تزايد الضغوط على ناشط هندي يحارب الفساد لتخفيف مطالبه

صعد نجمه من ناشط محلي إلى أشبه بمنقذ الهند

الناشط الهندي هازاري يحيي مؤيديه خلال إضرابه عن الطعام في نيودلهي أمس (أ.ب)
TT

يواجه الناشط الهندي المضرب عن الطعام - الذي تجاوب ملايين المواطنين مع حملته لإصدار تشريع صارم لمكافحة الفساد - ضغوطا متزايدة أمس لإظهار مرونة أكبر وسط مؤشرات على أن الحكومة الهندية التي تواجه مشكلات جمة بدأت تتخلى عن موقفها المتشدد. وصعود نجم هازاري من ناشط محلي إلى أشبه بمنقذ الهند من براثن فسادها المستشري، رافقته انتقادات وجهها البعض لتنال من هازاري شخصا وفعلا.

ويضرب آنا هازاري، 73 عاما، وهو ناشط يسير على درب الزعيم الهندي المهاتما غاندي عن الطعام منذ 6 أيام في ساحة عامة بالعاصمة. وهو يقول: إن الإضراب الذي يمتنع فيه عن الطعام وليس الماء سيستمر حتى تصدر الحكومة مشروع قانون صارما لمكافحة الفساد.

لكن إصراره على أن تطرح الحكومة مشروع قانون مكافحة الفساد يوم الثلاثاء وتمرره بحلول نهاية الشهر الجاري أثار انتقادات باعتبار أن مجموعته تملي السياسات على برلمان منتخب.

وقالت الحملة الوطنية لحق الشعب في المعلومات وهي واحدة من أبرز المنظمات الهندية للدفاع عن الحقوق المدنية إنها ستتقدم بمشروعها الخاص لمكافحة الفساد.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن أرونا روي وهو عضو في الحملة الوطنية لحق الشعب في المعلومات وأحد أشهر النشطاء الاجتماعيين في الهند قوله «أعتقد أن أناجي (هازاري) مخطئ.. أي أحد يقول: إن رأيي يجب أن يكون الرأي الوحيد مخطئ».

وخرج هازاري من الحبس يوم الجمعة وسط فرحة عارمة من الحشود وتغطية إعلامية مكثفة. وكان ألقي القبض عليه لفترة قصيرة يوم الثلاثاء ثم رفض ترك الحبس حتى تتيح له الحكومة إضرابه عن الطعام لمدة 15 يوما.

ولاقت حملة هازاري صدى لدى ملايين الهنود خاصة بين أبناء الطبقة المتوسطة التي يتزايد حجمها والتي ملت من تفشي الرشى وأصبحت غصة في حلق رئيس الوزراء مانموهان سينغ بينما تواجه حكومته فضائح فساد.

وأدى عدد من الفضائح منها فضيحة رشى في مجال الاتصالات كلفت الحكومة ما يصل إلى 39 مليار دولار إلى مطالبة هازاري باتخاذ إجراءات لمكافحة الفساد. لكن مشروع قانون الحكومة الذي من شأنه تعيين محقق معني بمكافحة الفساد انتقد وقيل إنه ضعيف للغاية لأنه يعفي رئيس الوزراء والقضاء من التحقيقات.

ومن بين المنتقدين ناندان نيليكاني المساهم في تأسيس شركة «انفوسيس» العملاقة للبرمجيات ويرأس حاليا مشروعا حكوميا ضخما لتعميم بطاقات هوية بيومترية تحوي شريحة إلكترونية لكافة سكان الهند البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة.

وفي مقابلة مع قناة «إن دي تي في» التلفزيونية الإخبارية قال نيليكاني إن حملة هازاري الشعبية تتسم بالسذاجة و«التسطيح» في تركيزها على إجبار الحكومة على تشديد مسودة قانون لمكافحة الفساد مطروح أمام البرلمان لبحثه.

وقال نيليكاني «لا أعتقد أن تمرير قانون أو آخر سيجعل الفساد يختفي بمعجزة»، مشيرا إلى أن هازاري رفع سقف التوقعات الشعبية لمستويات غير واقعية.

وتابع «إذا أردت حقا التصدي للفساد، يتعين التعامل مع فسيفساء كثيرة الأبعاد.. وليس من حل سحري بل يجب بذل جهد شاق وعمل طويل».

ويتركز احتجاج هازاري على المسودة التي يطلق عليها في الهند «قانون لوكبال» الذي من شأنه خلق وظيفة جديدة لمراقب عام يتابع مسلك السياسيين والمسؤولين الكبار.

وقال نيليكاني إن اللجوء إلى الإضراب عن الطعام لإجبار السلطة التشريعية لبرلمان منتخب على تبني قوانين «أمر غاية في الخطورة ناهيك عن كونه خاطئا بالمرة» في بلد تباهي بكونها أكبر ديمقراطية في العالم من حيث تعداد السكان.

كما أعربت بينكي أناند المحامية البارزة أمام المحكمة العليا عن تحفظات مماثلة حول ما وصفته بالموقف المتصلب من جانب هازاري بمواجهة حكومة رئيس الوزراء مانموهان سينغ.

وقالت أناند للصحافة الفرنسية «لدينا برلمان منتخب منوط بصياغة وإقرار وإنفاذ القوانين، وعلى الناحية الأخرى شخص يقول إما ما أريد وإلا فلا، هذا خروج عن الديمقراطية».

غير أن هازاري يقول: إنه يملك «تفويضا من الشعب» في الوقت الذي خرج مئات الآلاف من أنصاره المتحمسين الجمعة ليحيوه في شوارع دلهي مع بدء إضرابه العام عن الطعام.

وخلال خطاب مفعم بالحماس أمام الحشد المؤيد وصف كيران بيدي أحد مستشاري هازاري وكبار منظمي الحملة الناشط البارز بقوله: «أنا هو الهند والهند أنا». غير أن راجيندرا دايال خبير الشؤون السياسية بجامعة دلهي رفض وصف الحشود المتظاهرة بالتفويض الشعبي الذي يخول بإملاء السياسات.

وقال دايال «ليس من حق هازاري أن يملي ما يريده ونقول سمعا وطاعة. فالنظام الديمقراطي يقوم على آليات تداولية لا بد من احترامها». وتبدو بعض ومضات إعلامية ناقدة لهازاري فقد حمل المقال الافتتاحي لصحيفة «ذا هندو» السبت العنوان التالي: «أنا ليس هو الهند، ولا الهند أنا».

وأشارت الصحيفة إلى التزام هازاري بدرب رمز الاستقلال الهندي المهاتما غاندي قائلة إن غاندي لو رأى «العجب والاعتداد بالرأي» الذي سرى بين معسكر هازاري لهاله ذلك فزعا. وأضاف المقال: «على الهند الديمقراطية التقدمية السياسية أن تجد طريقها بنفسها».

وقالت أنوباما جا التي ترأس الفرع الهندي من منظمة الشفافية الدولية التي تراقب مستويات الفساد في العالم إن هازاري نجح في دفع مشكلة الفساد لرأس الأولويات السياسية وهو الأمر المحمود، ولكنها شككت في الاعتقاد الأخذ في التنامي بين أنصاره بأن تغليظ مسودة قانون الفساد سيقضي على الفساد في الهند قضاء مبرما.

وقالت جا إن «القانون الذي يريده سيعمل في أحسن الأحوال كعنصر ردع ذاك أن تنفيذ القانون مسألة شاقة» مشيرة إلى أن الفساد يضرب منذ عقود بجذور عميقة في البلاد.