الوضع في مستشفى طرابلس يعكس الثمن الباهظ للحرية التي ينشدها الليبيون

الجثث تتراكم حتى في الممرات.. وكتائب القذافي كانت تراقب الأطباء عبر كاميرات ومنعت أجهزة التلفزيون

عامل في مستشفى بطرابلس يدفع عربة محملة بأكياس تضم جثث قتلى المعارك أمس (رويترز)
TT

انتقلت الأخبار في مستشفى طرابلس المركزي بنفس السرعة التي اندفعت بها الأسرّة الخفيفة وهي تحمل الجرحى القادمين من جبهة القتال يوم الخميس الماضي.

وكان أطباء المستشفى، وهم جنود من نوع آخر في مقاومتهم لقوات القذافي خلال الثورة التي استمرت لمدة ستة أشهر، يعلمون أن المعركة لن تكون سهلة، سواء تم العثور على القذافي أم لا. وبحكم عملهم الذي عودهم على استقبال القتلى والجرحى، نجح الأطباء في تكوين رؤية خاصة بشأن الهجوم الخاطف للثوار على العاصمة الليبية طرابلس خلال الأسبوع الحالي والخسائر المستمرة للقتال.

وتعج مشرحة المستشفى بجثث القتلى، حيث كانت توجد بها أكثر من 115 جثة مجهولة الهوية لمقاتلين ومدنيين على حد سواء. وقال اثنان من الأطباء إن المستشفى قد عالج ما لا يقل عن 500 مريض يوميا خلال هذا الأسبوع من جروح ناتجة عن تلقيهم أعيرة نارية، حيث يكافح الثوار للتغلب على الموالين للقذافي والذين يواصلون القتال بعناد شديد.

وقال الدكتور نبيل باي «لم أغادر المستشفى منذ ستة أيام. سيطر القذافي على المستشفى يومي السبت والأحد، ثم استولى الثوار عليه يوم الاثنين، ويتلقى المستشفى عددا كبير من المرضى كل يوم». وقد يكون يوم الخميس الماضي هو اليوم الأكثر دموية على مدار الأيام الستة الماضية منذ وصول القتال إلى العاصمة الليبية طرابلس، حيث تحدث الأطباء والمراسلون الصحافيون عن أدلة تشير إلى وقوع مذابح جديدة في صفوف الثوار وكتائب القذافي في أماكن متفرقة بالمدينة، مع احتدام القتال من أجل بسط السيطرة الكاملة على مجمع باب العزيزية.

وفي إطار السعي المستمر للسيطرة على طرابلس، ركز الثوار على القتال من مبنى لمبنى في شوارع منطقة أبو سليم التي تمثل مركزا لدعم العقيد القذافي. وبعد ظهر ذلك اليوم، استقبل مستشفى طرابلس المركزي عددا كبيرا من الجرحى المدنيين والمقاتلين.

وخلال خطاب مثير للعاطفة، أشاد علي الترهوني، وزير النفط والمالية بالمجلس الوطني الانتقالي، بالمقاتلين الثوار وطلب من ضباط الشرطة العودة إلى العمل، ودعا الموالين للعقيد الليبي الفار معمر القذافي لوضع أسلحتهم والعودة إلى ديارهم. وأضاف «لن يكون هناك أي انتقام. وسوف يحكم القانون بيننا».

ومع ذلك، قد يكون قد تم انتهاك هذا التعهد بالفعل، حيث أشارت وكالة «رويترز» إلى اكتشاف 30 جثة لأشخاص موالين للعقيد القذافي تم رميهم بالرصاص في معسكر للجيش في طرابلس، وكان من بينهم اثنان على الأقل مكبلان بقيود بلاستيكية وخمسة في أحد المستشفيات الميدانية في المعسكر، وكان لا يزال هناك شخص مربوط بأحد الأسرة والدماء تقطر من يده.

ومن بين مئات الجثث الموجودة في مشرحة مستشفى طرابلس المركزي - بعضها موجود في الأدراج، لكن هناك الكثير من الجثث الملقاة على الأرض من دون أي غطاء - كانت هناك جثة واحدة على الأقل مقيدة.

وقال أطباء في مستشفى آخر في طرابلس إنهم تلقوا جثث 17 شخصا قال شهود إنهم أعدموا على يد كتائب العقيد القذافي عندما اقتحم الثوار مجمع باب العزيزية الثلاثاء. وقال أطباء في مستشفى معيتيقة إن الرجال الذين كانوا معتقلين في مراكز اعتقال مؤقتة بالقرب من مجمع باب العزيزية قد تم إطلاق النار عليهم في الرقبة والصدر.

وخارج غرفة الطوارئ، أحضر الثوار اثنين من جنود العقيد القذافي كانا قد أصيبا في المعركة الدائرة في منطقة أبو سليم، وهو ما يدل على شدة القتال هناك.

وقال الدكتور عصام بن مسعود (34 عاما) إن الأطباء في المستشفى دعوا نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين في الخارج عندما اندلعت الاحتجاجات في شهر فبراير (شباط) لكي يعلنوا عن عدد القتلى الذين لقوا حتفهم جراء الحملة التي شنها العقيد القذافي. وقال بن مسعود إن الجنود جابوا المستشفيات وسحبوا المرضى الذين أصيبوا بأعيرة نارية في الاحتجاجات، ولم تتم رؤية العديد منهم مرة أخرى. وأضاف «لقد عبرنا عن أنفسنا. ومنذ ذلك الحين يعاملنا الموالون للقذافي بصورة سيئة».

وذهب المسؤولون في حكومة القذافي إلى المستشفيات، وأزالوا أجهزة التلفاز التي يشاهد عليها الأطباء وغيرهم قناة «الجزيرة» للأخبار، ووضعوا كاميرات تلفزيونية في كل مكان، وأقام الجنود في المستشفى وهددوا الأطباء بالسلاح وضربوهم.

وقال بن مسعود إنه ظل يعمل خفية على مساعدة الثوار. وفي إطار التحضير للثورة النهائية، حسب تعبيره، قام هو وغيره من الأطباء في مستشفى طرابلس المركزي بالمساعدة على إنشاء 15 مستشفى ميدانيا مؤقتا في المنازل في جميع أنحاء الساحة الخضراء، حيث كانوا يعالجون الجرحى من الثوار خلال الأسبوع الماضي. وبهذه الطريقة تمكنوا من تجنب إرسال المرضى إلى المستشفيات التي يسيطر عليها القذافي. وقال بن مسعود «لا يمكن للثوار المجيء هنا خشية إطلاق النار عليهم من قبل قوات القذافي».

وقال عدد من الأطباء إن مستشفى طرابلس المركزي كان يعالج جميع الجنود خلال أول يومين من القتال في طرابلس. وقال بن مسعود «لدينا سبع غرف عمليات وكانت جميعها ممتلئة من الساعة التاسعة مساء حتى الساعة الثانية مساء من اليوم التالي». وقال طبيب آخر إن نحو 30 شخصا قد لقوا حتفهم في المستشفى يوم الأحد الماضي، وقد نفدت اللوازم الأساسية من المستشفى مثل المضادات الحيوية. ونام الأطباء، كما يفعلون دائما منذ ذلك الحين، على ثمانية أسرة مكونة من طابقين من دون ملاءات في قاعة ضيقة توجد بها بركة في الأرضية نتيجة تسرب مياه من السقف.

وبعد ذلك، تغير كل شيء، ففي نحو الساعة الرابعة من صباح يوم الاثنين الماضي غادر جنود القذافي بشكل مفاجئ، وهو ما دفع الأطباء لترديد الهتافات والأغاني. وفي اليوم التالي، تدفق عدد كبير من المتطوعين – بعد عمل إعلان تلفزيوني – للمساعدة في أعمال التنظيف والطبخ وغيرها، حسب ما صرح به اثنان من الأطباء. وتبرع الصيادلة وشركات توريد الأدوية بالمعدات الطبية، كما تبرع الدكتور باي بالمضادات الحيوية للمستشفى.

وبحلول ذلك الوقت، كانت الجثث قد بدأت تتراكم في المشرحة. وعندما اقتحم الثوار مجمع باب العزيزية يوم الثلاثاء الماضي، ارتفع تدفق المرضى للمستشفى، وتوفي 40 شخصا به أو وصلوا إليه بعدما فارقوا الحياة، وكان جميعهم من الثوار. وقال بن مسعود «وفي اليوم التالي وجدنا شاحنة - مثل السيارات المبردة التي تنقل الجبن - وهي تحمل 28 جثة»، وأشار بن مسعود إلى أن قوات القذافي قتلت الناس في الشوارع وخبأت الجثث.

ويوم الخميس الماضي، حيث بدأت الجثث تتراكم مرة أخرى نتيجة القتال في منطقة أبو سليم، قال الثوار العائدون من الجبهة إنهم فوجئوا بعمق مقاومة الموالين للقذافي. ولكن بحلول الليل، بدأ طوفان المرضى في التباطؤ، وهنا قال الدكتور باي بتفاؤل كبير «انتهت المعركة في أبو سليم الآن».

* أسهم في كتابة التقرير ريك غلادستون من نيويورك

* خدمة «نيويورك تايمز»