«سبايدر مان» المصري يتسلق 17 طابقا لإسقاط علم إسرائيل من فوق سفارتها

أحمد الشحات لـ«الشرق الأوسط»: أنا بسيط من دون انتماءات حزبية أو سياسية

الشاب المصري أحمد الشحات تسلق في أقل من 20 دقيقة 17 طابقا في بناية تضم في أدوارها الثلاثة الأخيرة مقر السفارة الإسرائيلية بالجيزة (أ.ف.ب)
TT

في سابقة لم تحدث منذ بدء العلاقات السياسية والدبلوماسية بين مصر وإسرائيل، قام شاب مصري بتسلق البناية التي تقع بها السفارة الإسرائيلية في محافظة الجيزة وأسقط العلم الإسرائيلي وأحرقه ورفع العلم المصري بدلا منه، في مشهد سيطر على ملايين المصريين الذين تابعوه مساء أول من أمس، عبر الفضائيات وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.

الشاب المصري الذي نفذ رغبات مئات من المتظاهرين أمام السفارة الإسرائيلية، يدعى أحمد الشحات، ويبلغ من العمر 23 عاما، وينتمي لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية (التي تبعد 180 كلم شمال القاهرة).

الشحات، الذي يعمل نقاشا، جاء للمشاركة في مظاهرة نظمها شباب مصريون أمام السفارة الإسرائيلية للتنديد بمقتل جنود مصريين في سيناء والمطالبة بطرد السفير الإسرائيلي من مصر، قرر بعد 5 دقائق فقط من وصوله أمام البناية الكبيرة التي تتكون من 17 طابقا وتشغل فيها السفارة الإسرائيلية الثلاثة طوابق الأخيرة، المخاطرة بحياته والصعود أعلى البناية لإسقاط العلم الإسرائيلي، بعدما شاهد في وجوه جموع المتظاهرين رغبتهم في إسقاط العلم، وذلك حسب ما أكده لـ«الشرق الأوسط»، قائلا ببساطة: «أردت كسر الضعف داخلي وداخل نفوس المصريين».

بهتاف «ارفع رأسك فوق أنت مصري»، استقبل جموع المتظاهرين، أحمد الشحات، الذي تمكن في الساعة الثانية صباح أمس (الأحد)، من إسقاط العلم الإسرائيلي من أعلى سفارة إسرائيل بالجيزة، ووضع علم مصر ليرفرف مكانه.

واستقبل المتظاهرون المحتشدون أمام مقر السفارة منذ ثلاثة أيام، مشهد إنزال العلم الإسرائيلي، والذي ظل قابعا فوق مقر السفارة منذ 17 عاما، منذ أن انتقل مقر السفارة من حي المعادى (جنوب القاهرة) إلى شارع أنس بن مالك بميدان النهضة بالجيزة، بفرحة عارمة. وسيطرت على المتظاهرين حالة من السعادة والبكاء في الوقت نفسه، مجددين مطلبهم بالقصاص لأرواح الشهداء المصريين، وطرد السفير الإسرائيلي من مصر والبعثة الدبلوماسية المرافقة له، والتي بدأت في ممارسة مهام عملها منذ عام 1980، وإغلاق مقر السفارة. وحسب الدكتور محمد طمان، عضو اللجنة التنسيقية بمجلس أمناء الثورة، أحد المشاركين في المظاهرة الذي وصف لـ«الشرق الأوسط» لحظة إسقاط العلم بـ«اللحظة التاريخية» التي تشبه مشهد الجندي المصري الذي رفع علم مصر على أرض سيناء، مضيفا أن مجلس أمناء الثورة تعهد بحماية «الشحات»، لافتا إلى أن المجلس لا يسعى إلى أي مجد من وراء ذلك.

لم يكن الشحات الذي نفذ ما يجول بخاطر المصريين إلا نفس الفتى الأسمر الذي فاجأ المتظاهرين في جمعة القصاص 8 يوليو (تموز) الماضي بميدان التحرير بتسلقه أحد أعمدة الإنارة حاملا علم مصر، فالشحات كان بطل المشهدين ببراعة فائقة.

ومن جانبه، أعرب الشحات (23 عاما)، عن سعادته بما قام به، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «أدركت أن ما أقوم به سيسعد الملايين، ولذلك لم أتردد لحظة في قراري بالصعود على الرغم من تحذيرات الجميع من احتمالية قتلي برصاص أحد القناصين أعلى البناية».

ورغم أن ما قام به الشحات حمل رسالة سياسية شعبية حادة اللهجة لتل أبيب، فإنه كشف عن عدم اهتمامه بالسياسة مطلقا، كاشفا عن أنه شخص بسيط وليس له أي انتماءات حزبية أو سياسية، قائلا: «ما دفعني للصعود كان الفطرة المصرية بعد مقتل الجنود على الحدود». وتابع بأسى بقوله: «وضعت نفسي مكان الجندي الذي قتل برصاص إسرائيل».

وأوضح «أردت توجيه رسالة لإسرائيل معناها أن مصر على استعداد أن تضحي بالملايين من أجل عدم إراقة نقطة دماء واحدة». وأضاف «إنني لم أخف من السقوط أثناء تسلقي البناية أو أثناء وجودي أعلاها، ولم يكن هناك أي شيء يخطر في ذهني، فلقد شرعت في الصعود بعفوية الشباب الذي شاركوا في ثورة (25 يناير)». وقال: «لم أخف من الموت لحظة واحدة؛ لكني كنت أنتظر الشهادة في أي لحظة أثناء صعودي»، مضيفا كان كل همي إسعاد المتظاهرين وليس الشهرة، واستطرد قائلا: «لكني خفت عندما نزلت إلى الشارع من نظرات المتظاهرين الذي أقلقوني، وأخافوني من أن الأمن قد يحقق معي»، مضيفا «وقتها تساءلت من يحميني من الأمن المصري والإسرائيلي؟».

وعن ظهوره في مؤتمر صحافي بنقابة الصحافيين أمس، وفي الكثير من القنوات الفضائية، قال الشحات: «إن الجميع أقنعوني بعمل مؤتمر صحافي والظهور في وسائل الإعلام بقوة، ليعرف الجميع ماذا فعلت وأنني ليس لي أي أهداف، وحتى يقف بجواري الرأي العام المصري كله لو حدث لي مكروه»، موضحا أنه لا يخاف من أي إجراء يقوم به الجانب الإسرائيلي، بقوله: «إسقاط العلم لا يشغل إسرائيل ولن تستطيع الحديث عنه، خاصة بعد قتل الجنود المصريين»، لكنه عاد وقال بصوت قلق: «أخاف من السلطات المصرية فقط».

وعن كيفية صعوده أعلى العقار أكد الشحات، غافلت الحراس أثناء تبديل أطقم الحراسة، وقفزت بسرعة ولم يلمحني أحد، ومررت عبر المنطقة الخلفية بجوار كوبري الجامعة، ومنها قمت بالصعود من خلال العمارة المجاورة لبناية السفارة، الغريب أنه لم يشاهدني أحد؛ إلا وأنا في الطابق الرابع، مضيفا: «ساعدني على الصعود طبيعة البناية والشبابيك وتشجيعات السكان الذين كانوا ينظرون إلي»، لافتا إلى إنه لم يقم بالتسلق لأي بناية من قبل سوي عمود ميدان التحرير، كاشفا عن أنه في الأوقات العادية لن لا يستطيع الصعود، بقوله: «شجعني على الصعود الآلاف التي كانت أسفلي، وخطر ببالي أنني حتى لو سقطت سوف (يلقفوني)» وفقا لتعبيره.

وأضاف الشحات لم يخطر في بالي الصعود للبناية قبل الوصول للمشاركة في المظاهرة، لذلك كنت أرتدي لبسي العادي البسيط والمكون من تي شرت وحذاء رياضي وبنطلون.

وتابع الشحات: «أثناء صعودي تعالت أصوات المجندين الذين طالبوني بالنزول؛ لكني لم أستجب لهم، حتى وصلت إلى مكان العلم وقمت بشده حتى تمزق، ثم نزلت، وتذكرت أنني لم أضع مكانه العلم المصري، فصعدت وقمت باستبداله بالعلم المصري، وبعد أن نزلت تسلقت ثلاثة أدوار ثم قام سكان البناية بإدخالي إحدى الشقق وغسلت وجهي واسترحت ونزلت على السلم حتى الشارع».

وفي السياق نفسه، واصلت شبكة التواصل الاجتماعي «فيس بوك» الاحتفال بـ«الشحات» وأطلق الشباب عليه لقب «سوبر مان» بعد أن احتفى به عشرات الآلاف من المصريين باعتباره نموذجا للشباب المصري الذي ثار على نظام الرئيس السابق حسني مبارك، واعتبروه نسخة جديدة من الشاب الذي سبق ووقف أمام مصفحة الأمن المركزي في شارع قصر العيني يوم 25 يناير (كانون الثاني)، متحديا خراطيم مياهها، وعده الكثيرون دليلا على تغيير طرأ على تفكير الشباب المصري.