اليمن: خيارات الحرب الأهلية قائمة ومخاوف في الشارع

معارضون أكدوا لـ«الشرق الأوسط» استعداد النظام للحرب.. ومسؤول نفى ذلك

TT

يعيش اليمنيون هذه الأيام على وقع المخاوف من تجدد الاشتباكات في العاصمة صنعاء بين القوات الموالية للرئيس اليمني علي عبد الله صالح ومعارضيه في الجيش ومسلحي القبائل المؤيدين للثورة، خاصة في ظل الأنباء المتواترة بشأن قيام القوات الموالية بتجنيد عشرات الآلاف إلى صفوف الحرس الجمهوري والأمن المركزي، في وقت تستمر فيه أعمال التمترس في صنعاء، من جانب قوات الرئيس صالح ومن جانب القوات المؤيدة للثورة وجماعة زعيم قبيلة حاشد، الشيخ صادق الأحمر، وانتشار المسلحين المدنيين أو من يعرفون بـ« البلاطجة».

وتزامنت هذه المخاوف والتحركات مع توجيه أصابع الاتهام إلى اللواء علي محسن الأحمر، قائد القوات المؤيدة للثورة والمعارض البارز، الشيخ حميد الأحمر، بالتورط في محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس علي عبد الله صالح وكبار رجال الدولة في الثالث من يونيو (حزيران) الماضي داخل مسجد قصر الرئاسة.

وكانت دارت مواجهات مسلحة عنيفة في يونيو الماضي بين جماعة زعيم قبيلة حاشد والقوات العسكرية للرئيس صالح، أسفرت عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى في صفوف الجانبين، هذا عوضا عن الدمار الكبير الذي لحق بمقرات وزارات ومؤسسات حكومية ومنازل المواطنين في حي الحصبة الذي كان ساحة للمواجهات والذي ما زال مسلحو الأحمر يسيطرون فيه على عدد من الوزارات والمؤسسات.

ويزيد من المخاوف من اندلاع المواجهات المسلحة، ما يدور من مواجهات في منطقة أرحب بشمال صنعاء وأخرى مماثلة في تعز، وهي المواجهات التي ما زالت مستمرة منذ عدة أشهر.

ولا تستبعد المعارضة أن يقدم النظام على تحرك عسكري، ويقول عبد السلام رزاز، القيادي في حزب اتحاد القوى الشعبية وفي أحزاب «اللقاء المشترك»، عضو «المجلس الوطني» للثورة الشبابية الشعبية، إن النظام «لا خيار لديه منذ قامت الثورة غير العنف وقد فجر حروبا في صنعاء وتعز وأبين، وليس من المستبعد عليه أن يقوم بمغامرات عسكرية ضد الساحات كما فعل في تعز».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لكن لا يعني ذلك أنه سيحسم وسيسيطر ففي تعز أحرق الساحة وطرد المعتصمين بقوة السلاح لكن ماذا حصل هل انتهت ساحة تعز؟ الساحة ما زالت قائمة وفوق ذلك فرض عمل مسلح في تعز لم تستطع السلطة بكل قواتها القضاء عليه وأي تفكير للقضاء على الساحات بقوة السلاح سيفرض عليها اللجوء إلى استخدام السلاح وستدخل البلاد في حرب مع بقايا النظام، وليست حربا أهلية كما يصفها البعض».

ويرى علي الكثيري، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الرابطة (رأي) نائب رئيس دائرة الفكر والثقافة، أن «كل المعطيات على الساحة اليمنية ترجح الذهاب بالبلاد إلى جولات جديدة من الاحتراب، خاصة أن انسداد آفاق الحلول السياسية لم يعد خافيا على أحد». ويقول الكثيري لـ«الشرق الأوسط» إنه «وفي ظل استمرار حالة الاستقطاب من جانبي الصراع في اليمن، للأسف بعض الأحزاب السياسية ساهمت بدرجة كبيرة في كل ذلك عندما صورت الثورة الشبابية بصورة الأزمة السياسية»، وأن هذا التصوير هو «ما أعطى النظام مزيدا من المساحات للحركة والتأثير سلبا على زخم الثورة ليعد العدة للحسم من جانبه، بدلا من حسم الثوار لثورتهم لموجبات نجاح ثورتهم».

أما المحامي والناشط خالد الانسي، عضو «المجلس الوطني» المنسحب منه، فيؤكد أن طبول الحرب تقرع فعلا، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «المؤشرات كلها تؤكد ذلك، وآخرها تكوين مجلس وطني ضم القوى العسكرية والقبلية وتم النص على أن من مهامه تحديد خيارات الحسم وتركها مفتوحة، كما أن تصريحات القوى التي لعبت الدور الرئيسي في تكوينه قد تضمنت تصريحات بإمكانية خيار اللجوء للقوه للحسم».

لكن سعيد الحريري، الناشط السياسي في الحراك الجنوبي بالخارج، لا يتفق مع الطروحات السابقة ويرى أن خيارات الحرب الأهلية في اليمن غير واردة، وذلك لعدة اعتبارات منها «انقسام الجيش بين كل من الجنرال المنشق علي محسن الأحمر والرئيس صالح، وكذا انقسام القبائل بين مؤيد للرئيس صالح ومعارض له، وما نشر حول تجنيد 50 ألف عسكري جديد في إطار الجيش التابع لصالح ما هو إلا فرقعة إعلامية ورد على قيام الجنرال المنشق علي محسن بتجنيد بعض الشباب المحسوبين على الجناح الإسلامي التابع للإخوان المسلمين وجامعة الإيمان».

ويعتقد الحريري في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن صالح لديه من القوة والعتاد ما يمكنه من إفراغ ساحات الاعتصام في صنعاء وغيرها و«ما يكفي لتصفيتها في ليلة واحدة وما جرف ساحة تعز إلا خير دليل، وإن اضطر طرفا الصراع العسكري لمواجهه فكل طرف لديه أوراق يلعبها وستكون المواجهة خارج العاصمة صنعاء كالذي يدور في محافظة أبين بين الجماعات المتطرفة المسلحة المدعومة من صالح من جهة وعلي محسن من جهة أخرى».

ويرى الناشط والمعارض الحريري أن الرئيس صالح عمل على «تطويل أمد الثورة حتى تم تمييعها وإخراجها عن الهدف الذي قامت من أجله وهو تغيير النظام، إلى أزمة سياسية بين النظام والمشترك، وتخبط أحزاب اللقاء المشترك والشباب وتشكيل المجالس والمجالس المضادة خير دليل على المأزق الذي تعيشه كافة أحزاب المعارضة، فالثورة التي قامت في مطلع فبراير (شباط) من هذا العام تم عسكرتها ومشيختها وأسلمتها من خلال ركوب بعض رموز النظام الحاكم لهذه الثورة ليس حبا في التغيير بل من أجل الاحتماء بها وليس من أجل حمايتها كما يزعم الجنرال المنشق بل من أجل حماية أنفسهم من الموس الذي سيمر على كل رأس».

كما يعتقد أنه إذا ما حدثت أي مصادمات مسلحة بين وقت وآخر، فما هي «إلا تصفية حسابات قديمة جديدة بين أجنحة السلطة المتصارعة لأن من انشق من الجيش هم جزء من النظام، بل وأحد أعمدته وكذا حزب الإصلاح الإسلامي الذي كان إلى الأمس القريب أحد شركاء النظام سواء قبل أو بعد إعلان الوحدة أو أثناء حرب احتلال الجنوب في 1994م، لأن الجيش في اليمن ومع الأسف الشديد، لا يقارن بجيش مصر الوطني الذي بني على أسس ومعايير وطنية، بل جيش تم بناؤه على أساس ولاءات قبلية وشخصية وهذا ما نشاهده اليوم».

ويجزم الحريري أن قوى المعارضة اليمنية «لن تنتصر وتحقق أهداف الثورة، إلا من خلال التجرد عن الذات والأنانية ومحاولة إلغاء الآخر، وأقصد هنا الجنوب وشعبه وعدم الاعتراف الصريح الذي لا لبس فيه بقضية الجنوب، باعتبارها قضية سياسية وطنية بامتياز وتحل وفقا لتطلعات شعب الجنوب من خلال حوار شمالي جنوبي وبإشراف دولي ويكون لشعب الجنوب الكلمة الفصل في تقرير مصيره من خلال استفتاء حر ونزيه. وبإشراف دولي لأن كل المؤشرات والدلائل تدل على أن اللقاء المشترك والشباب في ساحات التغيير في المحافظات الشمالية يريدون إعادة احتلال الجنوب، لكن ليس كما عمل صالح في حرب صيف 1994م من خلال المدفع والدبابة بل احتلال سلمي من خلال شارع الستين فنحن الجنوبيين ننظر للسلطة والمعارضة كوجهين لعملة احتلالية واحدة».

ويعتبر عبد الحفيظ النهاري، نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المؤتمر الشعبي العام الحاكم، أن المعلومات عن إعداد السلطة لحرب أهلية «ادعاء مردود على مروجيه في أحزاب اللقاء المشترك وشركائهم في العنف والتطرف والإرهاب وفي مقدمتهم التجمع اليمني للإصلاح وميليشياته من عناصر الإخوان المسلمين، ونحن في المؤتمر الشعبي العام نحمل مروجي هذه الإشاعة المسؤولية القانونية بما في ذلك وسائل الإعلام والمراسلون الذين يروجون لذلك من أتباع المشترك».

ويقول النهاري إن استخدام «هذه الإشاعة يأتي بغرض تسويغ النوايا السيئة لأحزاب اللقاء المشترك وعناصر التمرد العسكري بغية تبرير ما يخططون له من أعمال عنف وإرهاب اتصالا بما ارتكبوه من جرائم في مسجد الرئاسة وفي الحصبة وفي أرحب وفي تعز وفي الحيمة وفي نهم، وفي ريمة».

ويضيف المسؤول في الحزب الحاكم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن المعارضة تبحث عن «مبررات جديدة يتصورون أنها تسوغ لهم تكرار أفعالهم الإجرامية القادمة، من خلال المجلس الوطني الذين أرادوا له أن يكون مجلسا لتبرير وتنفيذ خيار العنف والتوسع فيه، والذي أدرك من أقحمت فيه أسماؤهم، أهداف هذا المجلس وانسحبوا منه ورفضوا الانضمام إليه، ليبقى ممثلا فقط لأطراف التطرف والعنف من عيال الأحمر، وعناصر التمرد العسكرية في الفرقة الأولى مدرع، وعناصر الإصلاح».

ويؤكد النهاري أنه «ومع قرب الانتهاء من التحقيق في جريمة مسجد الرئاسة التي استهدفت فخامة الأخ الرئيس وقيادات الدولة، أصبح المجرمون يتوجسون خيفة من غضبة الشعب ومن الإجراءات القانونية والدستورية التي يمكن أن تلوي الحبل على رقابهم، هم يبحثون عن مهرب من يد العدالة، ويتصورون أن الهروب إلى العنف سيغطي على تلك الجريمة وينقذهم من تبعاتها، ولكن هيهات هيهات».

ويكشف النهاري أن هناك لجانا شعبية بدأت في التشكل لحماية المرافق الحكومية والعامة «وحماية السلام الاجتماعي والتصدي لعناصر الفوضى والتخريب والإرهاب، وحماية المعسكرات والمرافق الأمنية التي تستهدفها تلك العناصر الانقلابية، وذلك تطبيقا لمقررات المؤتمر العام لقبائل اليمن التي ألزمت نفسها بحماية الشرعية الدستورية والتمسك بالخيارات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وحماية المكتسبات الوطنية من العابثين بأمن وسلامة الوطن ومكتسباته، وحماية الجمهورية، والوحدة، والديمقراطية، والمكاسب التنموية».

ويؤكد نائب رئيس دائرة الفكر والإعلام في الحزب الحاكم أن حزبهم «أحرص الأطراف جميعا على الحفاظ على السلام وعلى المكتسبات التي حققها المؤتمر بقيادته الحكيمة خلال ثلاثة عقود من الريادة السياسية والتنموية والديمقراطية، ولا نريد أن نرى تلك المنجزات تخرب بأيدي من لم يتعبوا ولم يساهموا في بناء الوطن، بل من يريد أن يقف على أنقاض ما بني وأنجز دون أدنى شعور بالمسؤولية».

وأخيرا يرى أن «من يسعون لإشعال حرب أهلية هم أولئك المخربون الذين يصرون على التخريب وقطع الطرقات وقطع إمدادات الطاقة، وتعطيل المصالح العامة والخاصة، وإخافة السبيل، وإقلاق السكينة العامة، والقتل، والغدر والإرهاب، باتجاه تحقيق أهدافهم الانقلابية بالقوة والعنف، في خروج سافر على الشرعية الدستورية والديمقراطية واتخاذهم للعنف والإرهاب سبيلا».