«مارثا» مصيف الرؤساء في أميركا

سكانه مبتهجون لتحسن خدمة الهاتف بمجرد وصول أوباما إلى الجزيرة

أوباما يلوح لمستقبليه إثر وصوله مع ابنتيه إلى مارثا فاينيارد أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

لا يرتاح سكان مصيف «مارثا فاينيارد» بولاية ماساشوستس الأميركية للصيف، لأن المصطافين يأتون بأعداد معتبرة ويملأون الشوارع بسياراتهم، ويرفعون أصواتهم، ويرفعون أسعار السلع. وتزيد المشكلات عندما يأتي رئيس أميركي (بعد أن صارت «مارثا» مصيف الرؤساء المفضل). وزادت المشكلات في عصر الحرب ضد الإرهاب، بسبب الإجراءات الأمنية التي لا تفرق بين المصطافين وسكان المصيف.

غير أن لزيارة الرؤساء محاسن، مثلما حدث الأسبوع الماضي قبيل وصول الرئيس باراك أوباما إلى الجزيرة ويتجه إلى شاطئ شيلمارك. فقد وصل عمال الاتصالات ووضعوا مراكز لتقوية الاتصالات الهاتفية، خاصة في شاطئ شيلمارك الذي كانت الاتصالات الهاتفية فيه ضعيفة بسبب بعده عن قلب الجزيرة. ونقل مراسل لصحيفة «نيويورك تايمز» زار الجزيرة، عن راشيل فوكس، وهي محامية في نيويورك، وتملك منزلا في المصيف، قولها: «فجأة بدأ هاتفي يرن». وأضافت: «هناك أشخاص يهتمون جدا بهذا الموضوع. ليس فقط لأن رئيس الولايات المتحدة سيأتي إلى هنا، ولكن لأن هواتف الجوال وإشارات الإنترنت تعمل بصورة ممتازة».

وصار الاستقبال أفضل بعد أن وصلت شاحنات شركة «فيريزون» للهواتف إلى الشواطئ البعيدة من قلب الجزيرة، مثل شيلمارك، وتيسبوري الغربية، وتيسبوري الشرقية. وقال تيموثي كارول، المسؤول التنفيذي بشيلمارك، إن وكالة الاتصالات في البيت الأبيض هي التي طلبت من شركة «فيريزون» بناء أبراج للاتصالات.

وأمام متجر في شيلمارك، لوح ستيفان مارتن بهاتفه الجوال الذكي (آخر موديل: «آي فون 4»)، وصاح: «لدي أربعة أشرطة الآن». وقالت جين تايلور، التي تملك فندقا صغيرا (كان منزلا وحولته إلى فندق، وعدد الغرف فيه خمس) في شاطئ أكوينا البعيد: «اليوم، وفجأة، دق هاتف عامل يعمل معنا. كان الهاتف في جيبه، ودق، ولم يصدق الرجل، وصاح يا إلهي، أستطيع الحديث عبر هاتفي». كذلك، تذكر بول ماكنتاير، وهو محام من فيلادلفيا يملك منزلا صيفيا في الجزيرة، إحباطه خلال عطلاته هنا منذ سنوات عندما كان يحاول بشكل محموم استعمال البريد الإلكتروني. وقال الآن وهو يحمل هاتف «بلاك بيري»: «الاتصال جيد بصورة تدعو إلى الدهشة».

لكن آخرين قالوا إنهم لا يريدون هذه «الحضارة»، وأكدوا أنهم قدموا إلى المصيف هروبا من التلفزيونات والفاكسات. وقال أحدهم: «كثير من الناس الذين يعيشون هنا على مدار السنة، لا يهمهم ما إذا كان المصطافون يريدون التكلم مع عملائهم أو وكلائهم أو نجوم هوليوود أو لاس فيغاس». وأضاف: «أود شخصيا قطع الاتصال مع العالم الخارجي. أود أن تكون حياتي هنا هادئة جدا، وخاصة جدا».

في سنة 2009، بعد أول زيارة قام بها الرئيس أوباما للجزيرة، صوت سكان شيلمارك وأجازوا قانونا محليا يمنع بناء أبراج الاتصالات اللاسلكية، على اعتبار أنها تشوه المناظر الطبيعية المحلية. وقال كارول، المسؤول التنفيذي بشيلمارك: «لم يكن الناس هنا حريصين بالضرورة على أن يعود الرئيس إلى هنا، وذلك نظرا لزيادة حركة المرور عندما يعود، لكنهم لم يعترضوا عندما أرسلت شركة (فيريزون) خلايا إلكترونية مؤقتة، ما دامت مؤقتة».

وقالت لورا ويليامز، وهي متحدثة باسم وكالة الاتصالات في البيت الأبيض: «أهم شيء أن يستطيع الرئيس استعمال أجهزة الاتصالات بشكل واضح أينما يسافر. يجب أن يقدر على الحصول على المعلومات وعلى الاتصال مع آخرين». لكنها رفضت الإجابة عن أسئلة محددة حول هذه الخدمة المحسنة، بما في ذلك مقدار التكاليف ومن يدفع ثمنها، مستشهدة بالمخاوف الأمنية.

ولم تصبح جزيرة «مارثا فاينيارد» مصيفا للرؤساء بصورة منتظمة إلا خلال العشرين سنة الأخيرة. واشتهرت على مستوى عالمي قبل أربعين سنة، عندما وقع فيها حادث «شاباكويديك»، وهو شاطئ بعيد في الجزيرة يحمل هذا الاسم، وكان يزوره آل كيندي، بداية بالرئيس جون كيندي. لكن، في سنة 1969، وبينما كان شقيقه السناتور ادوارد كيندي يقضي إجازة مع صديقته ماري كوبكني، وبعد ليلة ساهرة، سقطت السيارة التي كانا يستقلانها من جسر صغير، وهوت إلى قاع البحر، مما أدى إلى غرقها ونجاته.

واشتهرت الجزيرة بحادث آخر، في سنة 1970، عندما حاول سيماس كوديركا، وهو بحار من ليتوانيا، الفرار إلى الولايات المتحدة على متن سفينة روسية. كانت السفينة اقتربت من زورق تابع لخفر السواحل الأميركية، وقفز البحار وسبح إليها، ونجا. لكن السفينة الروسية رفضت مغادرة المنطقة، وتطورت المشكلة إلى اتصالات على «الخط الأحمر» بين موسكو وواشنطن. وفي النهاية، سمحت واشنطن لفريق من «كي جي بي» (الاستخبارات الروسية سابقا) الصعود إلى السفينة الأميركية، واعتقال البحار، وإعادته إلى سفينته. وبينما قال أميركيون في ذلك الوقت إن إعادة البحار كانت أفضل من حرب بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، قال آخرون إن إعادة البحار «عار» للمبادئ الأميركية.

واشتهرت جزيرة «مارثا فاينيارد» مرة أخرى سنة 1974، عندما صور فيها المخرج السينمائي ستيفن سبيلبرغ فيلم «الفك المفترس» jaws، ثم الجزأين الثاني والثالث من الفيلم.

وفي سنة 1982، توفي الممثل السينمائي الفكاهي الأميركي جون بيلوشي بسبب جرعة زائدة من المخدرات في لوس أنجليس، ودفن بعد أربعة أيام في شيلمارك. وكان قال إنه يريد أن يدفن هناك، حيث كان يملك منزلا صيفيا. وكتب على قبره: «رغم أني مت، تعيش موسيقى روك أند رول». وحتى اليوم، يشهد قبره كل صيف أفواجا من السياح والمعجبين. ويكتب بعضهم عبارات إشادة وإعجاب، وتبكي نساء كن معجبات به في سن الشباب.

ورغم أن رؤساء أميركيين قضوا إجازات صيفية في الجزيرة، فقد كان بيل كلينتون أول رئيس يفعل ذلك بصورة منتظمة. وكان يفعل ذلك، خلال توليه الرئاسية وبعدها، مع زوجته هيلاري كلينتون وابنتهما تشيلسي. ومن بين الرؤساء السابقين الذين كانوا يقضون إجازات صيفية في الجزيرة: يوليسس غرانت (سنة 1874)، وثيودر روزفلت (سنة 1905)، ووودرو ويلسون (سنة 1918). وفي سنة 1999، ربط القدر مرة أخرى بين الجزيرة وبين آل كيندي، وذلك عندما تحطمت طائرة صغيرة كان يقودها جون كيندي (ابن الرئيس كيندي)، وقتل هو وزوجته كارولين بسيت، وشقيقتها لورين. وكانت أمه، جاكلين كيندي، اشترت منزلا هناك قبل ذلك بخمس سنوات.

وبسبب عدم قدرة الرئيس الأميركي على الذهاب إلى إجازة دون أن يعرف الناس المكان الذي قصده، يختار البيت الأبيض مجموعة من الصحافيين، ويحجز لهم غرفا في مكان قريب من المكان الذي يقضي فيه الرئيس إجازته. ولا يجب أن يتابع الصحافيون الرئيس يوما بيوم، كما لا يتعين عليهم الحصول على تقارير رسمية عما يفعل. لكن، لا بد أن يقدم المتحدث باسم البيت الأبيض معلومات عامة عما يفعل، مرة كل يوم على الأقل.

وإذا كان كلينتون وأوباما فضلا جزيرة «مارثا فاينايرد»، فقد كانت لرؤساء قبلهما مصايف أخرى، اشتهرت بسبب شهرتهم، منها:

أولا: هايد بارك (ولاية نيويورك) التي كان يذهب إليها الرئيس ثيودور روزفلت، وهي مسقط رأسه، وفيها دفن.

ثانيا: كي ويست (ولاية فلوريدا) التي كان يذهب إليها الرئيس هاري ترومان، رغم أنه ولد ودفن في ولاية ميسوري.

ثالثا: ابلين (ولاية كنساس) التي كان يذهب إليها الرئيس دوايت ديفيد أيزنهاور، ومدفون فيها، رغم أنه ولد في ولاية تكساس.

رابعا: هاينزبورت (ولاية ماساشوستس) التي كان يذهب إليها الرئيس جون كيندي، ولا يزال فيها منزل عملاق لآل كيندي.

خامسا: ستونويل (ولاية تكساس) التي كان يذهب إليها الرئيس ليندون جونسون، وفيها ولد وفيها دفن.

سادسا: سان كليمنتي ويوربا لندا (ولاية كاليفورنيا) التي كان يذهب إليها الرئيس ريتشارد نيكسون، وفيها ولد وفيها دفن.

سابعا: لاسنغ (ولاية ميشيغان) التي كان يذهب إليها الرئيس جيرالد فورد، وفيها ولد وفيها دفن.

ثامنا: مزرعة بلين (ولاية جورجيا) التي كان يذهب إليها الرئيس جيمي كارتر.

تاسعا: رانشو ديل شيلو (ولاية كاليفورنيا) التي كان يذهب إليها الرئيس رونالد ريغان، رغم أنه ولد في ولاية إلينوي، لكنه مدفون في مكان قريب من المزرعة.

عاشرا: كينيبانكبورت (ولاية مين) التي كان يذهب إليها الرئيس جورج بوش الأب، ولا يزال فيها منزل عملاق لآل بوش. وكان يذهب إليها أيضا الرئيس جورج بوش الابن، رغم أنه قضى معظم إجازاته في مزرعته في كروفورد (ولاية تكساس).

وبينما قضى الرئيسان بوش الأب وبوش الابن إجازاتهما في منازل ومزارع العائلة، لم يفعل ذلك الرئيس كلينتون لأنه لم يكن يملك منزلا ولا مزرعة في ذلك الوقت. ولهذا، ركز على جزيرة «مارثا فاينايادز». والآن يفعل أوباما نفس الشيء.