الصحافي السوري عامر مطر لـ«الشرق الأوسط»: أنا مجرم عند النظام لأنني أكتب الحقيقة والواقع

كتب وصيته قائلا لوالده: «لا تصالح».. ويردد دائما أن «كل سوري هو مشروع قتيل»

TT

منذ يومين، كتب الصحافي السوري العشريني، عامر مطر، وصيته إلى والده. دوّنها بقلمه الأسود وتركها في مغلف فوق طاولة صغيرة، ودون نسخة إلكترونية منها على الكومبيوتر المحمول الخاص.

يدرك عامر أن «الوقت يسبقه، وأن آلة القتل الأمنية التي تلاحقه وسجنته لمرات في سجون (بائسة) تابعة لأمن الدولة قد تقتله في أي لحظة». يردد على الدوام أمام زملائه ورفاقه المنتفضين بوجه نظام بشار الأسد ومجموعاته العسكرية والاستخباراتية أن «كل سوري هو مشروع قتيل». لكن كل هؤلاء الشهداء الذين يُقتلون لسبب واحد، وهو المطالبة بالحرية، قد لا يجدون الوقت ليتركوا وصيتهم. عامر عمد إلى كتابتها بأسلوب مؤثر وثوري، طالبا من والده ذي الأصول القبلية من الجزيرة السورية أن «لا يصالح».

منذ بداية الانتفاضة السورية تمارس القوات الأمنية اعتقالات قاسية بحق الصحافيين. القمع لا يشمل المنتفضين في الشارع فقط، بل ينسحب على كل من يشارك ويسهم في حركة التظاهر والاحتجاج ضد النظام الذي تعمل آلته العسكرية على قتل المتظاهرين في مشاهد «بشعة»، تنقلها كاميرات الهواتف الجوالة أو تعمد مجموعات صحافية شابة إلى توثيقها، لعرضها على شاشات التلفزيون العربية والأجنبية الممنوعة من التغطية في الميدان السوري الملتهب بحرارة الثورة وبدماء الثوار.

منذ شهر، اعتقلت القوات الأمنية الصحافي عمر الأسعد، الذي يكتب في جريدة «البيان» الإماراتية و«الحياة» اللندنية و«النهار» اللبنانية، والصحافي رودي عثمان، والصحافي عمر خيطو، الذي يعمل في مجلة «الاقتصادي». ثلاثة شبان تثور في صدورهم روح التغيير والإصلاح اعتقلوا لأنهم يؤمنون بـ«سوريا أفضل». مثلهم مثل عشرات غيرهم من الصحافيين والمدونين السوريين اعتقلوا من دون سبب وجيه. الاعتقال تم في مقهى دمشقي حيث كان الثلاثة يجلسون معا وهم يحلمون «بمستقبلهم ومستقبل مدنهم ودولتهم المشرفة على الضوء، والخارجة من قمقم الصمت منذ 15 مارس (آذار) 2011». وبحسب مطر الذي قرر أن يكشف عن هويته في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» أكد أنه لم يعد «خائفا من أي شيء. ولم يعد أي شيء في سوريا يستحق التضحية أكثر من الحرية وقول الحقيقة»، فإن اعتقال زملائه لا يزال «لأسباب مجهولة»، وتم بطريقة «قاسية»، حيث سحب الشبان بالضرب والتعذيب من المقهى وأخذوا ولم يعودوا. مؤكدا أن رفاقه الصحافيين يتعذبون في أقبية السجون الأمنية ويضربون، «فقط لأنهم أرادوا نقل الحقيقة ودعم الثورة من الناحية الإعلامية» وفق ما يقول.

الوضع السوري الداخلي المتفجر يعكس قسوة العمل الصحافي والمتابعة الإعلامية في ظل العنف والاعتقال والملاحقة الدائمة، التي تكاد تتحول إلى هاجس يومي في حياة الصحافيين. يؤكد مطر أن «لا صحافة في سوريا»، فقد تحولت إلى «عمل سري أخطر من تجارة المخدرات وقد يُقتل الصحافي في أي لحظة بسبب عمله الحر»، مضيفا: «منذ تسلم حزب البعث السلطة في عام 1963 والصحافة عمل محظور إلى اليوم. كل صحافي مطلوب لرجل الأمن واليوم الخطر يزداد في ظل عاصفة الثورة».

يروي عامر كيف اعتقل منذ بداية الثورة لمدة 16 يوما. يقول: «تم اعتقالي من البيت، وسحب جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص بي، وصودرت كتبي وكاميرتي والدفاتر الخاصة بي، وتمت محاسبتي على كل صورة وكلمة التي كنت من خلالهما أنقل صورة سوريا ووضعها إلى الناس»، موضحا: «لقد سجنت وعذبت لأنني لا أعمل لحساب إعلام النظام، ولأنني لا أسكت وأرضخ لصمتهم وإجرامهم». وأكد «أنا مجرم عند النظام لأنني أكتب الحقيقة والواقع».

سجن عامر داخل غرفة انفرادية في سجن أمن الدولة لمدة 10 أيام، ثم سجن لمدة 5 أيام مع 7 أشخاص، في «غرفة مظلمة ومعتمة ولا تصلح لتكون مقبرة»، كما يصف، واصفا تلك الأيام بـ«المؤلمة». وقال: «تم ضربي وتعذيبي بشدة انتقاما من المواد التي أكتبها». وختم مطر كلامه واعدا: «لن أسكت طالما ما زلت أتنفس».