السلام المصري الإسرائيلي.. تاريخ من الغضب والعثرات

بسيوني: الرأي العام الثوري أصبحت له الكلمة العليا الآن

TT

بعد مرور ما يزيد على ثلاثين عاما على توقيع مصر وإسرائيل على معاهدة السلام بينهما في مارس (آذار) 1979، وما ترتب عليها من إقامة علاقات دبلوماسية وسياسية طبيعية، إلا أن المحيط الإقليمي المشتعل في المنطقة حوّل السلام بينهما، المرتكز أساسا على اتفاقية كامب ديفيد، إلى سلام هش واجه عثرات كثيرة وصلت لحد سحب السفراء مرات عدة.

اللافت أن العلاقات السياسية بين البلدين لم تسر قط على وتيرة واحدة، فبنظرة دقيقة يمكن القول إنها شهدت صعودا سريعا ولافتا وغير مرضي عنه في عهد السادات عام 1979، تبعه هبوط نسبي مع تولي مبارك الحكم عام 1981، فهبوط أكبر مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.. ثم اشتعال أزمة طابا وما صاحبها من تحكيم دولي عام 1985، ثم هدوء وترو مع نسمات السلام الشامل إبان عهد إسحاق رابين ومؤتمر مدريد عام 1991، إلى مزيد من مشاريع التطبيع عام 1992، فتراجع للمربع رقم صفر مع تولى نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية عام 1996، لتشتعل الأمور مع الانتفاضة الثانية عام 2000، ثم يأتي توقيع اتفاقية الكويز عام 2004 ليزيد من التنسيق والتعاون بين البلدين.

وربما يمكن القول إن السلام المصري الإسرائيلي لم يكن سوى سلام رسمي بين الحكومات في القاهرة وتل أبيب، ولم تمتد آثاره قط للشعوب. فبالنسبة للشعب المصري فإنه يمكن اعتباره دوما عامل ضغط على صانع القرار في القاهرة للتراجع عن علاقاته بتل أبيب، وهو ما كان يتجلى بوضوح مع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الدول العربية بدءا من لبنان 1982 وحتى الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وما تبعهما من توتر كبير بين البلدين أدى إلى سحب القاهرة لسفيرها من إسرائيل في المرتين. ومع اندلاع الانتفاضة في سبتمبر (أيلول) 2000، ووصول شارون إلى رئاسة الحكومة في فبراير (شباط) 2001، وتوسعه في إجراءات القمع تجاه الشعب الفلسطيني، شهدت العلاقات السياسية مزيدا من التوتر بين البلدين.

كانت أولى مراحل التوتر الكبير بين البلدين في 20 سبتمبر (أيلول) عام 1982 حين سحبت مصر سفيرها سعد مرتضى، بعد شهور قليلة من إرسالها لمرتضى (سفيرها الأول لدى تل أبيب)، حيث سحبته مصر احتجاجا على ارتكاب الجيش الإسرائيلي مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان ضد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وفي الفترة من 1982 وحتى 1988، ظل السفير محمد بسيوني رئيسا للبعثة المصرية وقائما بالأعمال حتى تم تسميته سفيرا لمصر في تل أبيب. ثم هدأت العلاقات بين البلدين طيلة عقد التسعينات، باستثناء توتر ملحوظ صاحب وصول حزب الليكود للحكم في إسرائيل. وفي عام 2000، كان للضغط الشعبي الكبير أثر كبير في تراجع العلاقات بين البلدين. حيث تجاوبت الحكومة المصرية مع ضغوط الرأي العام بسحب سفيرها، السفير محمد بسيوني آنذاك، لدى إسرائيل في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2000 للمرة الثانية، لكنها رفضت بإصرار المطالب الشعبية بقطع العلاقات مع إسرائيل، أو طرد السفير الإسرائيلي من القاهرة. وصعدت القاهرة احتجاجها مرة أخرى إثر إعادة احتلال المدن الفلسطينية في مارس (آذار) 2002؛ إذ قرر مجلس الوزراء المصري حينها وقف جميع الاتصالات بين الحكومة المصرية والحكومة الإسرائيلية، عدا القنوات الدبلوماسية التي تسهم في التشاور بما يخدم القضية الفلسطينية وفقا لما أعلنته الحكومة المصرية آنذاك. اللافت أن العلاقات بين البلدين لم تكن تتأثر قط بحوادث إطلاق النار على الجنود المصريين على الحدود بين البلدين، أو حتى مع عرض التلفزيون الإسرائيلي للفيلم الإسرائيلي «روح شاكيد» الذي تناول قتل إسرائيل للأسرى المصريين بدم بارد أثناء حرب يونيو 1967.. وهو ما اعتبره وزير الخارجية المصري آنذاك، أحمد أبو الغيط، «لا يبرر قطع العلاقات مع إسرائيل».

لكن تلك العلاقات تأزمت كثيرا مع مقتل 5 مصريين على الحدود الخميس الماضي، وما صاحبه من تهديد مصري بسحب سفيرها من تل أبيب. ويعتقد السفير محمد بسيوني، السفير المصري الأكثر خدمة في إسرائيل، أن اعتذار إسرائيل دليل على تغيير مجرى العلاقات بين البلدين في مرحلة ما بعد الثورة، حيث قال بسيوني لـ«الشرق الأوسط»: «مصر الثورة مختلفة عن مصر ما قبل الثورة، فالرأي العام الثوري أصبح محل اعتبار، وله الكلمة العليا الآن». وتابع بسيوني أن إسرائيل حريصة كل الحرص على استمرار معاهدة السلام بين البلدين، لأنها تعتبرها العمود الفقري للاستقرار في الشرق الأوسط.