القوى السياسية المصرية تستعد لمليونية طرد السفير الإسرائيلي

تل أبيب عرضت إجراء تحقيق مشترك.. ومراقبون يصفون الإجراءات الحكومية بـ«المرتبكة»

متظاهرون مصريون يهتفون ضد اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل في مظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة (إ.ب.أ)
TT

استمرارا لحالة التوتر في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب بعد مقتل جنود مصريين إثر تعرضهم لنيران مروحية إسرائيلية داخل الحدود المصرية قبل أسبوع، استعدت قوى سياسية مصرية لتنظيم مظاهرة «مليونية» اليوم للضغط على الحكومة من أجل «طرد» السفير الإسرائيلي من القاهرة، بينما عرضت إسرائيل أمس إجراء تحقيق مشترك في الحادث مع مصر، في الوقت الذي أظهر فيه الشارع الإسرائيلي تخوفه من مغبة الضغط الشعبي المصري على حكومته، والذي قد يسفر عن تغيير في سياسات المنطقة بأسرها.

ونقل بيان لمكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن مستشاره للأمن القومي ياكوف أميدرور قوله: «إن إسرائيل مستعدة لإجراء تحقيق مشترك مع المصريين في الحادث الصعب».

وأضاف أميدرور أن شروط إجراء مثل هذا التحقيق سيحددها الجيش في كلا الجانبين، بحسب وكالة «رويترز».. وهو ما يعد عرضا أفضل من الذي قدمه وزير الدفاع إيهود باراك حين تعهد في وقت سابق بإجراء تحقيق (إسرائيلي) وعرض نتائجه على مصر.

وبدوره أعرب مبعوث الأمم المتحدة في الشرق الأوسط روبرت سيري في بيان له عن قلقه العميق من تداعيات الموقف، ودعا جميع الأطراف إلى اتخاذ خطوات على الفور لمنع أي تصعيد.

إلا أن القوى السياسية المصرية - التي ترى أن رد القاهرة الرسمي على الواقعة «أضعف من المقنع» بالنسبة إلى رجل الشارع - لا تزال تطالب بتصعيد الموقف، وذلك عبر سعيها لتنظيم «مليونية» اليوم من أجل الضغط على الحكومة لطرد سفير تل أبيب لدى القاهرة.. وهو ما تلقته وسائل الإعلام العبرية بإشارتها إلى وجود مخاوف لدى الشارع الإسرائيلي من نجاح تلك الدعوة التصعيدية، واستجابة دوائر الحكم المصرية لها، بحسب ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».

ومن جانبها، واصلت حكومة الدكتور عصام شرف سلسلة إجراءات وصفها مراقبون بالـ«مرتبكة»، وعقد الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء اجتماعا أمس، مع رؤساء الأحزاب وممثلي القوى السياسية، لمناقشة الأحداث الأخيرة على أرض سيناء. إلا أن المؤشرات الأولية حول الاجتماع، الذي عقد عصر أمس، أشارت إلى أن السلمي لم يكن راغبا في إصدار موقف موحد للقوى السياسية تجاه إسرائيل، بقدر ما كان راغبا في عرض الطريقة التي تعاطت بها الحكومة المصرية مع الأزمة وحساسية الموقف الذي وضعت فيه مصر.

وكان الدكتور عصام شرف قد وجه دعوة إلى مؤتمر موسع لكل القوى السياسية المصرية للاجتماع بمقر البرلمان المصري، لإعلان الموقف الرسمي للحكومة، وموقف القوى السياسية الشعبية للرد على الاعتداء الإسرائيلي. لكن محمد حجازي المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الدكتور شرف لم يتمكن من حضور المؤتمر لانشغاله باجتماع مجلس المحافظين»، لافتا إلى أن السلمي تولى إدارة المؤتمر.

ورحب مراقبون باختيار السلمي، الذي يتولى منصب نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديمقراطي، من أجل عقد الاجتماع قائلين إن السلمي يرسل عبر هذا الاختيار رسالة لإسرائيل مفادها أنها تتعامل منذ الآن مع الشعب المصري.

وظل تطبيع العلاقات الرسمية بين القاهرة وتل أبيب، منفصلا عن الموقف الشعبي الذي ظل باردا تجاه بلد خاض ثلاث حروب مع مصر منذ عام 1956، قبل توقيع البلدين اتفاقية سلام في عام 1979 في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأميركية.

وفي أعقاب ثورة 25 يناير بدا تنوع الطيف السياسي داخل حكومة شرف وجهازه الإداري سببا لمفارقات في التوجه الرسمي للدولة من الأزمة.. وفي حين أقام محافظ الشرقية عزازي علي عزازي، وهو من الناصريين القوميين وعضو مؤسس في حزب الكرامة، حفل تكريم لشاب مصري قام بإنزال العلم الإسرائيلي من فوق مقر السفارة الإسرائيلية وأحرقه وسط جمع من المتظاهرين، تحفظت الخارجية المصرية على إعلان موقف متشدد.

وكان شاب مصري يدعى محمد الشحات قام بتسلق البناية التي تضم مقر السفارة وأنزل العلم الإسرائيلي، ورفع العلم المصري بدلا منه. وظل العلم المصري يرفرف حتى صباح أمس فوق سفارة إسرائيل، قبل أن يتم إنزاله، دون أن يرفع العلم الإسرائيلي مرة أخرى.

وفي غضون ذلك، دعت قوى سياسية ونشطاء إلى تنظيم مظاهرة مليونية أمام مقر السفارة الإسرائيلية اليوم (الجمعة)، للمطالبة بطرد السفير الإسرائيلي، وسحب السفير المصري، في تحرك قد يؤجج التوتر بين القاهرة وتل أبيب، في أعقاب مقتل ثلاثة مصريين من قوات حرس الحدود بنيران أطلقتها عليهم طائرات حربية إسرائيلية.

وينتظر أن تتحرك مسيرات من ميدان التحرير، الذي أصبح رمزا للثورة المصرية، قاصدة مقر السفارة الإسرائيلية على كورنيش النيل بالجيزة، ثم تتوجه المسيرات بعد ذلك لمنزل السفير الإسرائيلي بضاحية المعادي بالقاهرة. لكن نشطاء شككوا في إمكانية أن تسمح السلطات في مصر بذلك.

وتوقع مراقبون عدم نجاح الدعوة لمليونية اليوم خاصة مع انشغال القوى الإسلامية بعبادات العشرة الأواخر من شهر رمضان، وقال الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين، أبرز القوى السياسية في مصر، لـ«الشرق الأوسط» إن «الجماعة تترك حرية المشاركة من عدمه لأعضائها، خاصة مع ظروف اعتكاف الكثيرين».

ولا يزال عشرات النشطاء يعتصمون أمام مقر سفارة إسرائيل منذ أسبوع، مرددين الهتافات المطالبة برحيل السفير، وسط دعوات للاعتصام أمام منزله حتى إجباره على مغادرة مصر.

ورغم السعي الدبلوماسي الإسرائيلي الأميركي المحموم لاحتواء الأزمة بين القاهرة وتل أبيب، يبدو موقف الحكومة المصرية مرتبكا تجاه موقفها من الأزمة. وترغب حكومة شرف التي تحمل لقب حكومة الثورة في المحافظة على تواصلها مع الشارع المصري الساخط على قتل جنوده، دون أن تدفع الموقف لمزيد من التصعيد، وهي المعادلة التي رأى مراقبون أنها فشلت في تحقيقها حتى الآن، رغم إعلان الجانب الإسرائيلي استجابته للطلب المصري والاعتذار عن الحادث.

وكان الغموض قد اكتنف الموقف المصري بشأن إن كانت حكومة شرف قد تراجعت عن قرار بسحب السفير المصري من تل أبيب، أم أنها لم تصدر القرار من الأصل. فبعد أن عمم مجلس الوزراء بيانا تضمن قرارا بسحب السفير المصري، قالت مصادر داخل مجلس الوزراء إن ذلك البيان كان مسودة قرار، وخرج عن طريق الخطأ.

وخلا بيان أدلى به أسامة هيكل وزير الإعلام عقب اجتماع لجنة وزراية لمتابعة الأزمة على الحدود الشرقية من الإشارة لاستدعاء السفير المصري، لكن مجلس الوزراء تجاهل التعليق على الأمر.

وأثارت الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، قلق إسرائيل التي اعتبرت مبارك من أهم حلفائها في المنطقة. وفي انتظار انتقال السلطة في البلاد لمدنيين، لا تبدو القيادات العسكرية في مصر متحمسة بشكل كاف لاتخاذ قرارات متشددة تجاه إسرائيل.