مؤسس «الإسلام الأميركي» يناضل لوقف الحملات ضده

قام بحملة لوقف استيراد الأئمة من الخارج ووضع الإسلام في الإطار الأميركي

إقبال أونوس في مكتبة المعهد الدولي للفكر الإسلامي في شمال فرجينيا (واشنطن بوست)
TT

أرجأ إقبال أونوس موعد بدء اللقاء المفتوح الذي يعقده لمدة ساعة واحدة، أملا في ظهور الكثير من المرشحين ليستمعوا إلى أول برنامج تدريبي معتمد لرجال الدين المسلمين. لكن بحلول السابعة والنصف مساء لم يحضر سوى ثلاثة أشخاص جدد كانوا يتناولون أطباق الدجاج والأرز التي يتم تقديمها في مكتبة المعهد الدولي للفكر الإسلامي في شمال فرجينيا.

وإذا ما كان الإحباط قد نال من عزيمة أونوس، 67 عاما، فهو لم يبد ذلك على الإطلاق. بل قام عوضا عن ذلك بإطلاق حملته لوقف استيراد الأئمة من الخارج واستبدالهم بأئمة تلقوا التدريب داخل الولايات المتحدة.

وقال: «يجب أن نكون قادرين على أن نضع الإسلام داخل إطار أميركي».

ورغم نبل هذا الشعور، فإنه لا يلقى قبولا من جانب جميع الأميركيين.

لقد قضى أونوس 40 عاما في بناء أشهر المنظمات المسلمة في البلاد، لكن العقد الماضي أظهر مدى عدم استقرار العلاقة بين الفكر الذي ينتهجه وبلاده. ويتجلى هذا التوتر داخل مكتبة المنظمة الفكرية التي يعمل بها ومقرها في هيرندون.

منذ أكثر من تسع سنوات ماضية، عكف عملاء فيدراليون على البحث عن أدلة على توجيه تمويل إرهابي إلى أونوس، مدير إدارة المعهد، وزملائه داخل هذه المكتبة الكبيرة، حيث تم إجبارهم على البقاء هناك لمدة ساعات في الوقت الذي كانت فيه أجهزة الكومبيوتر وصناديق المستندات تنقل خارج المكتبة.

في الوقت نفسه تقريبا، قام 14 عميلا وضابط شرطة باقتحام الباب الأمامي لمنزل أونوس وقاموا بتقييد زوجته وابنته، مما أدى إلى قيام عائلة أونوس برفع دعوى حقوق مدنية أمام المحكمة العليا إلا أنها باءت بالفشل.

ولم يتم توجيه أي اتهام من قبل إلى أونوس أو إلى أي زعماء مؤسسة أخرى في محاولة من الحكومة لاستقصاء شبكة من المؤسسات الخيرية المسلمة والأعمال والمنظمات في هيرندون. لكنهم لم تبرأ ساحتهم من هذا الاتهام بصورة رسمية.

وبذلك وجد أونوس نفسه منذ ذلك الحين في دوامة مؤلمة، وهو وضع يتعرض له الكثير من المسلمين الذين خضعوا للمراقبة وعدم الثقة في السنوات التي تلت الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها أميركا في 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

ويرى المتعاطفون مع أونوس أنه العضو المؤسس للإسلام الأميركي الذي تم سحق حقوقه وسمعته تحت أقدام المحققين المغالين في حماسهم. في المقابل، لم يتوقف آخرون عن التشكيك في ولائه ودوافعه وكذلك ولاء ودوافع المنظمات التي يرأسها.

ويرجع تاريخ الجمعيات التي جعلت من أونوس موضع شك إلى أربعة عقود مضت، في الأيام التي كان فيها طالبا في معهد «جورجيا تك» في أتلانتا.

بعد وصوله من باكستان عام 1970 لدراسة الفيزياء، ساعد في تأسيس اثنتين من أكبر الجماعات المسلمة في البلاد وهما «اتحاد الطلاب المسلمين» و«الجمعية الإسلامية في أميركا الشمالية».

وهناك جدل متصل بهاتين الجماعتين منذ بداياتهما. وظن كثيرون أن هذه المنظمات، التي تتولى المملكة العربية السعودية تمويلها، على علاقة بـ«الإخوان المسلمين»، وهي جماعة إسلامية قامت في السبعينات من القرن الماضي بالتركيز على تحرير المسلمين من النفوذ الغربي.

وأدان بعض زعماء جمعية الطلاب مثل جمال بارزينجي، رئيس فريق البحث الذي يعمل أونوس معه، قادة المسلمين وذلك لسعيهم إلى الرؤية العالمية الغربية التي «تنكر تماما أن الوحي هو أساس الإرشاد والمعرفة». وقال هو وآخرون إن الإسلام بحاجة إلى وضع اقتصاديات حديثة خاصة به بالإضافة إلى علم النفس والفنون.

وقد تأسس المعهد عام 1981 بتكلفة بلغت 8 ملايين دولار تكفلت بها أسرة سعودية ليكون الدعامة الفكرية للحركة. ولدى سؤالهم عن أهدافهم في هذا الوقت، أجاب أونوس بأنهم كانوا يحاولون اكتشاف سبب تغلغل الفقر في المجتمع المسلم، و«لماذا يواجه المسلمون مشكلات في المساهمة في بناء الثقافة المعاصرة».

لكن البعض يعتقد أن الوصف مضلل، ويقولون إن كلمات بارزينجي والآخرين تتعارض مع الديمقراطية الغربية.

من جانبه، أعلن زهدي جاسر، الذي أنشأ مؤخرا المنتدى الإسلامي الأميركي للديمقراطية، في محاولة لتحدي آيديولوجية الجماعات المسلمة الأكثر نفوذا في أميركا، رفضه نشاطاتهم التي تشتمل على التعاون بين ديانات مختلفة وتصريحاتهم المؤيدة للديمقراطية ووصفها بأنها «مصارعة فكرية». وقال إن هذه الجماعات لا تعترف بالتناقضات بين تفسيراتهم الإسلامية للقرآن الكريم وفكرة منح المرأة وغير المسلمين حقوقا مكافئة للرجال المسلمين.

وقال جاسر، طبيب مسلم قام محافظون باعتناق آرائه، إن «المحرك هو الإسلام وليس أميركا».

وقال ستيفن إميرسون، أحد النقاد البارزين للمنظمات المسلمة الكبرى في أميركا، إن الهدف الحقيقي للمعهد هو تخريب المؤسسات الأميركية.

وأشار إلى الروابط التي تجمع بين المعهد والراديكاليين المسلمين، من بينهم عبد الرحمن العمودي، الذي عمل مستشارا لوزارة الخارجية من قبل واعترف بالتآمر مع ليبيا لاغتيال حاكم المملكة العربية السعودية وسامي الريان، أستاذ سابق بجامعة جنوب فلوريدا واعترف بمساعدة منظمة إرهابية.

وقد أنكر أونوس، الذي حصل على الجنسية الأميركية قبل 30 عاما، تورطه هو أو المنظمات التي انضم إليها في دعم للإرهابيين أو المتطرفين بأي شكل من الأشكال.

واعترف بأن بعضا من اللغة التي استخدمتها القيادات المسلمة المهاجرة في البداية عكست «رؤية عالمية شديدة العزلة، وهي لغة لم تكن ملائمة في بيئة متعددة الثقافات وتتسم بالتعددية». إلا أنه أوضح أن هذا نجم عن السذاجة والحماس لنشر قيم أدركوا في نهاية الأمر أنها لا تقتصر على الإسلام فقط.

ونفى وجود خطة لتدمير المؤسسات الأميركية، أو رغبة منظمات المسلمين الأميركيين في أسلمة الدولة.

وأضاف: «لا أعتقد أن أي قائد مسلم يحدوه أملا ما في أن تكون الولايات المتحدة أي شيء سوى نظام ديمقراطي». كما أشار إلى أن المسلمين في بقاع أخرى من العالم يأملون في تبني الديمقراطية الأميركية، و«لهذا ظهر ما يسمى بالربيع العربي». ولا يبدو أونوس مطلقا نموذجا مناسبا للتعرف من خلاله على أهداف الإسلام الأميركي، فهو رجل نحيل الجسم واسع المعرفة ذو صوت رخيم ولحية كثيفة رمادية اللون يرتدي ملابس مصممة ويقود سيارة من طراز «بويك». ويصافح النساء، وهو ما يعد محرما في نظر الكثير من المسلمين المحافظين، لأن هذا ما يفعله الناس هنا.

وقال جون فول، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة جورج تاون الذي يعرف أونوس منذ سنوات «إنه أميركي أكثر من أي شيء آخر». في الحقيقة لم يعد أونوس إلى باكستان قط منذ قدومه للولايات المتحدة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»