مترجمون عراقيون يعملون مع الأميركيين يواجهون مرارة الرحيل أو البقاء رغم المخاطر

كثيرون منهم سيصبحون بلا وظائف حتى وإن تم إبقاء مدربين

TT

يخشى المترجمون الذين يعملون مع القوات الأميركية في العراق على حياتهم بعد الانسحاب الأميركي نهاية العام ويجدون أنفسهم مضطرين للاختيار بين مرارة المغادرة أو البقاء رغم المخاطر. ويقول مترجمون يعملون في منشآت للشرطة والجيش قرب مدينة الموصل (350 كلم شمال بغداد) إن أمنهم الشخصي معرض للخطر، إلا أن القبول بالحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة يعني أيضا أن مستقبل عائلاتهم سيكون محفوفا بالغموض.

ويشير المتحدث باسم القوات الأميركية في العراق اللواء جيفري بيوكانن إلى أن نحو 9 آلاف عراقي كانوا يعملون في مجالات عدة مع الجيش الأميركي حتى شهر يوليو (تموز). ويخسر هؤلاء وظائفهم مع الانسحاب الأميركي نهاية 2011. وتواجه أعداد كبيرة من هؤلاء خطر البطالة حتى وإن توصلت بغداد وواشنطن إلى اتفاق بشأن إبقاء قوات أميركية لتدريب نظيرتها العراقية، إذ إن أعداد هؤلاء المدربين قد تكون أقل بكثير من العدد الحالي للجنود البالغ نحو 47 ألفا.

ويقول إسماعيل الذي يعمل مترجما لجنود أميركيين «أشعر بالقلق على أمني الشخصي، وعلى عائلتي، لأنني لا أعرف ماذا سيحل بنا بعد رحيل الأميركيين». ويضيف إسماعيل، وهو آشوري، لوكالة الصحافة الفرنسية أنه يدرك جيدا مخاطر العمل مع القوات الأميركية في العراق. وكان إسماعيل يعمل في غسل الملابس في قاعدة أميركية في بغداد عام 2006، إلى أن أبلغه أشخاص من المنطقة نفسها التي ينتشر فيها عناصر من «جيش المهدي» الذراع المسلحة لتيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، بحسب قوله، أن عليه هو وزملائه العراقيين أن يوقفوا عملهم مع الأميركيين. وبالفعل غادر إسماعيل بغداد، وتوجه مع 6 من أفراد أسرته إلى إقليم كردستان الذي يتمتع باستقرار أمني وحكم شبه ذاتي. ويقول «بعد أسبوع، قتلوا الأشخاص الخمسة الذين كانوا يعملون معي، قتلوهم جميعا. قلت لهم أن يغادروا، إلا أنهم لم ينصتوا لي».

وعمل إسماعيل، وهو أب لطفلة، بعد ذلك مترجما للجيش الأميركي بهدف إعانة عائلته ماديا واكتساب خبرة إضافية في هذا المجال، علما أنه يمارس هذه المهنة منذ ثلاث سنوات. وتعرض إسماعيل للتهديد مجددا خارج قاعدة في الموصل عام 2010 من قبل مجموعة رجال قال إنهم أبلغوه رسالة تقول «إذا رأيناك المرة المقبلة في هذا المكان، سنقتلك». وكان إسماعيل أجرى قبل ثلاثة أشهر مقابلة من أجل الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. وقال «نأمل الحصول على التأشيرات قبل مغادرة الأميركيين».

وبإمكان العراقيين الذين عملوا لدى القوات الأميركية لأكثر من عام التقدم بطلب الحصول على «تأشيرة هجرة خاصة»، فيما أن أولئك الذين عملوا لأقل من عام يحصلون على وضع لاجئ، الأمر الذي يمكن أن يعجل بإرسالهم إلى الولايات المتحدة. ويستطيع المعنيون في كلتا الحالتين اصطحاب عائلاتهم معهم. ورغم ذلك، يرفض بعض العراقيين فكرة مغادرة العراق.

ويقول جون (30 عاما) الذي يعمل مترجما في مركز الغزلاني للتدريب الحربي جنوب الموصل، إنه كان قلقا على أمنه الشخصي، وإنه مارس الترجمة من أجل الحصول على تأشيرة تخوله المغادرة إلى الولايات المتحدة، إلا أنه عاد وتخلى عن الفكرة. ويوضح جون وهو أب لطفلين فيما زوجته حامل بطفل ثالث أن «والدي دفعني نحو أن أغير رأيي. أخي لا يستطيع تولي الأمور بنفسه هنا، ووالدي يعاني من أمراض عدة». ويعتبر جون أنه بات «معلقا»، مضيفا أنه يود أن يأخذ والديه معه إلى الولايات المتحدة، إلا أنهما لا يتكلمان الإنجليزية، ويرفضان مغادرة العراق، رغم ما يحمله البقاء من مخاطر.

وبدأ جون العمل مع القوات الأميركية عام 2003، بُعيد سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين. وتعرض لتهديدات عام 2004 من قبل متمردين وضعوا اسمه وصورته في مسجد قرب منزله، مطالبين إياه بترك عمله.

وترك بعد ذلك مدينته التي رفض ذكرها اسمها لأن والديه ما زالا يقطنان فيها، وتوجه إلى إقليم كردستان، وتوقف عن الترجمة لنحو تسعة أشهر، قبل أن يعاود العمل مع الأميركيين بسبب صعوبة العثور على عمل في الإقليم. ويقول «لا أدري كيف وصلت إلى هنا، لكنني ما زلت على قيد الحياة. لقد مررت بالكثير من الظروف الصعبة، إلا أنني لم أتعرض لأي إصابة».

ويبحث مترجمون آخرون عن أقرب فرصة للخروج من العراق، وبينهم والاس الذي رفض أيضا الكشف عن اسمه الحقيقي. وحتى في مركز الغزلاني للتدريب الحربي، يضع والاس الذي ينتمي إلى الأقلية اليزيدية، قناعا يغطي نصف وجهه الأسفل، تعلوه نظارة شمسية وقبعة، في محاولة لإخفاء ملامحه.

ويوضح والاس الذي يعمل مترجما لدى الأميركيين في شمال العراق منذ عام 2008 «أشعر بتوتر كبير في الوقت الحالي لأن الأميركيين سيغادرون قريبا». ويقول إنه قرر العمل مع القوات الأميركية بسبب حاجته إلى المال لإعانة عائلته وأخته المريضة. وذكر أن سائق أجرة قال له مرة في كركوك (240 كلم شمال بغداد) بعدما رآه يخرج من قاعدة أميركية إن «مالك حرام. لا يجدر بك العمل معهم».

واعتبر والاس، الذي أجرى منذ خمسة أشهر مقابلة للحصول على تأشيرة مغادرة إلى الولايات المتحدة، أن هذا الحادث يمثل «تهديدا» بالنسبة إليه. وقال «عندما أحصل على التأشيرة، سأذهب إلى الولايات المتحدة ولن أعود مجددا أبدا، نحن لا نستطيع العيش هنا». وتابع «لا شك أبدا في أن المترجمين سيقتلون إذا تركنا الأميركيون».