حلب الشهباء.. رأس حربة اقتصاد نظام بشار لم تقل كلمتها بعد

السوريون ينتظرون ثورة أبنائها والنظام يقاتل للحفاظ عليها

قلعة حلب الشهيرة
TT

«للأسف إلى الآن ما زال هناك خوف لدى نسبة كبيرة من سكان حلب وذلك بسبب حالات الاختفاء والاعتقالات وما تتعرض له المظاهرات من قمع وحشي» هكذا يعتقد سيف مللي (26 عاما)، من أبناء حلب (عاطل عن العمل)، والذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عبر الإنترنت تحت اسم مستعار خشية اعتقاله، وتابع مللي: إن النظام الحاكم يعرف أهمية حلب، فمع بدء ثورة 15 مارس (آذار) اعتقل النظام القيادات الشبابية في المدينة، وفاق عدد المعتقلين الألف بقليل، وهو ما لم يصل للإعلام بشكل كبير، وتابع مللي قائلا: «لكن ذلك ليس كل شيء فطبيعة حلب نفسها تختلف عن باقي المدن السورية».

ووفقا لمصدر رسمي تركي تحدث لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، من أنقرة فإن «تركيا تراقب الأداء السوري بكثير من القلق، وأوضح أن «ما يجري لا يمكن له أن يستمر، لكن في المقابل يتوجب على الشعب السوري أن يقول كلمته، فأين حلب ودمشق مما يجري؟». وقال المصدر: «الشعب السوري يجب أن يكسر حاجز الخوف ويقرر مصيره بنفسه».

وتكتسب حلب ثقلها في ميزان الأحداث من عدة عوامل؛ أبرزها: اتساع مساحتها، وكثافة سكانها ذات الأغلبية السنية، وقوة اقتصادها المرتبط أساسا بالتجارة مع تركيا وكونها مركزا صناعيا كبيرا، والحديث عن أسباب عدم انضمام مدينة متنوعة كبيرة مثل حلب يعيش فيها ما يزيد على مليوني ونصف إنسان (في المدينة فقط) معقد جدا. ووفقا لمراقبين فإن حفاظ حلب على هدوئها، وسط عواصف الاضطرابات المحيطة بها، قد أثار حفيظة القوى المعارضة، خصوصا أن حيادها أعطى النظام شهادة في الانضباط ورفض الانخراط في صفوف الانتفاضات الشعبية من قبل فصيل كبير من المواطنين، وتعد مدينة حلب أحد أكبر معاقل الطائفة السنية في سوريا ورغم ذلك فإنها لم تخرج كسائر المدن الأخرى وبقيت هادئة في العموم.

ذلك الهدوء أو ما يتحدث عنه السوريون تحت اسم «خضوع وخنوع حلب» استفز السوريين بشكل كبير فذكر أحد الناشطين على «تويتر» أن شباب حمص انتقموا قبل أسبوعين من سلبية أهل حلب، فأوقفوا حافلة تضم ركابا من حلب وعاتبوهم على عدم انخراطهم في الثورة، ثم تعمدوا إهانتهم من طريق طلي وجوههم بمساحيق النساء وتكحيل عيونهم وصبغ شفاههم بأحمر وفق ما جاء على موقع التواصل الاجتماعي. وقال مصدر خاص لـ«الشرق الأوسط» من حلب إن تلك الحادثة استفزت مشاعر رجال حلب الشهباء بشكل كبير! لكن لا يمكن تعميم هدوء حلب على عموم المدينة، فالمدينة التي تعد المركز الاقتصادي الأبرز للنظام السوري شهدت مظاهرات خجولة في عدة أحياء مثل سيف الدولة وحول الإذاعة في مسجد آمنة والصاخور، والميسر والقاطرجي وباب النيرب، كما أن ضواحي وريف حلب مثل مدينة الباب وعين العرب وأعزاز، وعفرين، وحريتان، وعندان ومارع تظاهرت أكثر من مرة هي إجمالا مناطق متضررة من النظام وتعاني من الفقر والعشوائية كما أن المظاهرات نفسها لم تشهد خروج الآلاف، كما تظاهر طلاب المدينة الجامعية في حلب عدة مرات، غير أن السوريين لا تزال أعينهم مشدودة نحو حلب وكأنهم يقولون: إلى متى سيطول صمتك يا حلب الشهباء؟

لكن إحدى أهم الأطروحات المتعلقة بعدم مشاركة حلب تكمن في مكانتها الاقتصادية لدى النظام السوري وهو ما يفرض عليه تكبيلها أمنيا لضمان مناصرتها له فهي رأس حربته الاقتصادية والمالية.

وتشتهر حلب بكونها مركز التصنيع الأساسي في سوريا، ويعد حي الشيخ نجار هو المنطقة الصناعية الأساسية في المدينة وفي سوريا كلها، محتلا مساحة تتجاوز الأربعة آلاف هكتار ليكون أحد أضخم الأحياء الصناعية في المنطقة، ويقدر حجم الاستثمارات بأكثر من 2 مليار دولار حتى نهاية عام 2009، فحلب هي عماد صناعات النسيج، والصناعات الكيميائية، والصناعات الدوائية، والصناعات الغذائية الخفيفة، والصناعات الكهربائية، والصناعات الهندسية، باحتوائها على أكثر من 50% من العمالة الصناعية وأكثر من نصف حصة التصدير وبالتالي فهي مصدر أساسي من مصادر تحصل النظام السوري على العملات الأجنبية وهنالك الكثير من المشاريع الجارية لإنشاء فنادق فخمة لتواكب تدفق السائحين على حلب التي تتمتع بعوامل ومقومات كثيرة في مجال السياحة حيث تنتشر الأماكن الأثرية والكثير من المصايف والأماكن الطبيعية والغابات الرائعة في الريف وهو يجعلها مقصدا للسائحين وخاصة من الأتراك وهو ما ينعش النظام الاقتصادي السوري.

ومن ناحية أخرى فإن حلب لا تضم النسبة الأكبر من فئة رجال الأعمال المائة الأكثر ثراء فإنها تضم النسبة العظمى من المائة الثانية من رجال الأعمال السوريين من حيث الثراء فأصحاب رؤوس الأموال فيها يرتبطون بمصالح وشراكات مع النظام ويستفيدون من وجوده، فبسبب موقعها في الشمال السوري، فإن حلب تحتفظ بعلاقات تجارية كبيرة مع الكثير من المدن التركية، وتلعب التجارة السورية التركية دورا كبيرا في الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه حلب، ولذلك سارع كثير منهم إلى دعم النظام وحمايته بتأمين الشبيحة والإنفاق عليهم خشية سقوط النظام وبالتالي خسارة وضعهم الاقتصادي المتميز الذي يؤمنه وجود الأسد ونظامه في سدة الحكم في دمشق.

وتعتقد بهية مارديني، رئيس اللجنة العربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن حلب لم تخرج لأن النظام فرض عليها طوقا أمنيا كبيرا، حيث قالت لـ«الشرق الأوسط»: «التشبيح الأمني جعل من يخرج في المظاهرات هم فقط الطبقة المثقفة من الأطباء والمحامين» وأضافت مارديني: «إن بين كل حاجز أمني وآخر يوجد حاجز كمان والاعتقالات تطول الجميع بشكل عشوائي وغير مبرر».

وكتأكيد على استغلال النظام السوري لحلب، فإنه درج على إقامة تفاعلات ومهرجانات غنائية وفعاليات ضخمة مؤيدة له في حلب على حساب هؤلاء التجار والصناعيين، حيث شهدت ساحة سعد الله الجابري وهي الساحة الأكبر في حلب حفلا غنائيا كبيرا دعما للنظام وبشار حيث سهر الآلاف للصباح الباكر مرددين شعارات مناصرة لبشار الأسد، كما لا يزال هناك خطط أخرى لوقفات وطنية ومسيرات مؤيدة في مناطق متفرقة من حلب.

وفقا لسيف المللي فإن الأمن والشبيحة والحزبيين يقومون بالمهمة الأمنية بالإضافة إلى مجرمين محكومين تم إخراجهم منذ قرابة شهرين لهذه المهمة، وتابع المللي قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «أيضا هناك عائلة البري.. وهي عائلة معروفة جدا في حلب وتمسك بالقبضة الأمنية للنظام منذ زمن طويل، حيث يقوم شبابها بفض أي مظاهرة واعتقال أي شخص يشتبه به كمعارض وتسليمه للسلطات الأمنية» وهو ما يرهب العشرات من الشباب الذين يمتنعون عن المشاركة في المظاهرات.

وأوضح مللي أن المناطق المنتفعة والساحات المركزية لم تخرج في مظاهرات حاشدة إما لأن سكانها هم من المنتفعين اقتصاديا من النظام أو بسبب التواجد الأمني الدائم فيها، كما أن مناطق الأقليات كالسريان لم تشهد أي حراك، وينقل مللي أن الشارع الحلبي يعتقد أن الأقلية في منطقة السريان ما زالت تفكر بعقلية الأقلية التي زرعها النظام وهي أن أي شيء جديد هو تهديد لوجودها.

ويعتقد ناشط سياسي تحدث من حلب، شريطة عدم ذكر اسمه، أنه ليس من الصحيح أن كل حلب مستفيدة من هذا التحسن النسبي في الاقتصاد الحلبي، حيث قال: «صحيح أن هناك أصحاب أعمال متوسطة وصغيرة كثر في حلب لكن الأكثر منهم هم الصناع والأجراء الذين لم يلمسوا تحسنا يذكر والذين سيخسرون أكثر من غيرهم نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية الحالية هذا عدا الموظفين وطلاب الجامعات وأصحاب المهن الخدمية الذين ضاقت بهم الحال أكثر خلال الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة» وهو ما يتشابه كثيرا مع ما حدث في مصر بعد الثورة من تضييق اقتصادي على الأجراء بشكل خاص.

وبعيدا عن الجانب الاقتصادي فإن من العوامل الهامة التي ساعدت في انفجار الثورة في درعا، وانتقالها بسرعة إلى الأرياف كان سيادة الوعي العشائري وقوة الروابط الأسرية في درعا، ما أدى إلى سرعة تكوين مواقف أهلية مشتركة، ووحد الإرادة الشعبية ضد القمع الذي تعرض له الأهالي، أما حلب، فإنها تتميز بطبيعة مختلفة تماما، فهي مدينة كبيرة مختلطة، والعلاقات الاجتماعية فيها ضعيفة، وروابطها الأسرية ليست متشابكة، والولاء العشائري فيها يتركز في الأطراف وفي الأرياف وفي بعض الحارات القديمة فقط. وتضرب حلب حاليا موجة غلاء قاسية، تتجاوز الغلاء الذي طال جميع المدن والمحافظات السورية، ووفقا لمواطن سوري، يعول طفلين، فإن الحلبيين يعانون بشكل أكبر من غيرهم لأنهم بشكل عام معتادون على السهر والخروج من المنازل بشكل شبه يومي، وتابع المواطن قائلا: «لذلك فقد تأثر نمط حياتنا بشكل ملحوظ بهذا الغلاء الذي ضرب كل السلع، فالأسعار مرتفعة بنسبة تتراوح بين 20% و50%» لكن المواطن أضاف باسما «المثير أن سعر السكر انخفض من يومين من 70 ليرة سورية للكيلو إلى 55 ليرة».

وبالنسبة للكثير من النشطاء السياسيين والحقوقيين المعروفين في حلب، فإن الحياة أصبحت جد صعبة وحالكة، فجلهم إما تحت المراقبة أو الإقامة الجبرية أو يتنقلون كل يوم من منزل إلى آخر في صعوبة بالغة، حتى أنهم يجرون لقاءاتهم مع القنوات والإذاعات في الحدائق لمعرفتهم أن منازلهم قد تتم مداهمتها في أي لحظة.

ووفقا لناشط سياسي فإن ممارسات النظام واستغلاله للموارد المالية الغنية جدا في حلب إضافة إلى الحالة الإنسانية السورية بشكل عام ستؤدي قريبا إلى انفجار الوضع في حلب وهو ما يأمله السوريون بطبيعة الحال لأنه سيكون بداية النهاية لنظام بشار الأسد.