مجلس حقوق الإنسان يشكل لجنة دولية للتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان بسوريا

روسيا والصين تعارضان القرار وتحذران من تعقيد الأمور.. والمندوب السوري: دوافعه سياسية

صورتان مأخوذتان من موقع «أوغاريت» الاولي لأهالي حرستا يتوعدون باستمرار الخروج في مظاهرات والاخرى لدبابات الجيش السوري تتوجه من دير الزور إلى البوكمال القريبة من الحدود مع العراق
TT

شكّل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة دولية للتحقيق في حملة القمع التي تشنها سوريا على المحتجين المناهضين للحكومة، بما في ذلك ارتكاب جرائم محتملة ضد الإنسانية رغم اعتراضات دول بينها روسيا والصين وكوبا. وأدان المجلس ما سماه «انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة والمنهجية المستمرة من جانب السلطات السورية مثل الإعدام التعسفي والاستخدام المفرط للقوة والقتل واضطهاد المحتجين والمدافعين عن حقوق الإنسان». وأبدى المجلس رغبته في وضع نظام دمشق أمام مسؤولياته من خلال قراره إرسال لجنة التحقيق «بشكل عاجل» إلى سوريا.

ووافق مجلس حقوق الإنسان المؤلف من 47 عضوا، غداة جلسة استثنائية، بغالبية 33 صوتا مقابل 4 أصوات ضد، بينما امتنع تسعة عن التصويت، على قرار يدين أيضا «بشدة، الانتهاكات المستمرة الخطيرة والمنهجية» لحقوق الإنسان في سوريا.

وكانت نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قالت أول من أمس إن أكثر من 2200 شخص قتلوا خلال الانتفاضة المستمرة منذ خمسة أشهر. ولدى افتتاح الجلسة الاثنين قالت مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان نافي بيلاي إن انتهاكات حقوق الإنسان «مستمرة حتى اليوم في سوريا»، مشيرة إلى سقوط 2200 قتيل منذ بدء الأزمة في مارس (آذار) الماضي، منهم 350 منذ بداية شهر رمضان. وأكدت أن «قوات الأمن تواصل استخدام القوة المفرطة وتستخدم المدفعية الثقيلة» ضد المتظاهرين. وكررت بيلاي أن «حجم وطبيعة هذه الأعمال يمكن أن ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية».

وقرر المجلس بحسب القرار «إرسال لجنة تحقيق مستقلة بشكل عاجل» إلى سوريا لـ«إجراء تحقيقات حول انتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا» خلال الأشهر الأخيرة، وتحديد الوقائع والظروف التي أدت إلى مثل هذه الانتهاكات»، و«كشف مرتكبيها للتأكد» من إمكانية محاسبتهم على أفعالهم. ويطلب القرار الذي اقترحته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية الأربع في المجلس - السعودية والأردن وقطر والكويت - من السلطات السورية «التعاون كليا مع لجنة التحقيق».

ومن المفترض أن ترفع هذه اللجنة تقريرها قبل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) وتنقل استنتاجاتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة والهيئات المختصة. وقال مندوب بولندا سيسازي لوسينسكي باسم الاتحاد الأوروبي: «إنه رد واضح جدا من المجلس على الانتهاكات الخطيرة والمنهجية الحالية في سوريا». واعتبر دبلوماسي أوروبي آخر أن التصويت «يؤكد الضغط الدولي المتزايد على سوريا بما في ذلك من جانب دول عربية». وقالت مندوبة الولايات المتحدة في المجلس إيلين دوناهوي إن التصويت يدل على أن «هناك توافقا متناميا في المجتمع الدولي على أن نظام (الرئيس بشار) الأسد فقد شرعيته في حكم الشعب السوري».

إلا أن نواة صغيرة من الدول الداعمة لسوريا بينها روسيا والصين، أسفت من جهتها لفشل المشاورات من أجل التوصل إلى توافق. وقال مندوب روسيا: «إن القرار ليس متوازنا ولا يأخذ في الاعتبار الخطوة الإيجابية التي اتخذتها الحكومة السورية لاستقرار البلاد ورغبتها في الحوار». واعتبر المندوب الصيني من ناحيته أن اعتماد المجلس لهذا القرار «لن يؤدي سوى إلى تعقيد الوضع».

وفي بكين انتقدت وزارة الخارجية الصينية أمس الضغوط الأجنبية التي تمارس على سوريا بعد مطالب من الولايات المتحدة وأوروبا للرئيس بشار الأسد بالتنحي، قائلة إن مستقبل البلاد يجب أن يتحدد داخليا. وقال ما تشاو شو المتحدث باسم الخارجية الصينية في موقع الوزارة على الإنترنت إن كل الجوانب في سوريا يجب أن تتحلى بأقصى درجات ضبط النفس وتتخلى عن العنف، وذلك في تصريحات تمثل تكرارا لموقف بكين المعتاد. وتابع: «سوريا هي التي يجب أن تحدد مستقبلها بنفسها». وأضاف: «خطوات المجتمع الدولي في هذا الصدد ينبغي أن تصب باتجاه الحث على تنفيذ وعود الحكومة السورية بالإصلاح وتشجيع كل الجوانب على المشاركة بشكل بناء في العملية السياسية للمساعدة على العودة مبكرا إلى الاستقرار».

من جهته قال مندوب سوريا لدى مجلس حقوق الإنسان فيصل خباز الحموي إن القرار «دوافعه سياسية 100 في المائة». وأضاف أن سوريا ستسمح بزيارة بعثة المفوضية العليا «عندما ينتهي التحقيق السوري المستقل».

وعلقت عضوية ليبيا في المجلس في وقت سابق هذا العام، ومن ثم ليس من حقها التصويت. وقالت لورا دوبوي لاسيري سفيرة أوروغواي التي ترأس المجلس بعد التصويت في اليوم الثاني والأخير من الدورة الخاصة التي عقدت بشأن سوريا إنه «تم تبني القرار». وبدأ المجلس التحقيق للوصول إلى الحقائق «وتحديد المسؤولين إن أمكن بهدف ضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات، ومنها ما قد يصل إلى حد جرائم ضد الإنسانية».

وكان مجلس حقوق الإنسان طالب سوريا أثناء جلسة عقدها في 29 أبريل (نيسان) الماضي بإجراء تحقيق في البلاد، الأمر الذي لم يحصل. وقد منعت بعثة خبراء شكلتها المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من دخول البلاد، إلا أنها تمكنت من التوجه إلى البلدان المجاورة، باستثناء لبنان، وجمعت شهادات من آلاف السوريين الذين هربوا من بلادهم. وفي تقريرها المؤلف من 22 صفحة، الذي نشر الخميس الماضي، أشارت البعثة إلى عمليات «تعذيب وممارسات أخرى مهينة ولا إنسانية قامت بها قوات الأمن والجيش بحق مدنيين»، يمكن أن «ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية»، وبالتالي قد تفتح الباب أمام اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية.