الأثرياء الجدد في الصين يتباهون بثرواتهم من سيارات «الفيراري»

أصبحوا مصدر إزعاج للحكام الشيوعيين بسبب اتساع الفجوة

أغنياء الصين ينفقون أموالهم على السلع الفاخرة (واشنطن بوست)
TT

يعشق الأثرياء الجدد في الصين المنتجات المترفة، مثل حقائب اليد المستوردة من فرنسا والسيارات الرياضية الإيطالية، والأكثر من ذلك أنهم يحبون التباهي بما لديهم من سلع مترفة.

ويبدو أن ذلك قد أصبح مصدر إزعاج للحكام الشيوعيين في الصين، الذين يواجهون شعورا متناميا بعدم الرضا بسبب اتساع الفجوة. ويتحدث مسؤولون في الوقت الحالي عن التأكد من توزيع الثروات بقدر أكبر من المساواة، وكيفية جعل الأغنياء يخففون من حدة تباهيهم بثرائهم.

ومع تردي الاقتصاد العالمي، وسعي الصين إلى تسريع وتيرة التحول إلى نموذج نمو يقوده المستهلك، ترى قيادات في بكين بعض السلع المترفة مصدرا يدر الكثير من العوائد. ويقوم الكثير من الصينيين بشراء منتجات مترفة في هونغ كونغ ومن خارج البلاد، لتجنب الضرائب المرتفعة داخل الصين، ولذا يتناقش مسؤولون حول تقليل الرسوم الجمركية لتشجيع المستهلكين على التسوق داخل البلاد.

ولكن لا ترغب الحكومة في أن يقال إنها تتخذ إجراءات جديدة بهدف دعم شريحة صغيرة من المواطنين، يمكنهم تحمل شراء حقائب «هيرمس» المترفة، أو أحدث سيارات «فيراري»، ولذا أرجأت عملية اتخاذ القرار بشأن تقليل الرسوم الجمركية، بحسب ما أفادت به تقارير إعلامية صينية ومحللون داخل القطاع.

ويقول ميشال أويانغ، ممثل رابطة السلع المترفة العالمية في الصين: «تواجه الحكومة تعارضا، فهم لا يريدون الترويج للسلع المترفة لأنهم يخشون من أن الأشخاص الذين لا يمكنهم تحملها سيشاهدون الإعلانات. ولكنهم لا يريدون الحد من السلع المترفة لأنها مصدر جيد للاقتصاد. ولذا فإنهم في مأزق». وعندما يقوم الأثرياء بالتباهي بما لديهم من سلع مترفة، فإن ذلك لا يضع الحكومة في مكان جيد.

وفي هذا الصدد، تسببت امرأة ربما تكون في العشرين من عمرها، وتسمي نفسها «غو ميمي بابي»، في حالة من اللغط. وقد أدت غو – التي يعني اسمها «ميمي» «الجميلة» - إلى ظهور حالة من الصخب على شبكة الإنترنت داخل الصين، وأثارت فضيحة وطنية عندما نشرت صورا لها على مدونتها تعرض مجموعتها الجديد من حقائب «هيرمس» المستوردة، وتتباهى بسياراتها «مازيراتي» الرياضية البيضاء، التي يطلق عليها «المهر الصغير»، وسيارة صديقها (الذي تزوجته) «لامبورغيني» برتقالية، يطلق عليها «ثور صغير».

وكانت حالة الغضب، في أول الأمر، مرتبطة بشكوك في أنها على علاقة بالجمعية الخيرية الأكبر داخل الصين، التي تديرها الحكومة. ولكن يقول الكثيرون هنا إن فضيحة «غو ميمي» كشفت سمة شائعة في التدافع على الثراء في الصين، اتجاه بين فاحشي الثراء الجدد في الصين للتباهي بما لديهم من مال.

ويقول يانغ شو، الذي يدير متجرا يدعى «فيغ 2» متخصص في حقائب يد مستعملة: «يحب الناس التباهي بثروتهم. وقد نما استهلاك المنتجات المترفة بسرعة كبيرة. وأصبح الوضع خارج نطاق تخيل الجميع». وفي متجره، على سبيل المثال، أصبحت حقائب «هيرمس» أكثر شعبية من «لويس فيتون» لسبب بسيط: أنها أغلى ثمنا.

وفي وقت ما زالت أوروبا والولايات المتحدة تعانيان فيه من اقتصاد راكد، ظهرت الصين كسوق أساسية للسلع المترفة. واشترت الصين كمية من السلع المترفة تبلغ قيمتها 12 مليار دولار العام الماضي، وفقا لما أفادت به إحصاءات وزارة التجارة. وستمثل الصين 20 في المائة من مبيعات السلع المترفة عالميا بحلول 2015، وفقا لما أفادت به شركة استشارات الإدارة «ماكينزي وشركاه».

وقد باعت «بنتلي» عددا من السيارات داخل الصين، العام الحالي، أكثر مما بيع داخل بريطانيا، وتمثل الصين 25 في المائة من مبيعاتها. وفي يوليو (تموز) الماضي افتتحت «مرسيدس بنز» استوديو تصميم جديدا داخل بكين.

ووفقا لما أفادت به رابطة السلع المترفة العالمية، فقد نمت سوق السلع المترفة الصينية بنسبة 20 في المائة، العام الماضي، ولم تبد عليه أي إشارات تدلل على احتمالية حدوث تراجع. ويقول أويانغ: «تزداد قوة الشراء داخل الصين. نحن الدولة الوحيدة التي يتزايد فيها استهلاك السلع المترفة عاما بعد عام».

ويقول خبراء إن ظاهرة التباهي بالثروة يكتنفها بعض التعقيد، وترجع إلى صراعات الصين القديمة مع الفقر والمجاعة، وإحساس بأن المقتنيات المرتفعة الثمن ستضمن مكانة اجتماعية.

ويقول هو شينغ دو، أستاذ الاقتصاد بمعهد التقنية في بكين: «يظهر التباهي بالثروة أن التنمية الاقتصادية في الصين ليست منذ فترة طويلة، فما زالت نفسية المستهلك داخل المجتمع الصيني غير ناضجة». ويضيف: «الثروة في الصين هي المعيار الوحيد للتعرف على المكانة الاجتماعية. ويرغب الناس في إبداء أن لديهم مكانة اجتماعية أعلى بارتداء العلامات التجارية الفاخرة».

ويأتي الكثير ممن يميلون إلى التباهي بما لديهم من الأثرياء الجدد، وغالبا ما يكونون من الشباب: أبناء عائلات ثرية أو «الجيل الثاني الثري» أو شابات أصدقاؤهن أو خطّابهن من الأثرياء. ويقول أويانغ عن ظاهرة «غو ميمي»: «يريدون جذب أنظار الناس إليهم. ويريدون أن يعرف الناس أن آخرين يحبونهم ويهتمون بهم».

ويقول أويانغ: «السبب الأعمق لظاهرة التباهي في الصين يعود إلى أن المنتجات المترفة تمنح المرء ثقة في النفس». ويضيف: «إذا كنت ترتدي ملابس من عمل مصمم معروف أو تحمل حقيبة مرتفعة الثمن، فسيعطيك الناس قدرا أكبر من الاحترام. وسيقدم لك الساقي داخل الحانة خدمة متميزة.. وإذا ذهبت للتسوق أو لتناول الغذاء، ستكون حقيبة «هيرمس» بمثابة بطاقة تعريفية، وهي بطاقة تعريفية مهمة».

وعلى مواقع التدوين الشعبية، يتساءل الكثيرون داخل الصين عما إذا كان ميل البلاد إلى إبداء الثراء قد تجاوز الحدود. وعلى سبيل المثال، وجهت انتقادات لأستاذ في جامعة بكين، مؤخرا، بعد أن استخدم مدونته ليقول لطلابه السابقين أن لا يأتوا لزيارته إذا عجزوا عن تجميع 6 ملايين دولار على الأقل عندما يبلغون الأربعين من العمر.

وأثار مليونير في إقليم شانشي ضجة وأصبح موضوع مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، بعد أن قال له حارس في مدفن «سلالة كينغ» إن المقابر الموجودة تحت الأرض مغلقة أمام العامة. حينها بدأ المليونير يلقي المال تحت قدمي الحارس، وطالبه بالدخول زاعما أن لديه مالا يكفي لشراء المقابر القديمة.

ولكن لا يعمد جميع المستهلكين المترفين إلى التباهي بما لديهم. ولدى تشانغ يان، وهي مساعدة تسوق بأحد مراكز التسوق، تبلغ من العمر 30 عاما، حقائب كثيرة من عمل مصممين خاصين، كما أنها من المعجبين بـ«لويس فيتون». ولكنها عندما تذهب إلى العمل، تحمل حقيقة بسيطة من «كوتش»، لأنها أقل جاذبية. وتقول تشانغ: «لا يمكن لبعض زملائي في العمل تحمل هذا، ولذا لا أريد أن أريهم حقيبة (لويس فيتون)». ويبدو أن غو نفسها تعترف بأنها ربما جاوزت الحدود. وفي أول مقابلة تلفزيونية معها منذ إثارتها الضجة داخل الصين، أخبرت غو مضيفا على التلفزيون الصيني بأنها عندما جاءت إلى بكين لدراسة التمثيل في أكاديمية السينما، أصبحت مصابة بـ«الغرور». واعترفت غو بأن اثنتين فقط من حقائب «هيرمس» التي لديها أصليتان.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط أسهم في التقرير ليو ليو من بكين