المجلس الانتقالي يسابق الزمن لاحتواء الانتقام وأعمال الفوضى والسلب والنهب

مصطفى عبد الجليل لـ«الشرق الأوسط»: نأمل في أن تسود روح التسامح الثوار لدى سيطرتهم على مقاليد الأمور في طرابلس

TT

يسابق المجلس الوطني الانتقالي الزمن لضبط الأمر في العاصمة الليبية طرابلس، مع بداية النهاية لنظام حكم العقيد معمر القذافي، بعد أربعة عقود ظل فيها الأخير الرجل الأول والأخير في البلاد الغنية بالنفط محدودة السكان.

وقال المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس لـ«الشرق الأوسط»، إنه يأمل في أن تسود روح التسامح الثوار لدى سيطرتهم على مقاليد الأمور في طرابلس، بينما قال الدكتور محمود جبريل، رئيس حكومة المكتب التنفيذي التابعة للمجلس، إن انتصار الثورة يضع على الجميع مسؤولية الحفاظ على الممتلكات العامة وعدم تدميرها.

وبينما يقول آلاف الليبيين إن لديهم مظالم إزاء نظام القذافي لم ينالوها قط على مدى السنوات الـ42 الماضية، فإن المجلس الانتقالي باعتباره الهيئة السياسية والتنفيذية للثوار المناهضين للقذافي، يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه بين ثائرين غاضبين وبين المخاوف من انتشار عمليات الفوضى والانتقام فيما بعد القذافي.

وأطلقت معظم قيادات الثوار نداءات تلفزيونية عبر قناة «ليبيا الأحرار» المعبرة عن المجلس الانتقالي، والتي تبث من العاصمة القطرية الدوحة لسكان طرابلس وثوراها، لعدم السماح بتشويه الثورة. كما طالبوا بإعطاء العدالة الفرصة لتقول كلمتها ضد كل من ارتكب أعمالا غير قانونية في السنوات الماضية.

وبعدما أكد أن الثوار تمكنوا من الدخول لطرابلس ضمن خطة محكمة للسيطرة عليها أعدت باتفاق مشترك بين المكتب التنفيذي للمجلس الانتقالي الوطني وأعضاء المجلس الوطني عن طرابلس وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) والثوار في طرابلس والجبل الغربي. قال عبد الجليل إن الخطة تشتمل على كيفية الحفاظ على ممتلكات الدولة، لأن العقيد معمر القذافي من الممكن أن يدبر لحرق طرابلس نهائيا، ويقضى على المؤسسات والمنشآت الحيوية.

ولدى سؤاله عن كيفية التعامل مع على القذافي وأعوانه حال اعتقالهم، قال عبد الجليل إنه سيتم التعامل معهم كأسرى حرب ووفقا للقوانين والمواثيق الدولية، مؤكدا أنه سيتوفر لهم محاكمة عادلة وفق القانون.

لكن البعض يشكك في إمكانية أن يسمح القذافي لمعارضيه باعتقاله، وقال مسؤول حكومي مقرب من القذافي في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» قبل يومين فقط: «أتوقع أن يطلق حراسه النار عليه إذا ضاق عليه الخناق واقترب منه الثوار».

ومع أن القذافي كثيرا ما تحدى معارضيه بالانتصار عليهم، مؤكدا أنه يفضل الموت والاستشهاد على الاستسلام، فإن مصادر أفريقية كشفت في المقابل النقاب عن وجود خطط غير معلنة للقذافي للجوء السياسي إلى أي من الدول التي يتمتع فيها بعلاقات شخصية وطيدة مع حكامها.

وتمتلئ القائمة بدول مثل الجزائر القريبة حدوديا بالإضافة إلى تشاد ثم فنزويلا والبرازيل والأرجنتين.

لكن القذافي رفض كل العروض التي منحت له بتوفير ملاذ آمن له ولأسرته، فيما قال الثوار إنهم يريدون محاكمته كما يفعل جيرانهم المصريون مع رئيسهم المخلوع حسني مبارك.

وإذا تم اعتقال القذافي، فإن مشهد محاكمته سيكون الأبرز في هذا القرن، ويجب ما قبله من أحداث بالنظر إلى قائمة الاتهامات الطويلة والعريضة التي قد يواجهها القذافي، وتخطت الأراضي الليبية لتصل إلى عدة مناطق مختلف في الكرة الأرضية.

وقال زعيم الثوار عبد الجليل لـ«لشرق الأوسط»، في حديث أدلى به قبل أيام قليلة فقط، أنه يرغب في أن تكون محاكمة القذافي أمام المحكمة الجنائية الدولية بالنظر إلى أن كل جرائمه وصلت إلى كثير من دول العالم.

لكن محاكمة أو اعتقال أو مصير القذافي ليست الشيء الوحيد الذي يقلق الثوار ويشغل بالهم وهم يدقون المسمار الأخير في نعش نظام القذافي، ذلك أن المخاوف من حدوث أعمال فوضى وهرج ومرج مصحوبة بعمليات سلب ونهب تثير قلق الكثيرين.

وقال عبد المنعم الهوني، ممثل المجلس الوطني لدى الجامعة العربية ومصر، إنه يأمل أن يستجيب الشعب الليبي لنداءات ومطالب المجلس الانتقالي ورئيسه بعدم الإقدام على أي عمليات انتقامية من أي نوع وتغليب العقل للحفاظ على مقدرات الدولة الليبية.

وأضاف الهوني لـ«الشرق الأوسط»: «بالتأكيد كل مواطن ليبي لديه ثأره الشخصي مع نظام القذافي، لكننا شعب متحضر ومتدين، ينبغي أن تأخذ العملية القضائية مجراها وأن يسود حكم القانون بعيدا عن لغة العنف والدم، يكفينا ما فعله القذافي بنا على مدى سنوات حكمه، علينا فتح صفحة جديدة ومزدهرة من تاريخنا».

وعلى مدى أربعة عقود، حاول القذافي ليس فقط تغيير الخريطة الديموغرافية والسياسية للبلاد، لكن أيضا خلق دولة من نوع خاص تخلو من المؤسسات المتعارف عليها في الأنظمة الديمقراطية.

ولم يكن بمقدور الليبيين معرفة أسماء كبار المسؤولين أو أعضاء الحكومة الليبية لأن العرف جرى على تجاهل الأسماء مع الاكتفاء فقط بذكر المنصب الذي جرى تعديله بما يخدم النظرية الجماهيرية التي ابتدعها القذافي لحكم البلاد منذ منتصف السبعينات، عبر مقولة مؤتمرات شعبية تقرر ولجان تنفذ.

وسيكون التحدي الأكبر أمام المجلس الانتقالي، هو إثبات قدرته على فرض السيطرة واستعادة الأمن والاستقرار في البلاد بأسرع وقت ممكن.

وعبر رئيس المكتب التنفيذي للمجلس عن تخوفه مساء أول من أمس من أن تمنح أعمال الفوضى المتوقعة الحجة للأجنبي لكي يتدخل في الشؤون الداخلية لليبيا.

ويقول المجلس الانتقالي، إنه يسعى لخلق دولة جديدة في ليبيا عناوينها الرئيسية الديمقراطية، حيث تبنى مؤخرا وثيقة دستورية تنص على تسليم السلطة إلى مجلس منتخب خلال مهلة لا تتجاوز ثمانية أشهر.

وتتضمن الوثيقة 37 مادة تحدد المراحل المختلفة للفترة الانتقالية، علما بأن المجلس سيشكل حكومة انتقالية خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما، بالإضافة إلى انتخاب المؤتمر الوطني العام خلال مدة لا تتجاوز تسعين يوما وتعيين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

وستكون مهمة المجلس الوطني خلال الأيام الثلاثين التي تلي دورته الأولى وضع قانون انتخابي جديد تمهيدا لتنظيم انتخابات عامة خلال 180 يوما.

في كل الأحوال يقول مسؤولون في المجلس الوطني، إنه لا خوف مطلقا على مستقبل الدولة الليبية، وإن الليبيين الذين تحرروا أخيرا من قبضة القذافي سيعرفون بكل تأكيد طريقهم في المستقبل.