مصر تقرر استدعاء سفير إسرائيل لإبلاغه احتجاجا رسميا على حادث سيناء

تشديد الإجراءات الأمنية في مطاري القاهرة وشرم الشيخ

TT

بعد اجتماع استمر حتى الساعات الأولى لصباح الأمس، كلف مجلس الوزراء المصري وزير الخارجية باستدعاء سفير إسرائيل بالقاهرة وإبلاغه رسميا باحتجاج مصر على إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي على الحدود المصرية بشكل أدى لسقوط ضحايا وإراقة دماء داخل مصر، والمطالبة بإجراء تحقيق رسمي مشترك لكشف ملابسات الحادث وتحديد المسؤولين عنه واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة على نحو يحفظ حقوق الضحايا والمصابين المصريين.

وتسبب بيان وزعه مجلس الوزراء قبل أن يسحبه في جدل ولغط حول سحب مصر لسفيرها في تل أبيب. وأعرب مجلس الوزراء المصري في بيانه بعد انتهاء اجتماعه، عن إدانته للحادث الذي أدى لاستشهاد وإصابة عدد من الجنود على الحدود المصرية - الإسرائيلية، وطالب إسرائيل بتقديم الاعتذار الرسمي لمصر عن هذا الحادث، مؤكدا أن مصر لن تتهاون في حقوق أبنائها وحماية أرواحهم خلال تأدية واجبهم في تأمين الحدود المصرية.

وأكد المجلس قدرة مصر على حماية حدودها وتأمين أرض سيناء تأمينا كاملا، مشددا على أن تأمين الحدود المصرية - الإسرائيلية هي مسؤولية الطرفين معا وليست مسؤولية الجانب المصري وحده.

ودعا المجلس جميع المواطنين ووسائل الإعلام إلى الانتباه للمخاطر التي تهدد الأمن القومي المصري في سيناء وهذا يستوجب تماسكا للجبهة الداخلية وعدم الانخراط في خلافات جانبية وأن الحفاظ على الأمن القومي المصري مسؤولية كافة الأجهزة وجميع المواطنين على حد سواء. إلا أنه بعد هذا البيان بساعتين، أصدر المجلس بيانا ثانيا أعلن فيه سحب السفير المصري من إسرائيل احتجاجا على الحادث، قبل أن تعلن مصادر بمجلس الوزراء أنه تم إرسال البيان بطريق الخطأ إلى الصحف ووسائل الإعلام، وطلبت عدم استخدامه، وهو ما أثار لغطا وجدلا شديدين على مستوى الساحة السياسية والشارع المصري.

وحاولت «الشرق الأوسط» الاتصال أكثر من مرة على مدار يوم أمس بالسفير محمد حجازي المتحدث باسم مجلس الوزراء لاستيضاح الأمر، إلا أنه لم يجب على هاتفه الجوال. وواصل مئات المصريين، أمس، التظاهر أمام مقر السفارة الإسرائيلية بمنطقة الجيزة، ورددوا هتافات تطالب بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة وإنزال العلم المرفوع في شرفة السفارة، ووقف تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، وإلغاء معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل (اتفاقية كامب ديفيد). وشهدت الليلة قبل الماضية مظاهرة حاشدة أمام مقر السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، ضمت نحو خمسة آلاف شخص، تمكنوا من تحطيم سور حديدي أقامته الشرطة أمام السفارة ووصلوا إلى بوابة البناية التي تحتل السفارة الأدوار الثلاثة الأخيرة بها، والتي تطل على نيل القاهرة.

وكان الشارع الذي تقع به السفارة مغلقا أمام المارة من غير سكانه، وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط»: «كان الدخول إلى مقر السفارة الإسرائيلية يحتاج إلى المرور من أربعة حواجز للشرطة في الشارع، وعند مدخل البناية، ثم يستقل الشخص المصعد إلى الطابق الخامس عشر، حيث يقابله رجال أمن مصريون يفتشونه ويتأكدون من هويته قبل أن يسمحوا له بمواصلة الصعود عبر السلم إلى الطابق السابع عشر، حيث يتحدث مع مسؤولي السفارة عبر أجهزة اتصال داخلي للتأكد من شخصيته وهويته وطلباته، وإذا اطمأنوا له فتحوا الباب ليدخل إلى السفارة».

وأوضح المصدر أن زوار السفارة الإسرائيلية كانوا عادة إما صحافيين أو إعلاميين تضطرهم ظروف عملهم للسفر إلى إسرائيل لتغطية الأحداث، أو رجال أعمال تربطهم علاقات عمل بنظرائهم الإسرائيليين طبقا لاتفاقية التجارة المشتركة (الكويز) الموقعة بين مصر وإسرائيل.

وحاول اللواء حمدي بادين قائد الشرطة العسكرية التحدث إلى المتظاهرين في محاولة لإقناعهم بفض المظاهرة، إلا أنهم رفضوا وردوا عليه بالهتاف «مش هانمشي هو يمشي» في إشارة للسفير الإسرائيلي. ورفع المتظاهرون علما فلسطينيا بطول البناية المواجهة لتلك التي تقع بها السفارة، وأشعل المتظاهرون النار في الأعلام الإسرائيلية أكثر من مرة خلال المظاهرة، وأطلقوا الصواريخ والألعاب النارية في الهواء.

من جهة أخرى، قال مسؤول بهيئة قناة السويس إن التوتر الأمني على الحدود بين مصر وإسرائيل لم يؤثر على حركة مرور السفن أو شحن البضائع المارة عبر القناة خلال الأيام الثلاثة الماضية، موضحا أن التأثير الأكبر على حركة الشحن داخل قناة السويس يكون بحدوث أي تراجع في حركة التجارة العالمية، مشيرا إلى أن قناة السويس ستسمح بمرور السفن الإسرائيلية بشكل طبيعي، وأنه سيتم تشديد الإجراءات الأمنية المفروضة عليها خوفا من حالة السخط العام على إسرائيل عقب الحادث.

يأتي ذلك فيما رفعت السلطات بمطار القاهرة الدولي مستوى الإجراءات الأمنية وزيادة معدلات التفتيش اليدوي والآلي على رحلات شركة طيران «العال» الإسرائيلية بالإضافة إلى تأمين مكتب الشركة بالقاهرة، وذلك رغم تخفيض عدد رحلات شركة «العال» إلى مصر بعد الثورة إلى رحلة واحدة شهريا بدلا من واحدة أسبوعيا، كما أعلنت شركة «إير سينا» الخاصة عن تخفيض عدد رحلاتها إلى إسرائيل لتصبح ثلاث رحلات أسبوعيا بدلا من أربع رحلات بسبب الأحداث الأخيرة، وقال مصدر مسؤول بالشركة بأن الأحداث الأخيرة أثرت على نسبة إشغال الطائرات المتجهة إلى إسرائيل وكذلك انخفض عدد الركاب بنسبة وصلت إلى 35 في المائة. كما تم تشديد الإجراءات الأمنية بمطار شرم الشيخ بعد الأحداث الأخيرة.

وتواصلت ردود الفعل المنددة بالحادث في القاهرة، حيث أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا أكدت فيه أن مصر تغيرت بعد الثورة واسترد شعبها حريته وكرامته وإرادته، ومن ثم لن يسمح بمرور هذه الجريمة دون عقاب مثلما حدث في الفترات السابقة «حيث تخلى النظام البائد عن واجباته في حماية الأمن القومي والمصالح الوطنية وأرواح الجنود والمواطنين»، على حد قول البيان.

وقالت الجماعة في بيانها «هذه الجريمة ينبغي أن تفرض علينا تغيير سياساتنا تجاه قضايا جوهرية، بدءا من عدم السكوت عن أي عدوان، وطرد السفير الصهيوني من القاهرة وسحب السفير المصري من تل أبيب وفرض السيادة الوطنية الكاملة على أرض سيناء بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد، والتعجيل بإعمار سيناء وملء فراغها بملايين المصريين حماية للأمن القومي واستثمارا للموارد الطبيعية الموجودة فيها، والتيقظ لعمليات التجسس المستمرة وإيقاع أقصى العقوبات بسرب الجواسيس الذي يتساقط يوما بعد يوم». فيما طالب سامح عاشور رئيس الحزب الناصري بسحب السفير المصري من تل أبيب فورا ردا على الحادث ومنع السفير الإسرائيلي في القاهرة وكل طاقم العاملين في السفارة من الوجود في القاهرة. وقال «ندعو الحكومة المصرية لمطالبة إسرائيل بمحاكمة كل من تورطوا في عملية قتل المصريين على الحدود»، مؤكدا في الوقت نفسه أنه في حال عدم الاستجابة لهذا المطلب فإن الشعب المصري حر في أن يقتص بطريقته ممن قتلوا مواطنيه، مشيرا إلى أن حزبه يؤيد معاهدة كامب ديفيد، التي وصفها بأنها مجحفة بمصر، وقال «إلا أننا لا نرى الوقت الحالي مناسبا لفتح هذا الملف الشائك».

وأدان الاتحاد العام للصحافيين العرب بشدة مقتل الجنود المصريين برصاص إسرائيلي على الحدود، وطالب في بيان له أمس «باعتذار إسرائيلي عاجل إلى السلطات المصرية وتحمل إسرائيل لمسؤولياتها تجاه الضحايا المصريين والتحقيق بشفافية كاملة، وفي وجود طرف مصري، في أبعاد هذا الحادث، وهو الحد الأدنى الذي يمكن لمصر قبوله».