سوريا تصل لنقطة اللاعودة.. وعزلتها ستدفع الأغلبية الصامتة إلى الثورة

خبير أميركي كتب السيرة الذاتية للأسد: وصلات الثناء الرخيصة ودعاية النظام أقنعته بأن سوريا لا يمكنها الاستمرار من دونه

صورة من الـ«يوتيوب» لعناصر من الأمن السوري يصوبون فوهات بنادقهم تجاه متظاهرين في الخالدية بحمص
TT

عندما ورث بشار الأسد السلطة في سوريا عام 2000، نظر إليه الكثيرون باعتباره الرئيس الشاب الإصلاحي الجديد، في منطقة تعج بالحكام الاستبداديين، ورأوا فيه وجها جديدا بإمكانه تحويل النظام الديكتاتوري الجامد الذي أسسه والده إلى دولة عصرية تفتح ذراعيها للعالم.

الآن، قضت الحملة الحكومية الدموية على الشعبية التي حظي بها الأسد في وقت مضى، وصورته كإصلاحي يناضل في مواجهة أعضاء الحرس القديم الموالين لوالده الراحل. ومع تصاعد الدعوات لاستقالته، الأسبوع الماضي، من مختلف العواصم، من واشنطن إلى طوكيو، أجبر «الربيع العربي» الأسد على مواجهة أقسى حالة عزلة في تاريخ حكم أسرته الممتد لأربعة عقود. وحطمت الأحداث التي جرت في الشهور الخمسة الماضية أي آمال في أن يقدم الأسد على تغيير واحدة من أكثر الدول قمعية في العالم.

ولا تلوح في الأفق مؤشرات توحي بأن الأسد (45 عاما) سينجح في سحق المظاهرات التي تهز أركان نظامه، لكنه حسب مراقبين، إذا نجح في ذلك فإن مكانته الجديدة على الساحة العالمية كمنبوذ ستدمر بلاده التي يبلغ تعداد سكانها 22 مليون نسمة، وتقوض الاستقرار في الشرق الأوسط وتؤثر على دور إيران، حليف سوريا، على الصعيد العالمي.

عن ذلك، قال ديفيد دبليو. ليش، الخبير الأميركي بالشؤون السورية، الذي وضع سيرة ذاتية لبشار الأسد عام 2005 لوكالة أسوشييتد برس: «السلطة مثيرة، وكما يقول المثل القديم فهي مفسدة حتما. في النهاية، أصبح نتاجا لبيئته وليس شخصا قادرا على إحداث تحول في هذه البيئة».

دعت الولايات المتحدة والكثير من كبار حلفائها، الخميس، الأسد للتنحي عن السلطة، وذلك في تصعيد لشهور من التوبيخ المتزايد. وتزامنت الرسائل الصادرة عن واشنطن ولندن وباريس وبرلين وبروكسل، مع تقرير صادر عن الأمم المتحدة يوصي بتحويل سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق معها بشأن جرائم محتملة ضد الإنسانية وقعت خلال الحملة القاسية الجارية، التي تضمنت إعدامات عاجلة وتعذيب سجناء واستهداف أطفال.

حتى اليابان أضافت صوتها إلى الأصوات الأخرى الداعية لرحيل الأسد. وأعلنت منظمات معنية بحقوق الإنسان أن قوات الأسد قتلت نحو 2000 شخص منذ اندلاع الانتفاضة في منتصف مارس (آذار) الماضي، تماشيا مع موجة الثورات التي تجتاح العالم العربي.

من ناحية أخرى، لا توجد مؤشرات على أن الدعوات العالمية للإطاحة بالأسد ستترك أي تأثير فوري، على الرغم من أن محللين يرون أنها قد تساعد، في نهاية الأمر، في تحويل دفة الأحداث. من الممكن أن تدفع العزلة المتزايدة السوريين الذين أيدوا النظام للتحرك باتجاه المعارضة، خاصة إذا ما استمر الاقتصاد في التردي.

وقد أبدت إيران، حليفة سوريا منذ أمد بعيد، دعمها المطلق لدمشق، لكن ليس بإمكانها مساندة النظام إلى الأبد. ومع ذلك، يتوقع الكثير من المراقبين أن يستغرق الأمر بضعة شهور أخرى، على الأقل، من إراقة الدماء، وربما مزيد من الوحشية لمنع بذل مزيد من المحاولات لإسقاط الأسد.

وما يزال النشاط والحماس باديين على كلا طرفي الصراع، حيث يتدفق المتظاهرون كل جمعة على الشوارع، في تحد لوابل من القذائف ونيران القناصة. وفي الوقت ذاته، لا يزال النظام قويا أيضا، ولا يبدو أنه يواجه خطر السقوط الوشيك، مما يمهد الساحة لحالة تأزم دموية.

وحتى هذه اللحظة، لم تفلح المعارضة في اجتذاب أبناء الطبقتين الوسطى والعليا في دمشق وحلب للخروج إلى الشوارع، المركزين الاقتصاديين الرئيسيين بالبلاد، على الرغم من تصاعد حركة المظاهرات.

الملاحظ أن الأسد، ووالده من قبل، عمد إلى تخصيص المناصب العسكرية العليا لأبناء الطائفة العلوية التي تمثل أقلية، لضمان الولاء له عبر مزج مصيري الجيش والنظام. ويعد هذا الولاء أقوى أسلحة نظام الأسد.

وبإمكان العقوبات الاقتصادية تدمير النظام، وإن كان الحظر الأميركي الجديد على النفط السوري لا يعد ضربة قوية في حد ذاته، فإن مسؤولي الاتحاد الأوروبي، أعلنوا الجمعة أن دول الاتحاد البالغ عددها 27 تدرس فرض حظر على النفط السوري، مما سيقلص عائدات الحكومة السورية بدرجة بالغة.

في هذا الصدد، أوضح ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسات العربية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن الصادرات النفطية السورية - تتجه معظمها إلى أوروبا - تعود على البلاد بـ7 ملايين دولار يوميا. من دون هذه العائدات، ستسارع سوريا إلى استنفاد احتياطياتها الأجنبية البالغة 17 مليار دولار، التي كانت بحوزة الحكومة وقت اندلاع الانتفاضة. وحذر شينكر من أن ذلك «ربما يستغرق عاما حتى ينفد ويسفر عن تهاوي الاقتصاد».

ولم يتضح بعد ما إذا كانت تركيا، الحليف الوثيق لسوريا، ستفرض عقوبات هي الأخرى من جانبها. المعروف أن تركيا، جارة سوريا والشريك التجاري المهم لها، تنامت مشاعر الإحباط في نفوس قياداتها إزاء دمشق. على الرغم من أن واشنطن تفتقر إلى نفوذ مباشر يذكر على سوريا، فإن دعوة الرئيس باراك أوباما للأسد للرحيل تضع نهاية حاسمة للجهود الأميركية للتعاون مع دمشق.

وقد ظهرت مؤشرات مبكرة توحي بأن هذه الجهود ستمنى بنهاية سيئة، مثل برقية دبلوماسية أميركية سرية بتاريخ يونيو (حزيران) 2009 صورت الأسد باعتباره مختالا وعديم الخبرة، ومسؤولي حكومة دمشق باعتبارهم مدمنين للكذب.

وذكرت مورا كونيلي، القائمة بأعمال السفير الأميركي في دمشق آنذاك، في البرقية أن الأسد يعتبر نفسه «الملك الفيلسوف، أشبه ببريكليس دمشق». واقترحت أن الإطراء على الأسد ربما يمثل سبيلا فاعلا للتلاعب به. وقالت: «اللعب على التظاهر الثقافي الذي يتبعه الأسد ربما يكون استراتيجية جيدة لكسب ثقته وإذعانه. ربما يتطلب ذلك وقتا طويلا، لكنه مثمر».

ينظر الغرب منذ أمد بعيد إلى سوريا باعتبارها قوة قد تثير زعزعة استقرار الشرق الأوسط بسبب تحالفها مع إيران وميليشيات حزب الله في لبنان. كما وفرت دمشق ملاذا لبعض الجماعات الفلسطينية الراديكالية.

إلا أنه خلال السنوات الأخيرة، حاولت دمشق الخروج من العزلة الدولية التي فرضت عليها لسنوات، مما أحيا الآمال في أن واشنطن ربما تتمكن من اجتذابها بعيدا عن طهران وحزب الله وحماس. لكن الجهود الأميركية للتقارب مع دمشق، التي استمرت عامين، لم تثمر نتائج تذكر. الآن، يعد الأسد المعزول حليفا وثيقا لإيران أكثر عن أي وقت مضى. كما يقف العراق لجانب الأسد أيضا - في خطوة يعتبرها البعض مؤشرا على أن الحكومة العراقية تتحرك نحو تحالف تقوده إيران مع استعداد القوات الأميركية للرحيل عن البلاد، نهاية العام.

ويعد هذا تغييرا لافتا في العلاقة بين إيران والعراق، التي اتسمت بفتور شديد في العلاقات بينهما طيلة حقبة صدام حسين وسنوات التمرد في العراق. وتقف العزلة المفروضة على الأسد حاليا في تناقض صارخ مع الآمال التي علقها الكثيرون على قيادته.

كان الأسد قد تخلى عن عمله طبيبا للعيون في بريطانيا، لدخول معترك الحياة السياسية السورية عندما توفي شقيقه باسل، الذي جرى النظر إليه على نطاق واسع باعتباره خليفة والده المختار، في حادث سيارة عام 1994.

وشرع الأسد، الذي كان في الـ34 عندما تولى السلطة، في رفع القيود الاقتصادية المتسمة بطابع سوفياتي ببطء، حيث سمح بعمل المصارف الأجنبية وفتح الأبواب أمام الواردات ومكن القطاع الخاص. وقرب شبابه وطابعه الهادئ بينه وبين السوريين. ويقال إن الزعيم طويل القامة نحيف الجسد الهادئ، لا يحب أن يحيطه الحرس الشخصي. ويعيش هو وزوجته أسماء وأطفالهم الثلاثة في شقة بحي أبو رومانة الراقي في دمشق، على خلاف قادة عرب آخرين يعيشون في قصور.

لكن «ربيع دمشق» اتضح أنه قصير الأمد، وانزلق الأسد إلى السبل الاستبدادية التي انتهجها والده من قبل. وقال ليش: «لقد عاينت شخصيا تطور الأسد من شخص تولى الرئاسة بالصدفة ورغب في إصلاح بلاده، إلى آخر تمرس في السلطة، ويبدو أن وصلات الثناء الرخيصة ودعاية النظام أقنعته بأن سوريا لا يمكنها الاستمرار من دونه».

في الوقت الراهن، يتمتع الأسد بدعم داخل سوريا. وتتمثل قاعدة تأييده الأساسية في السوريين الذين استفادوا ماديا من النظام، وجماعات الأقلية التي تخشى أن يستهدفها السنة حال سيطرتهم على الحكم، وآخرون لا يرون بديلا واضحا وآمنا للأسد.

الملاحظ أن حركة المعارضة السورية متنوعة وغير منظمة في الجزء الأكبر منها، وتفتقر إلى قيادة قوية. وتبدو الحرب الطائفية احتمالا حقيقيا مرعبا في سوريا التي تتسم بتركيب هش ومعقد، يضم سنة وشيعة وعلويين ومسيحيين وأكراد ودروز وشركس وأرمن وآخرين. ويتمثل السيناريو الأسوأ في الانزلاق لحرب أهلية على غرار ما تعرضت له لبنان، وهي مخاوف عمد الأسد إلى استغلالها.

وتصر الحكومة السورية على أن الاضطرابات يؤججها إرهابيون ومتطرفون أجانب يسعون لإثارة الفتن الطائفية. وذكرت صحيفة حكومية، السبت، أن دعوات الولايات المتحدة وأوروبا للأسد للتنحي كشفت، مؤخرا، «وجه المؤامرة» ضد دمشق.