الإرادات السياسية وملفات الفساد تعيق تسليح القوات العراقية المسلحة

ضابط عراقي كبير سابق لـ «الشرق الأوسط» : إيران لها المصلحة الأولى في تدمير الجيش العراقي

TT

ربما تكون قصة الجيش العراقي هي القصة الأكثر إيلاما من بين قصص كثيرة مؤلمة حصلت عقب سقوط النظام السابق عام 2003، الذي فرح له العراقيون من منطلق رغبتهم في نيل الحرية والعدالة الاجتماعية، والاندماج مع العصر، دون أن يدور بخلدهم أن هناك أجندات سياسية تمثلت في انهيار الدولة بالكامل، من خلال حل الجيش. وفي حين وجد مئات آلاف الضباط والجنود أنفسهم في الشارع باحثين عن فرصة عمل، مهما كانت بسيطة، وحول من كان يملك منهم سيارة شخصية سيارته إلى سيارة أجرة، كانت مئات الطائرات وآلاف الدبابات تباع خردة أو تحرق أو تهرب إلى دول الجوار.

وفي موازاة ذلك كانت الدبابات والمدرعات الأميركية تسير متبخترة في أرقى أحياء بغداد، وأجمل شوارعها محطمة الأرصفة في عمل همجي مقصود، بخلاف الشعارات التي رفعتها الولايات المتحدة الأميركية لتحقيق الديمقراطية للعراق فضلا عن إعادة إعماره وبنائه من جديد. وحتى عندما تسلمت الطبقة السياسية الحالية زمام الأمور في البلاد بالتنسيق مع الأميركان، فإنها أبقت ملف الجيش مفتوحا بين الاجتثاث مرة، والمساءلة والعدالة مرة أخرى، في وقت بدأت فيه الميليشيات تتسرب إلى الجيش الجديد، على الرغم من وجود قرار خاص بحلها، وهو ما لم يحصل عمليا بل إن ما حصل هو ما سمي فيما بعد بـ«الدمج»، الأمر الذي أدى إلى أن تكون اللبنة الأولى للجيش العراقي الجديد ممثلة للقوى السياسية التي حاربت النظام السابق، والتي كانت في غالبيتها تملك أجنحة عسكرية، أكثر من كونه ممثلا لكل ألوان الشعب العراقي. وفي حين تعتبر قضية تدريبه إحدى القصص المرة، بسبب عدم وجود الإمكانيات والكفاءات الخاصة بذلك، بسبب الإبعاد والتهميش والإقصاء المقصودين، فإن قضية تسليحه هي الأكثر إيلاما وتعقيدا حتى اليوم. وبينما تشير المعلومات الرسمية، التي أعلنتها مصادر وزارة الدفاع، إلى أن عقود تسليح الجيش العراقي قد تصل إلى أكثر من 10 مليارات دولار، وتشمل أسلحة متطورة, فإن ما تلا ذلك من أحاديث ومعلومات وحقائق تتعلق بالفساد المالي والإداري، الذي شاب العقود المتعلقة بتسليح هذا الجيش لكي يتمكن من مواجهة اعتداءات دول الجوار، إنما يضع المزيد من علامات الاستفهام حول حقيقة ما يجري على هذا الصعيد، حتى بات السؤال الذي يحتاج إلى إجابة قاطعة هو هل الإرادة السياسية هي ما تحول دون بناء الجيش العراقي، أم ملفات الفساد المالي والإداري على عهد إداراته المختلفة منذ عام 2003 وحتى اليوم؟ القيادي في القائمة العراقية وعضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حامد المطلك، وهو ضابط سابق برتبة لواء، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن أول لواء تم تأسيسه عام 1921، وهو لواء موسى الكاظم، كان ممثلا لكل أبناء الشعب العراقي، لأنه بني على أساس الكفاءة والمهنية، حيث كان الجنود فيه متساوين في الحقوق والواجبات». وأضاف: «وبعد أن تم إصدار قانون التجنيد الإجباري، فإن الجيش بات يمثل كل محافظات العراق من شماله إلى جنوبه، دون استثناء أو تمييز على أي أساس من الأسس التي يجري الحديث عنها الآن، وهو ما جعل هذا الجيش يمثل عبر مراحل تاريخنا المعاصر كرامة العراق ومجده، لأنه لم يختص بمداهمة البيوت واعتقال المواطنين وما إلى ذلك من مهام الشرطة، وإنما كان يشارك في حروب فلسطين من 1948 وحتى 1973 وقبلها 67 وغيرها، وهو ما جعله جيشا مرهوب الجانب من كل العالم، وبالذات دول الجوار، حيث إن جيشا يمتلك مئات الطائرات المقاتلة الحديثة ونحو 4000 دبابة، فضلا عن قوة بحرية لا يستهان بها، وأسلحة متطورة على كل الأصعدة والصنوف، إنما هو جيش ليس بوسع أحد أن يتحرش به مثلما يحصل اليوم بكل أسف».

وأضاف: «بعض دول الجوار، وأخص بالذكر هنا إيران بالدرجة الأولى، كانت، وما زالت، لها المصلحة الأولى والأساسية في تدمير الجيش العراقي، بهدف إبقاء العراق ضعيفا، وهو ما نجحت فيه بسبب وجود طبقة سياسية لا تملك الإرادة الكافية لإعادة بناء جيش قوي، وتسليحه بما يتناسب مع قدراته»، مشيرا إلى أن «الحديث عن المدربين الأجانب وغيرهم إنما هو مسألة لا صحة لها، وإنما هي حجة فقط، لأن لدينا ضباطا وضباط صف خارج إطار موضوع المساءلة والعدالة، وهم كمدربين أفضل من المدربين الأجانب، ولكن لا أحد يريد أن يزج بهم لوجود إرادة سياسية تمنع ذلك بقوة».

من جهته، أكد عضو البرلمان العراقي والقيادي في التيار الصدري، عدي عواد، في تصريح مماثل لـ«الشرق الأوسط» أن «قضية تسليح الجيش العراقي وما يحصل من تلاعب فيها إنما هي قضية سياسية، وليست فنية أو لوجيستية، مثلما يقولون»، مشيرا إلى «أنهم يقولون إننا لا نحتاج إلى بناء جيش قوي يملك أسلحة متطورة، بما في ذلك قوة جوية وبحرية، بسبب عدم وجود استهداف خارجي على العراق، بينما واقع الحال يشير الآن إلى وجود مثل هذا الاستهداف الخارجي، فالكويت باتت تحشد قوات عسكرية عند حدودنا، وتركيا وإيران تقصفان أراضينا، وبالتالي فإن الحاجة باتت ماسة لقوة ردع عراقية».

وأضاف عواد: «جيشنا الآن، وبكل أسف، يقوم بمهام الشرطة الوطنية، كما أن تدريبه اقتصر على حرب العصابات وليس حماية الحدود، وهو متمركز بالمدن ويقوم بالمداهمات والاعتقالات، وهي ليست من مهامه». وحول مسألة المدربين الأجانب قال عواد: «إن هذه القضية ليست أكثر من حجة لبقاء الاحتلال؛ لأنهم حتى الآن لم يقنعونا بأهمية بقاء هؤلاء، لأننا مثلا لا نعرف على ماذا يدربون؟ وما هي الأسلحة التي سوف نستوردها حتى نتدرب عليها؟ ولماذا نحتاج قوات الاحتلال بالذات بينما هناك دول أخرى يمكن أن نتفق معها على التدريب؟ وهناك في الواقع الكثير من الأسئلة التي لا نجد إجابة واضحة عليها».