اجتماع ازمة بين الحكومة البريطانية وممثلي مواقع التواصل الاجتماعي

وزيرة الداخلية: الهدف لم يكن مناقشة فرض قيود على الإنترنت بل «شن هجوم على المواقع التي تستخدم في ارتكاب ممارسات إجرامية»

سيدة بريطانية تمر أمام واجهة متجر مهشم بفعل اعمال العنف والشغب في منطقة كلابهام بداية الشهر الجاري « نيويورك يايمز»
TT

اجتمع مسؤولون بريطانيون مع ممثلي موقعي «تويتر» و«فيس بوك»، وشركة «ريسيرش إن موشن» التي تمتلك «بلاك بيري»، أول من أمس لمناقشة الوسائل التطوعية لتقييد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل مكافحة الجرائم وخلال فترات الاضطرابات، في محاولة لتفادي الاتهامات بالنفاق وفرض الرقابة التي أعقبت دعوة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى فرض قيود على استخدام تلك المواقع بعد أعمال الشغب التي شهدتها بريطانيا خلال الشهر الحالي.

وقالت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي، بحسب ما ورد عن الاجتماع، إن الهدف لم يكن «مناقشة فرض قيود على خدمات الإنترنت»، بل على العكس الهدف هو «شن هجوم على المواقع التي تستخدم في ارتكاب ممارسات إجرامية». وأوضحت المتحدثة باسم الوزيرة تيريزا ماي، أن الحكومة «لن تسعى إلى التمتع بمزيد من السلطة». ويستهدف النقاش، بحسب من حضروا الاجتماع، مواقع التواصل الاجتماعي ودعم تطبيق القانون في جمع المعلومات من تلك المواقع. وفي أعقاب الثورات التي شهدت دعوات مطالبة بالحرية والديمقراطية، يقول أنصار حرية التعبير إن الحكومة البريطانية تفكر في تبني سياسات مماثلة لتلك السياسات التي تنتقد في الدول الاستبدادية التي يسيطر عليها الحزب الواحد.

وتقول جو غلانفيل، المحررة في مجلة «إنديكس أون سينسورشيب» التي تنظم حملة من أجل حرية التعبير «إن إدراج اسم بلدنا على قائمة الدول التي نكلت بمواقع التواصل الاجتماعي خلال أحداث الربيع العربي أمر غير مرغوب فيه»، مشيرا إلى أن مثل هذه الممارسات قد «تقوض الديمقراطية».

ويبدو أن إيران، التي تواجه انتقادات من الغرب بسبب فرض قيود على الإنترنت وحرية التعبير، تتلذذ باللحظة، حيث صرحت في أعقاب أعمال الشغب قائلة «أرسلوا وفدا لحقوق الإنسان إلى بريطانيا لدراسة انتهاكات حقوق الإنسان بها»، بحسب وكالة أنباء «فارس» الإيرانية شبه الرسمية.

ودعا كاميرون إلى فرض قيود أقوى على مواقع التواصل الاجتماعي بعد استخدام مثيري أعمال الشغب والنهب المسلحين بالهواتف الذكية لها لمناورة الشرطة. لكن في الوقت الذي أثارت فيه هذه الدعوة احتجاجات من بعض الأوساط، قوبلت بترحاب كبير من أطراف أخرى، حيث يرى أنه لاستعادة الأمن الأولوية عن حقوق مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.

يقول غوردون سكوبي، أحد ضباط الشرطة رفيعي المستوى الذي يقود محاولات لدعم وجود مواقع تواصل اجتماعي والذي كان ممن حضروا اجتماع «فيس بوك» و«تويتر» وشركة «ريسيرش إن موشن» التي تمتلك «بلاك بيري»: «إذا كانوا يسمحون بالنشاط الإجرامي، وما حدث يمثل جريمة كبرى، وفقد الناس أرواحهم في أعمال الشغب هذه، فإنني سأسعى جاهدا لأرى كيف يمكن أن يستمر ذلك. لدينا التزام تجاه هؤلاء البشر، ويتم تحقيق التوازن بين هذا وبين حقوق الإنسان سواء على شبكة الإنترنت أو بعيدا عنها. لكن لا يوجد أي فرق الآن». واجتمع المسؤولون والرؤساء التنفيذيون في مكاتب حكومية. ورفضت الشركات الإفصاح عن تفاصيل أكثر مما جاءت في البيانات التي صيغت بحرص عن الإجراءات الجديدة التي سيتم اتخاذها بالتعاون مع الشرطة البريطانية والحكومة أكثر. لكن قال سكوبي إنهم ناقشوا مدى استعداد المواقع للي عنق قواعد الخصوصية بحيث تستطيع مساعدة الشرطة في ملاحقة النشاط الإجرامي على شبكة الإنترنت. وقال إنه ربما يفكر موقع «تويتر» على سبيل المثال في إجبار مستخدميه على الاشتراك بأسمائهم الحقيقية بدلا من الأسماء المستعارة.

ووافقت شركة «ريسيرش إن موشن» بالفعل على تزويد الشرطة البريطانية بمعلومات من برنامج «بلاك بيري ماسنجر» الذي استغله الكثير من مثيري أعمال الشغب لتنظيم صفوفهم، لكن هذا في ظروف محددة على حد قوله. وقد يفكرون في إتاحة «بروتوكولات» تيسر الدخول في المستقبل. كذلك تفاوضت شركة «آر آي إم» مع الهند للسماح بمراقبة رسائل المستخدمين.

وقال سكوبي وآخرون ممن حضروا الاجتماع إن الشرطة كانت تفكر في استخدام برامج تحليل مواقع التواصل الاجتماعي لتجزئة كميات البيانات المتوافرة على شبكة الإنترنت للتنبؤ بأي اضطرابات مستقبلية. وقال «عندما يستخدم الناس الهاتف تكون لدى سلطات تطبيق القانون وسائل للتنصت عليهم في ظروف معينة. لكن لا ينبغي أن نتراجع ونقول إننا لا نستطيع اللعب في هذه المنطقة بسبب اختلاف الوسيط. يجب أن تتمتع الشرطة بسلطة على الإنترنت وفي الحياة الواقعية».

لكن حذر هيثر بروك، الناشط في مجال حرية تداول المعلومات والذي يكتب كثيرا عن الخصوصية على شبكة الإنترنت، من أن المفاوضات السرية «تحدث دون مراجعة قضائية أو محاسبة». وتساءل قائلا «من الذي يمكن أن يحدد ما إذا كانت الشرطة تبحث عن معلومات عن عدد السكان أم عن أفراد أو مجموعات لا تعجبها؟».

وتشير غلانفيل إلى «الذعر والاستجابة الفورية للجريمة وانعدام الأخلاق» الذي يقف وراء تلك الإجراءات، مستشهدة بحالة رجلين حُكم عليهما بالسجن لمدة أربع سنوات بسبب نشر رسائل تحث على ارتكاب أعمال الشغب على موقع «فيس بوك» رغم عدم حدوث أعمال شغب. وقالت «ولم يعلم رجال الشرطة والقضاء البريطاني أي شيء عن الأمر».

وأوضحت أن الشرطة وجدت أن مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة تساعد في الإمساك بمرتكبي أعمال النهب قليلي الحظ الذين أعلنوا عن سلع مسروقة على شبكة الإنترنت وتستخدم المجتمعات المواقع نفسها لتنظيم اجتماعات لإصلاح أحيائهم. وقالت «الأمر لا يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، بل بوضع الدولة. بدلا من التحدث عما نواجهه من صعوبات كبيرة، نتحدث عن الوسيط».

وليست تلك هي المرة الأولى التي تواجه فيها بريطانيا هذه المعضلات، فقد نشر بول تشامبرز، الذي يبلغ من العمر 26 عاما، العام الماضي، عندما كان يشعر بإحباط نتيجة إغلاق مطار، رسالة على «تويتر» يهدد فيها بتفجير شركة «سكاي هاي» في المطار. وعندما تم إلقاء القبض على الرجل وفرض عليه دفع غرامة مالية وفقد وظيفته لهذا السبب، أصبح صاحب قضية شهيرا، ومن داعمي تلك القضية الممثل الكوميدي ستيفن فراي. وسخر عشرات الآلاف من مستخدمي «تويتر» العام الحالي من حكم المحكمة بحق وسائط أكثر تقليدية، وذكروا اسم لاعب كرة القدم ريان غيغز الذي يقال إنه على علاقة بإحدى نجمات برامج الواقع. وتابعت بعض الدول، التي تتعرض لانتقادات من الغرب بسبب عمليات القمع والتنكيل الأمني الوحشي على حرية التعبير، الصراعات التي دخلت فيها بريطانيا مؤخرا بتشف وشماتة خفية. في الصين أثنت «غلوبال تايمز»، إحدى الصحف التابعة للدولة، على تعليقات كاميرون، حيث جاء بها «يتيح النقاش المفتوح لاحتواء الإنترنت في بريطانيا فرصة جديدة للعالم كله».

* خدمة «نيويورك تايمز»