الأحزاب المصرية الجديدة تبحث عن دور بعد الثورة

أصبحت تخمة سياسية والبعض يتخوف من تحولها لنماذج كرتونية

TT

تخمة حزبية باتت تثقل كاهل الشارع السياسي في مصر، الذي أصبح يتناوب على مسامعه أسماء عشرات الأحزاب المشهرة رسميا، بعضها لا يفصله عن الآخر، سوى تعديل طفيف في الاسم، أو مصادفة في الرؤية والأهداف.

لكن هذه الأحزاب التي خرج عدد كبير منها من عباءة الثورة المصرية، محلقة بآمال وأحلام المصريين إلى السماء، دخل معظمها في نفق المجهول، خاصة قبل أسابيع قليلة من الإعلان المرتقب عن موعد أول انتخابات برلمانية بعد هذه الثورة، فالبعض يعتبر الأحزاب مجرد أسماء أو مجموعة من الخدمات وقد لا يكترثون بمعرفة برامجها أو توجهاتها، وهذه الصورة لدى البعض لا تختلف كثيرا عما كانت عليه الأمور في ما يتعلق بالـ24 حزبا سياسيا الموجودة إبان حكم مبارك، ولم يكن لها دور حقيقي في الحياة السياسية آنذاك. لكن بعد أكثر من 6 أشهر من قيام الثورة، وتعاظم أمنيات الكثير من المصريين في تغيير الأوضاع، تبدو الساحة الحزبية والسياسية أكثر غموضا وأكثر اتساعا أيضا، حيث نجد فيها هذه المرة أكثر من مائة حزب سياسي، ما بين أحزاب تحت التأسيس وأخرى معلنة، هذا الاتساع قد تكون له إيجابيات عدة كالتخلص من تحكم فئات بعينها في سير الحياة السياسية في مصر، إلا أنه من ناحية أخرى يوقع المواطن المصري العادي، الذي سيقف هذه المرة أمام صندوق الانتخاب ليقترع بنظم جديدة لم يعتد عليها من قبل، في التباس شديد وما يزيد التباس هذا المواطن الصعوبة البالغة في التمييز بين هذا العدد الضخم من الأحزاب السياسية التي ظهرت في وقت قصير للغاية، مما جعل الكثيرين يختزلون هذه الأحزاب في أسماء معينة.

محمد سليم، موظف بالحكومة المصرية، قال: «لا أعرف ما الفرق بين الأحزاب القائمة والأحزاب تحت التأسيس، كل ما أعرفه من الأحزاب الموجودة حاليا في مصر، هي حزب (الإخوان) وحزب ساويرس (رجل الأعمال المصري الشهير)، وحزب السلفيين والفلول».. هذا ما يعتقده محمد عن القوى السياسية في مصر، أما طارق عبد اللطيف، بائع، قال: «الموجودون دلوقتي هما الإخوان والسلفيين، وهما اللي بيقدموا للناس خدمات». هكذا تبدو الأحزاب السياسية لدى البعض مجرد أسماء أو خدمات دون الاهتمام ببرامج أو توجهات أو أهداف أنشئت الأحزاب لتؤديها في خدمة المجتمع أو تبني آيديولوجية معينة أو ما تقدمه من أدوار سياسية وتنموية وأدوار في التجنيد والتعبئة. لكن المشكلة قد لا تكمن فقط في عدم معرفة أو معاناة بعض المواطنين في التعامل مع هذا الكم الهائل من الأحزاب السياسية بعد الثورة وصعوبة التعرف على أهدافها وبرامجها، لتصبح ما تقدمه من خدمات ومن تضمه في قائمتها من أسماء لامعة هو أبرز ما يعبر عنها، فالأحزاب نفسها تعاني مشكلات عدة، سواء تلك التي حصلت على الرخصة القانونية لمزاولة عملها، أو تلك التي لا تزال في طور التأسيس، فالأولى تعاني مشكلات التنازع على رئاستها، فضلا عن صعوبة الوصول ببرامجها وأهدافها للمواطنين في هذه الفترة القصيرة قبل الانتخابات المقبلة، حيث يتعين عليها المنافسة فيها مما يقلل من فرصها في شغل مقاعد في البرلمان المقبل، وما تبع ذلك من مطالبات بمد فترة ما قبل الانتخابات لإعطاء متسع من الوقت أمام هذه الأحزاب خاصة الأحزاب الجديدة التي لا تنتمي إلى التيار الديني أو تلك التي تستقطب رجال الأعمال في عضويتها، والأحزاب التي لا تزال تحت التأسيس كأحزاب «مصر الأم» و«التحالف المصري» و«شباب مصر الحر» و«حزب أهل مصر».. وغيرها، تعاني هي الأخرى صراعا مع قانون الأحزاب السياسية الجديد الذي نص على أن أي حزب سياسي جديد يجب أن ينتمي إليه ما لا يقل عن 5000 عضو من عشر محافظات مختلفة، وهو ما عدل بعدها لـ1000 عضو تخفيفا عن هذه الأحزاب. ويعاني البعض الآخر من هذه الأحزاب قلة التمويل حتى إنها طلبت من المجلس العسكري الحاكم مساعدتها في نشر الأعضاء المؤسسين للحزب ليتم الإعلان عنه رسميا.

ويقول الدكتور عبد الفتاح ماضي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية: «لا يمكن بناء ديمقراطية حقة في مصر بعد الثورة دون وجود أحزاب حقيقة تعمل وتؤدي أدوارها، وإذا كانت الأحزاب ستسير علي نفس درب الأحزاب قبل الثورة فطريق الديمقراطية قد يكون عسيرا»، مضيفا: «الأحزاب الكرتونية والورقية التي كانت في مصر قبل الثورة لا يجب أن توجد عند بناء الديمقراطية، لأنها ستكون معوقا أمام الديمقراطية».

يتابع ماضي: «لذا، يبدو أن الأحزاب هذه جميعا تتحمل مسؤولية مستقبل الديمقراطية في هذا البلد الذي ستبدأ أولى جولاتها بعد عدة أسابيع في انتخابات برلمانية تعتبر الأبرز، ليس فقط لأنها ستعمل على فرز هذه الأحزاب كافة من ناحية، ومن ناحية أخرى سترسم بشكل أو بآخر طريق الديمقراطية في مصر بعد الثورة، لتبقى الأحزاب بعد الثورة ما بين مشكلاتها الداخلية ومشكلاتها السياسية وبين مسؤولياتها في مستقبل الديمقراطية في مصر، وطريقها للوصول ببرامج وأهداف تكون عاملا في تدعيم مشاركة سياسية فعالة، بعيدا عن أسماء أو مجرد الاعتماد على ما تقدمه من خدمات لكسب أصوات المواطنين».