مطالبة أوباما برحيل الأسد.. تشعل حماسة المتظاهرين السوريين

ناشط من دمشق: لم نعد نشعر بالعزلة لأننا نعلم أن المجتمع الدولي لا يريد هذا النظام

TT

جاء رد فعل قوات الأمن السورية تجاه مطالبة الرئيس أوباما برحيل الرئيس السوري بشار الأسد بفتح النار على المتظاهرين المناوئين للحكومة يوم الجمعة، مما أسفر عن سقوط 18 قتيلا على الأقل.

ومع خضوع الكثير من المدن السورية لحصار عسكري شبه تام، قل عدد المتظاهرين في بعض المظاهرات عما كان عليه في الأسابيع الماضية. وفي الكثير من الأماكن اقتصرت المظاهرات على بضع مئات نظموا مسيرات في الشوارع الجانبية والأزقة التي توفر طرق هروب سريعة.

لكن كانت هناك إشارات تفيد بأن حركة الاحتجاجات الضخمة التي ليست لها قيادة قد أحييت من جديد بفعل صور الدعم على المستوى الدولي، حيث قدم عشرات الآلاف من مختلف المدن السورية، بعد أن اشتد أزرهم بفعل المطالبات من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتنحي الأسد، بحسب نشطاء.

وفي حي الميدان بدمشق العاصمة، إحدى أقل نقاط المظاهرات سخونة في العاصمة، فتحت قوات الأمن النار بالذخيرة الحية مباشرة على مئات المتظاهرين الذين خرجوا من أحد المساجد في حشود ضخمة بعد أدائهم صلاة الجمعة، في ما أصبح طقسا معتادا على مدى 23 أسبوعيا هي عمر المظاهرات.

وعلى الرغم من أن رد الفعل كان أسرع وأشرس من المعتاد، فإن الكثير من المتظاهرين لم يتفرقوا، بل احتفظوا بثباتهم، بينما كان الرصاص يتطاير، وبدأوا يردون بقذف الحجارة، وفقا لشهود عيان ومشهد من المواجهات نشر على موقع «يوتيوب».

«الناس كانوا عازمين اليوم بحق على مجابهتهم. وحينما سمعنا طلقات المدافع ظل الكثيرون صامدين»، هذا ما قاله شاهد العيان، وهو ناشط كان يتحدث عبر «سكايب» من دمشق. واستطرد قائلا: «بدا الأمر وكأن أحدا قال لنا: نحن ندعمكم. شعرنا بأمان أكثر من ذي قبل، نحن لا نشعر الآن بالعزلة، لأننا نعلم أن المجتمع الدولي لا يريد هذا النظام».

ولفت هو وناشطون آخرون إلى أن الأمر المثير للقلق الآن هو توقع أن تؤدي زيادة عزلة حكومة الأسد إلى أن لا يكون أمام الأسد أي خيار سوى قمع حركة الاحتجاجات، بل وبشكل أكثر وحشية، وتقويض أي محاولات أخرى للإطاحة به. وفي الكثير من المناطق داخل سوريا «دخلنا حقبة جديدة الآن نظرا لأن ما فعلته الولايات المتحدة هو إخباره بأنه لا مفر الآن سوى القتال»، هذا ما قاله الناشط.

وقالت ريم حداد، المتحدثة باسم الحكومة، إن الأسد كان من المتوقع أن يوجه خطابا إلى الشعب السوري خلال الأيام المقبلة لإعلامهم ببرنامجه الإصلاحي الجديد، الذي ذكرت أن أوباما بدا عازما على تقويضه بمطالبته برحيل الأسد. «من الغريب أنه بدلا من تقديمه الدعم لبرنامج الإصلاحات، يسعى أوباما إلى زيادة العنف في سوريا»، قالت حداد.

وعلى الرغم من أن حملة إطلاق النار يوم الجمعة بدت متناقضة مع تأكيد الأسد في مكالمة هاتفية عشية الأربعاء لسكرتير عام الأمم المتحدة، بان كي مون، على أن هجوم قوت الجيش قد انتهى، فإن حداد قالت إنه لم يكن هناك أي تعارض بينهما. فقد ذكرت حداد أن من فتحوا النار لم يكونوا ضباط جيش، بل من قوات الأمن العادية، وأن من تم إطلاق النار عليهم ليسوا متظاهرين، بل «عصابات مسلحة تقوم بأعمال تخريب وترويع».

وعلى الرغم من أن الأسد قد وعد مرارا وتكرارا بتنفيذ إصلاحات، فإنه لم يتم تنفيذ أي منها حتى الآن بعد مرور خمسة أشهر على اندلاع الانتفاضة، وقد رفض مسؤولون أميركيون تلك الإصلاحات المطروحة بوصفها غير كافية لمواجهة تصاعد السخط الشعبي بمختلف أنحاء الدولة، فقد تحولت الانتفاضة التي بدأت في مارس (آذار) بمطالبات متواضعة بالإصلاح إلى ثورة واضحة بات فيها المطلب الرئيسي للمتظاهرين يوم الجمعة هو «رحيل الرئيس».

ومع توقف الولايات المتحدة وأوروبا عن المطالبة بإصلاحات، بدأتا تحولان اهتمامها إلى النظام الذي يمكن أن يحل محل نظام الأسد. وقد أشار مسؤولون أميركيون ومسؤولون غربيون آخرون إلى عدم وجود هيكل أو نظام للمعارضة الممزقة التي بلا قيادة بوصفه أحد المخاوف الأساسية، وذلك أثناء نقاشهم حول المطالبة بشكل صريح برحيل الأسد.

تشير رموز المعارضة إلى أن زيادة حدة الضغط الدولي على النظام قد أربكت جهودهم الرامية إلى تقديم بديل ملائم يمكن أن يحل محل نظام الأسد.

ومن المتوقع أن يعلن اجتماع لمجموعة من السوريين شبه المنفيين في إسطنبول عن تشكيل مجلس وطني سوري لتمثيل المعارضة، بحسب ما قاله ياسر طبارة، محامٍ سوري يحمل الجنسية الأميركية مقيم في شيكاغو ويساعد في تنسيق الجهود. وقال: «إنه البديل الذي كان يسعى إليه المجتمع الدولي، كيان يمكنه أن يتحدث باسم المعارضة».

ويوم الخميس الماضي تم الإعلان عن مجموعة شاملة تضم بين طياتها عشرات اللجان المحلية الصغيرة التي قد انبثقت بشكل تلقائي داخل سوريا لتنظيم المظاهرات، في بيان نشر على صفحة الانتفاضة السورية على موقع «فيس بوك».

وقال طبارة إن الهدف النهائي هو دمج المجموعتين معا في إطار المجلس الوطني الانتقالي الذي سيحاكي ذلك الذي تم تشكيله في ليبيا، والذي يعرف الآن على نطاق واسع باعتباره حكومة ليبيا الرسمية.

وفي بروكسل صدق الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة على عقوبات جديدة ضد الحكومة السورية وتعهد باتخاذ مزيد من الخطوات للضغط على قطاعي الصرافة والنفط في سوريا.

وقالت كاثرين أشتون، المسؤولة العليا للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إن الدول الأعضاء تستعد لاحتمال فرض حظر على النفط السوري، إضافة إلى تعليق خدمات الدعم الفني المقدمة من بنك الاستثمار الأوروبي. ومن المحتمل التصديق على المقترحات الأسبوع المقبل.

«لا يزال الاتحاد الأوروبي يأمل في وضع حد للقمع الوحشي ومساعدة الشعب السوري في تحقيق طموحاته المشروعة»، قالت أشتون في بيان صادر عن مكتبها.

ويأمل الدبلوماسيون الغربيون بالمثل في زيادة الضغط على الأسد من خلال تحقيق جنائي، على الرغم من أن هيئة التحقيق المفترضة والمحكمة الجنائية الدولية لم تحصلا حتى الآن على تصريح بتنفيذ مثل هذا الإجراء. وقال لويس مورينو أوكامبو، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، في بيان أصدره يوم الجمعة، إن المكتب لا يملك سلطة التحقيق في الاتهامات الموجهة ضد النظام السوري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. فيجب الحصول على تفويض باتخاذ إجراء رسمي من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يضم الدول الأعضاء المعارضة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد سوريا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»