الأردن: تشكيل الحكومة البرلمانية مرهون بقوة الأحزاب وتأثيرها على الأرض

بعد أن أعلنت اللجنة الملكية اقتراحاتها بشأن مراجعة نصوص الدستور

TT

ما إن أعلنت «اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور» بالأردن عن مقترحاتها بهذا الشأن، حتى تعرضت لانتقادات لاذعة من قبل العديد من الفعاليات السياسية، لخلو مقترحاتها من نص حول تشكيل حكومات برلمانية، وهو ما يعتقد سياسيون أنه يحتاج إلى أحزاب قوية ذات برامج واضحة للفوز بأغلبية برلمانية في مجلس النواب. ولعل الحاجة إلى أحزاب من هذا القبيل هي ما يفسر دعوة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، القطاعات الشبابية في الأردن إلى البدء بتشكيل أحزاب سياسية جديدة، في أفق ضخ دماء جديدة في المشهد الحزبي الأردني، وتجاوز حالة التكلس التي تعيشها الأحزاب القائمة (18 حزبا)، وسبق له أن انتقدها لأنها لم تثبت وجودها حتى الآن، وليست لها قواعد شعبية واسعة على الساحة السياسية.

ويرى العاهل الأردني أن أي حزب جديد يحتاج إلى عامين أو ثلاثة أعوام ليأخذ مكانا له، ويكون قادرا على تحقيق مكاسب في الانتخابات النيابية وتنفيذ برامجها. ويعتقد مراقبون أن الأحزاب الأردنية انشغلت بنقد الحكومات والأنظمة ونسيت نفسها، والاهتمام بأدبياتها، لذلك تجد نفسها اليوم تعاني من عدم القدرة على تجديد دمائها لضعف برامجها وتكرار نفس الوجوه القيادية، التي باتت مملة لدى الكثيرين.

وينقسم المشهد الحزبي الأردني، إلى أربعة أطياف هي:

- التيار الإسلامي، الذي يمثله حزب «جبهة العمل الإسلامي»، أبرز أحزاب المعارضة الأردنية، الذي يستند إلى تراث حزبي لجماعة الإخوان المسلمين. تُضاف إلى هذا التيار قوى إسلامية أخرى مثل حركة «دعاء» وغيرها.

- التيار اليساري، وتمثله عدة أحزاب منها حزب الوحدة الشعبية، والحزب الشيوعي الأردني (حشد)، والحزب الديمقراطي الأردني وغيرها.

- تيار الوسط، وتمثله أحزاب الاتحاد الوطني والعهد والمستقبل وغيرها.

- التيار القومي الذي تمثله أحزاب البعث بشقيه، العربي الاشتراكي والديمقراطي الأردني، والحزب العربي.

ورغم تقارب توجهات مكونات هذه المنظومة السياسية، فإن اندماجها يبقى أمرا مستحيلا، فلكل منها أهدافه الخاصة، وقائد رمز لا يتنازل عنه، إلى درجة أصبحت تتخوف معها بعض القيادات من مجرد الحديث عن فكرة الاندماج، فبالأحرى يمكن إرساء آليات لتفعليها قصد تشكيل تكتلات قوية قادرة على تشكيل حكومة برلمانية.

وفي هذا الإطار، يقول رئيس حزب الاتحاد الوطني (حديث العهد) محمد الخشمان، إن بعضا من هذه الاعتبارات هي التي شجعته على تأسيس حزبه، إضافة إلى الوضع الاقتصادي السيئ وانعكاسه على الوضع الاجتماعي، وحتى لا تستغل ذلك بعض الحركات السياسية التي لها أجندات خاصة ومرتبطة بالخارج، خاصة في خضم الربيع العربي وما حصل في تونس ومصر ودول عربية أخرى.

ويضيف أنه من هنا جاءت اجتماعاته بالفعاليات الشعبية في مختلف المناطق لتشكيل حزب أردني لترسيخ الوحدة الوطنية والعمل على إعادة روح التعاون والتكافل بين أبناء الوطن بدلا من الفرقة والتشرذم. ويوضح أن حزب الاتحاد الوطني وضع أولوياته الإصلاحية السياسية والاقتصادية كي تكون متناغمة مع رؤية الملك عبد الله الثاني الإصلاحية، حيث كان قد أكد في أكثر من مناسبة على ضرورة إيلاء الأحزاب عناية خاصة للشأن الاقتصادي والاجتماعي، وأن ترتبط بشراكات مجتمعية لتحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي مع القطاعين الخاص والعام للانتقال بالمجتمع تدريجيا إلى الإنتاجية بدلا من الاعتماد على الدعم المباشر وغير المباشر. ويعترف الخشمان بأنه فوجئ بالأوضاع التي يعيشها بعض المواطنين نتيجة ممارسات خاطئة من الحكومات السابقة في معالجة مشكلة المياه والبطالة وإيجاد فرص عمل وإقامة المشاريع التي تنطوي على قيمة مضافة من ناحية العمالة. وقال إن المواطن لديه «عزوف عن الانخراط في الأحزاب نتيجة التجارب السابقة التي فشلت في تحسس مطالبه، ولكن رغم قتامة الصورة فإننا استطعنا ضم أكثر من ثلاثة آلاف عضو في وقت وجيز ونسعى كي نكون في الصدارة ومنافسة حزب جبهة العمل الإسلامي».

ويرى الخشمان أن المطلوب هو الإسراع في توفير البيئة المناسبة للبدء بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية الوطنية وتحريك سوق رأس المال والعمل يدا بيد للخروج من الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الأردن.

ويؤكد الخشمان أن الإسراع في إجراء انتخابات نيابية مبكرة خلال العام القادم يتيح تفعيل الديمقراطية البناءة من خلال إعطاء الأحزاب دورا أكبر في المشاركة.

من جهته، رد فايز الطراونة، عضو لجنة التعديلات على الدستور، على مطالب الإسلاميين بتشكيل حكومة برلمانية بقوله إن تشكيل الحكومة من الأغلبية البرلمانية لا يحتاج إلى تعديل الدستور، فبعد أن تنضج الحياة الحزبية وتكون قادرة على دخول مجلس النواب وتمثيل المواطنين، يصبح ذلك ممكنا، فالدستور يحتم على الرئيس المكلف تقديم بيانه الحكومي الذي سينال الثقة من مجلس النواب على أساسه، وإذا لم يمنحه مجلس النواب الثقة فإن الرئيس المكلف يستقيل. وبالتالي فلا بد أن تكون هناك أغلبية برلمانية، يستطيع الملك أن يتوجه إليها ليختار رئيس الحكومة، وإلا فالحكومة لا تستطيع أن تنال الثقة.

وأضاف الطراونة أنه لدى بحث اللجنة في هذه النقطة، «رأينا أننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، وإن كنا نتمنى ذلك، ونحن في هذه المرحلة ننتظر إقرار قانون الأحزاب الذي توافقت عليه لجنة الحوار الوطني، والمنتظر أن يعرض على مجلس الأمة، ومن هناك قد نؤسس لحياة حزبية ناضجة، رغم أن النضج الحزبي لا يأتي من التشريع بل من البرامج التي يقبل المواطن على اختيارها واختيار من يتبناها».