مواطن أفغاني يستعيد ذكرياته في «السجن المظلم» الأميركي

مكبرات صوت تعمل 24 ساعة يوميا وحرمان من النوم

TT

كان الضرب والحرمان من الطعام والنوم والصدمات الثقافية جزءا من الروتين اليومي لخيرات بهير خلال ستة أعوام قضاها في مراكز الاعتقال الأميركية في أفغانستان. لكن أسوأ ما تعرض له الرجل كان في «السجن المظلم» وهو سجن أميركي يعتقد أنه يقع في مطار كابل. كان السجن هذا مظلما تماما طوال الوقت حيث يستخدم الحراس المصابيح لتلمس طريقهم.

كان النزلاء يبقون عراة ومقيدين إلى الجدران معظم الأوقات حيث لا يتم حل وثاقهم سوى لتناول الوجبة الوحيدة التي تقدم لهم يوميا والتي يقول الرجل إنها «لم تكن تكفي لإطعام دجاجة». و«كان يصرف لكل نزيل دلو لقضاء حاجته فيه». يقول بهير: «كانت الغرفة مزودة بـ3 مكبرات للصوت تعمل 24 ساعة يوميا، السجن كله كان عبارة عن مكبر للصوت.. موسيقى مروعة. موسيقى مزعجة. كانت مرتفعة الصوت جدا إلى حد يجعل المرء غير قادر على سماع أي شيء. هذا ولا يسمح لك بأن تغفو عينك ولو لدقيقة واحدة».

إلا أن «السلطات كانت تقوم بوقف تلك الموسيقى لخمس دقائق لتغييرها حتى لا يعتاد النزلاء عليها بينما كان الحراس يرتدون واقيات سمع».

بهير كان يعمل ممثلا لجماعة الحزب الإسلامي عندما اعتقلته أجهزة المخابرات الأميركية والباكستانية خلال مداهمة لمكان إقامته في إسلام آباد في منتصف ليل أحد أيام عام 2002.

في ذاك الوقت كان الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، والد زوجة بهير وأحد أبرز قادة الجهاد ضد الاتحاد السوفياتي السابق، قد شرع لتوه في مقاومة قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) وكان سيوقع خسائر بشرية كبيرة في صفوفه خلال السنوات التالية.

لكن قبل إطلاق سراحه في 29 مايو (أيار) 2008 الذي جاء وفق ما رجحته بعض التقارير الإعلامية بعد التوصل لاتفاق أرادت حكومة كابل بمقتضاه أن تبدأ اتصالات مع الجماعة، ظل بهير معتقلا في سجن قاعدة باغرام الجوية بالقرب من كابل لمدة أربع سنوات. وقضى بهير بقية العامين اللذين قضاهما في السجن المظلم بمركز اعتقال آخر في مكان غير معلوم بوادي بنشير وسجن بول إي شارخي الشهير بالعاصمة الأفغانية دون محاكمة حيث لم يتم توجيه أي اتهام له.

يقول بهير: «فقدت 40 كيلوغراما من وزني وكنت في حالة وهن شديد حتى أنني لم أكن أستطيع رفع يديّ للصلاة». وفي سجن باغرام، كان 18 شخصا يقيمون في زنزانة واحدة ولم يكن يسمح لهم بالتحدث لبعضهما البعض لشهور.

يقول بهير: «كان يتم عدهم كل ساعتين.. وكان على الـ17 أو الـ18 شخصا جميعا أن يظلوا واقفين وكان هذا يعني أن أحدا منهم لا يمكنه أن ينام أو حتى تغفو عينه هناك».

لكن كان في الجعبة المزيد من الإذلال لنزلاء السجن. فقد كانوا يجبرون على الاستحمام أمام بعضهم البعض وهو أمر يعد مهينا للغاية في المجتمعات الإسلامية. وأضاف بهير: «لقد كان تعذيبا ثقافيا.. الحمام هناك كان مفتوحا ولم يكن أمامنا خيار سوى أن نجلس أمام 17 نزيلا آخر والحارسات كن يراقبننا».

هذا أدى إلى اندلاع أعمال شغب في باغرام حيث قام النزلاء الذين احتدم غضبهم بقذف الحراس بأكياس الغائط والبول. وفي النهاية تم تخفيف نظام المساجين ومنحهم المزيد من الحريات الدينية. وعبرت جماعات حقوق الإنسان مرارا عن قلقها حيال مختلف مراكز الاعتقال الأميركية حول العالم بسبب الانتهاكات الشديدة لحقوق الإنسان بحق آلاف الأشخاص الذين اعتقلوا خلال عمليات مكافحة الإرهاب.

ومنذ الإفراج عنه الذي تبعه إقامة حفل عشاء على شرفه مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي و400 ضيف بالقصر الرئاسي، لعب بهير دورا حيويا في المباحثات المبدئية بين الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية.

كما تلقى دعوة لزيارة ألمانيا لإجراء محادثات مع الناتو عام 2009 لكن الاجتماع ألغي بعد قيام الحزب الإسلامي بأسر بعض الجنود الفرنسيين.

يقول بهير: «إنه لخبر سار أن يخلص الأميركيون إلى نتيجة مفادها أنه ليس بإمكانهم التماس سبيلهم (بمفردهم) وأن عليهم التحاور مع الأطراف المعنية»، مضيفا أنه يعتقد أن الولايات المتحدة ما زالت تحاول استخدام الوسائل العسكرية لتكون لها اليد العليا في المحادثات المستقبلية «لكنهم مخطئون». وبدا الرجل وهو أب لاثنين من الأبناء وخمس بنات بصحة جيدة بينما كان يتحدث في بيت ضخم كائن في أحد الأحياء الراقية بمدينة إسلام آباد حيث يعيش حاليا ويتذكر تلك السنين الست التي لا تزال تؤرقه. يقول بهير: «الطريقة التي عوملت بها كانت غير إنسانية وهمجية». وسكت للحظة ثم أردف قائلا «في بعض الأحيان تجول بخاطري مشاعر الانتقام الصعبة تلك لكنني أكبح جماحها، حيث إن الكراهية لا يمكن أن تحل المشكلات». واختتم حديثه قائلا «إننا نعيش كأسرة واحدة في العالم. وليس بالأمر الحسن أن يعادي بعضنا بعضا».