مصر: مطالب سياسية وشعبية للضغط بورقة «كامب ديفيد» ثأرا لقتلى واقعة الحدود

دعوة لاستغلال خرق إسرائيل لمواد بالاتفاقية في تعديل بنودها وإعادة الانتشار في سيناء

TT

بعد مقتل عدد من رجال الأمن المصريين في واقعة حدودية على يد قوات إسرائيلية، انتقد نشطاء وسياسيون مصريون رد فعل القاهرة الرسمي الأولي ووصفوه بالهزيل، وطالب عدد منهم بتصعيد الأمر سياسيا وقانونيا والتهديد بورقة كامب ديفيد، باعتبار الواقعة خرقا للمعاهدة، لتحقيق ترضية مقبولة للشارع المصري.. وبينما أوضح خبير قانون دولي جواز ذلك الطرح وفق شروط، رفضت مصادر بالخارجية المصرية التعليق على مثل ذلك السيناريو، موضحة أنه يحتاج إلى «دراسة مستفيضة وقرار سيادي».

ورغم تضارب التقديرات الرسمية لعدد القتلى، فإن أدناها أشار إلى مصرع ضابط وجنديين ينتسبون إلى وزارة الداخلية المصرية نتيجة تلقيهم رصاصات من مروحية إسرائيلية داخل الحدود المصرية.

كما تسبب نشر ما قالت عنه رئاسة الوزراء إنه «مسودة بيان نشرت بطريق الخطأ»، على موقع مجلس الوزراء الإلكتروني في تشتت الرأي العام، إذ حققت «المسودة المغلوطة» الحد الأدنى من مطالب الشارع المصري بسحب السفير المصري لدى تل أبيب.

ووفقا لاتفاقية كامب ديفيد، الموقعة بين مصر وإسرائيل في عام 1979 برعاية أميركية، فإن المنطقة الملاصقة للشريط الحدودي من سيناء على الجانب المصري يتم تأمينها عن طريق أفراد أمن تابعين لجهاز الشرطة، وهو ما تلتزم به مصر منذ إبرام الاتفاقية.

ولكن الاتفاقية تنص في نهاية مادتها الثانية أيضا على «.. ويقر الطرفان بأن هذه الحدود (حدودهما) مصونة لا تمس، ويتعهد كل منهما باحترام سلامة أراضي الطرف الآخر، بما في ذلك مياهه الإقليمية ومجاله الجوي».كما يقول البند الثاني من المادة الثالثة: «يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه، أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه، ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر. كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان. كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة».

وعليه، طالب نشطاء مصريون باعتبار مقتل مصريين على الحدود على يد القوات الإسرائيلية خرقا للاتفاقية من جانب تل أبيب، ولمحوا إلى ضرورة استغلال الموقف للضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي من أجل تحقيق مكاسب سياسية ملموسة على أرض الواقع.

ورغم تكرار وقائع تعرض جنود وأفراد مصريين للقتل داخل الحدود المصرية في عهد نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وتكرار إهمال الأمر من قبل القيادة السياسية آنذاك باعتبارها أخطاء واردة، مع اكتفاء الجانب الإسرائيلي بالاعتذار المغلف بالصلف في أفضل الأحوال.. فإن الشارع المصري بات يرفض مثل تلك الترضيات الهزيلة عقب ثورة 25 يناير، التي أسقطت ذلك النظام برمته وأخضعت رموزه لمحاكمات جارية في تهم تتعلق بالفساد المالي والسياسي.

وبينما انتظر الشارع المصري تغيرا نوعيا في ردة فعل القيادة المصرية بعد الثورة تجاه مثل تلك التجاوزات، اقتصر البيان الأول لمجلس الوزراء، والذي صدر مساء أول من أمس، على استنكار الحادث ومطالبة تل أبيب بالاعتذار والتحقيق المشترك.. وهو ما اعتبره الشارع ردا هزيلا واستمرارا للغة ما قبل 25 يناير.

وبدأت نبرة المطالبة بالتصعيد السياسي في التعالي بالأوساط المصرية، حيث نظم مصريون غاضبون وقفة احتجاجية حاشدة أمام العمارة التي تحتل سفارة إسرائيل طابقها الأخير جنوب غربي القاهرة منذ عصر الجمعة والتي استمرت حتى ظهر أمس (السبت)، مطالبين بإنزال العلم الإسرائيلي وطرد سفير تل أبيب لدى مصر.. كما دعا نشطاء إلى استغلال البند الرابع من الاتفاقية واتهام إسرائيل باختراق المعاهدة ومطالبتها بتعويضات مادية وسياسية، بل وذهب البعض إلى الضغط لتغيير بنود بالمعاهدة، مثل تلك الخاصة بخارطة توزيع وتسليح الجيش المصري بسيناء.

وقبل فجر أمس، ظهر بيان ثان على الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء، قبل أن يعلن المجلس صباح أمس أن هذا البيان نشر بطريق الخطأ، وأنه ليس بيانا ولكنه مسودة بيان لم يتم التوافق حولها، واحتوت تلك المسودة على إشارة إلى أن مصر ستستخدم كافة الإجراءات الواقية لتعزيز منطقة الحدود من جانبها مع إسرائيل، «ودعمها بما يلزم من قوات قادرة على ردع ادعاءات لتسلل أي نشاط أو عناصر خارجة عن القانون وكذلك الرد على أي نشاط عسكري إسرائيلي باتجاه الحدود المصرية»، بما يعني الحل من الملحق الأول للمادة الرابعة لاتفاقية السلام، والتي تنظم تعداد وتسليح القوات المصرية في سيناء.. إلى جانب إعلان القاهرة عن سحب سفيرها لدى تل أبيب لحين اعتذار إسرائيل وإعلام القاهرة بنتائج التحقيقات.

وسياسيا، أشار أيمن نور، المرشح المحتمل للرئاسة، على صفحته الشخصية على موقع «تويتر» إلى أن «اعتراف إسرائيل وأميركا بضعف الوضع الأمني بسيناء هو فرصتنا لطلب تعديل البند الخاص بعدد القوات المصرية بسيناء في كامب ديفيد، وأهم من طرد السفير». كما قال حمدين صباحي، المرشح المحتمل للرئاسة: «تحية للمتظاهرين أمام السفارة الصهيونية.. تعديل كامب ديفيد ضرورة لضمان كامل السيادة على سيناء».

من جهته، علق الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، على مطالب التصعيد قائلا إن «قانون المسؤولية الدولية يحدد أشكال الجبر (التعويضات) التي تقوم بها الدولة التي انتهكت قواعد القانون الدولي تجاه الدولة المتضررة».

وأضاف سلامة لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل انتهكت السيادة المصرية في سيناء، بما يسمح لمصر بالمطالبة بالترضيات المناسبة، ومنها الاعتذار الأدبي الرسمي. وفي حال عدم اكتفاء مصر بذلك، يحق لها مطالبة إسرائيل بإجراء تحقيق رسمي محايد مستقل، وتوقيع العقوبات على المسؤولين عن الواقعة من عسكريين ومدنيين، إضافة إلى مطالبة تل أبيب بالتعهد رسميا بعدم تكرار مثل هذا الحادث، وجواز طلب تعويضات مادية لأسر الضحايا من شهداء ومصابين.

إلى ذلك، اعتذر مصدر بالخارجية المصرية، طالبا عدم ذكر اسمه، عن التعليق.. قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن مثل تلك السيناريوهات «تحتاج إلى دراسة مستفيضة، وقرار سيادي».