياسة الهروب من الحقيقة والالتفاف على العدالة».

ورأى أن «هذه الحكومة بوجهين ولسانين: لسان ينطق باسمها ويقدم الكلام المعسول للبنانيين وللمجتمع الدولي، ليبرر التقصير عن تنفيذ التزامات لبنان تجاه المحكمة الدولية، ولسان يديرها ويتخذ القرارات الرامية لتعطيل مسار المحكمة وحماية المتهمين من المثول أمامها.. إن سياسة توزيع الأدوار بين الحكومة وحزب الله مرفوضة جملة وتفصيلا، ولن تلقى منا سوى الشجب والاستنكار، والإصرار على التمسك بتحقيق العدالة ومواجهة كل أشكال الإرهاب السياسي والتسلط الأمني». وختم الحريري: «التاريخ لن يرحم المتورطين بهدر دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، لكنه بالتأكيد سيلعن كل المشاركين في بيع دماء الشهداء، لقاء حفنة من مواقع السلطة».

ومساء أمس أصدر حزب الله بيانا جاء فيه: «ادعى مراسل مجلة الـ(تايمز) الأميركية أنه اجتمع مع مصدر مسؤول من حزب الله، ثم وجد نفسه وجها لوجه مع أحد المتهمين الأربعة في قضية الحريري، فأجرى مقابلة معه، ويؤكد حزب الله ما يلي: لم يجتمع أي مصدر مسؤول من حزب الله مع مراسل مجلة الـ(تايمز)، لا منفردا ولا مع أحد آخر، وبالتالي فالخبر المذكور عارٍ عن الصحة تماما، والمقابلة المدعاة لا وجود لها. ويبدو أن القصة من فبركات المحكمة الخاصة بلبنان، التي عودتنا على الروايات البوليسية الكاذبة والمختلقة إعدادا وحوارا وترويجا».