د. محمود جبريل: سنقدم القذافي لمحاكمة عادلة لنسأله لماذا كان يعذبنا على مدى 42 عاما

رئيس «حكومة الثوار» في حوار لـ «الشرق الأوسط»: وحدات من الثوار تطارد القذافي.. ولا صحة لمشاركة قوات أجنبية في اقتحام مقره أو تحرير طرابلس

TT

أكد الدكتور محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي التابع للمجلس الوطني الانتقالي (حكومة الثوار)، لـ«الشرق الأوسط»، أن العقيد معمر القذافي سيحظى بمحاكمة عادلة إذا تم اعتقاله، مؤكد أن المحاكمة ستحاول الإجابة عن المبررات التي دفعت القذافي لاستخدام كل هذا العنف والقتل ضد أبناء شعبه منذ انتفاضته ضده في السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي.

وأوضح في حوار خص به «الشرق الأوسط» عقب سلسلة من اللقاءات التي عقدها في القاهرة التي يزورها لترؤس وفد ليبيا للمرة الأولى في اجتماعات الجامعة العربية بعد اجتياح الثوار لمقر إقامة العقيد معمر القذافي في ثكنة باب العزيزية بالعاصمة الليبية طرابلس، أنه يتمنى أن يتم اعتقال القذافي حيا، مؤكدا أنه يريد منه أن يطرح إجابات لهذا السؤال: لماذا على مدار 42 عاما كان يعذب الليبيين؟

واعتبر أن توفير محاكمة عادلة للقذافي من شأنه أن يشرح للعالم التوجه الحقيقي للنظام الجديد في ليبيا، لافتا إلى أن الثوار الآن هم الذين يقومون بعمل وحدات وأبراج مراقبة وأمن ومتابعة، وهم منتشرون في مختلف أرجاء طرابلس وحولها لتعقب ومطاردة القذافي.

وبعدما أضاف أنه «ممكن يجدونه ومن الممكن ألا يجدوه»، شدد على أن الخيار الأول أمام قوات الثوار هو اعتقال القذافي حيا وعدم قتله.

وتابع: «إذا تم اعتقاله فستكون هناك حراسات مشددة في حالة اعتقاله هو أو أحد أبنائه، إنما القتل ممنوع، وإذا حكم القانون بإعدامه فليعدم، لكن نحن نختلف عن القذافي».

وأوضح أن هروب القذافي من العاصمة الليبية طرابلس لا يعني أن نظام حكمه بالكامل قد سقط، إن سقوط طرابلس رمز، مشيرا إلى أن هناك أجزاء أخرى من ليبيا خاصة في الجنوب مثل سرت مسقط رأس القذافي ما زالت غير محررة.

وأكد على وجود مفاوضات لتحرير سرت مسقط رأس القذافي سلميا لوقف إراقة مزيد من دماء الليبيين.

وكشف النقاب عن صحة معلومات «الشرق الأوسط» بشأن إعطاء الثوار الأمان لكل المسؤولين والوزراء في الحكومة الليبية السابقة التي كانت موالية للقذافي. لكنه قال إنه لن يتم الاستعانة بأي منهم في المرحلة المقبلة إلا شريطة التأكد ألا تكون أيديهم ملوثة بالدماء، على حد قوله.

ونفى جبريل لـ«الشرق الأوسط» مشاركة أي قوات أجنبية في عملية تحرير طرابلس أو اقتحام مقر القذافي الحصين في باب العزيزية.

وكان جبريل قد التقى في وقت سابق المشير حسين طنطاوي القائد الأعلى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى السلطة حاليا في مصر ورئيس الوزراء المصري الدكتور عصام شرف، وقد اجتمع بـ«الشرق الأوسط» قبل لقائه السفير البريطاني في القاهرة جيمس وات.

وعلى الرغم من ازدحام جدول مواعيده وتعاقب لقاءاته مع مسؤولين مصريين وعرب وأجانب، فإنه حرص على تخصيص وقت لمقابلة «الشرق الأوسط» بترتيب مشكور من عبد المنعم الهوني ممثل المجلس الوطني الانتقالي لدى الجامعة العربية ومصر.

وفيما يلي نص الحوار:

* هذه أول مرة يدخل فيها أحد قيادات الثوار للجامعة العربية، هذه اللحظة ماذا تعني لكم؟

- تقصد العودة إلى جامعة الدول العربية، نعم هذه اللحظة تعني الكثير بالنسبة إلينا، الجامعة العربية يمكن أن يحسب لها الفضل الحقيقي في حماية أرواح الأبرياء والشعب الليبي من مذبحة حقيقية كاد أن يرتكبها القذافي، الجامعة العربية اتخذت قرارا تاريخيا في 12 مارس (آذار) الماضي وهو حماية المدنيين الليبيين، ووجهت رسالة لمجلس الأمن وبناء على هذه التوصية قرر مجلس الأمن إصدار قراره التاريخي، وبناء عليه تدخل المجتمع الدولي وحمى بنغازي من مذبحة محققة.

والقرار التاريخي الثاني هو قرار الجامعة العربية بإعادة عضوية ليبيا مرة أخرى ممثلة في المجلس الوطني الانتقالي، والجامعة العربية أصبحت لها أنياب الآن، عربيا كانت الجامعة تتهم بأنها الجسم المريض أو أنها جسم خامل لا لزوم له، والجامعة العربية في هذا الموقف أثبتت أنها يمكن أن تكون جسما فاعلا يساهم في تشكيل الوطن العربي.

* كيف تنظر إلى مستقبل علاقات ليبيا مع العالم العربي؟ وهل تصنفون العرب جميعا على أنهم كتلة واحدة أم أن الأزمة أفرزت مواقف وبالتالي ستكون هناك وقفة مع الدول التي ساندت نظام القذافي؟

- الحقيقة أولا المجلس الوطني الانتقالي والحكومة المؤقتة التي أرأسها هي أجسام مؤقتة لا تستطيع أن تجزم برسم سياسة ليبيا الخارجية، وهذا الكلام أنا قلته للسيد عصام شرف والمفروض أن ننظر لأنفسنا على أننا نمهد الطريق للمالكين الحقيقيين، للشباب العربي، وقد قمت باقتراح محدد وأرجو الموافقة عليه، وهو نفس الدعوة ونفس المقترح لتونس بإجراء حوار شامل بين الشباب في الدول الثلاث لأن توحيد لغة الشباب وخلق قيادات الشباب في هذه الدول سيمنع التالي: التيارات السياسية التي أثبتت إفلاسها على مدى أكثر من قرن بمختلف طوائفها، بدليل الواقع العربي الذي نراه وبدليل أنه لو كان يوجد فينا فائدة لكنا فعلنا ما فعله الشباب، ولذلك لا بد أن يقوم هؤلاء الشباب بتنظيم قيادات من داخلهم ويجب أن يصنعوا مستقبلهم، وكتمهيد لذلك لا بد أن يجري حوار بين الشباب من الدول الثلاث، وأنا أعلم أن الشباب لا يمكن أن يكون وحدة واحدة ولكني أريد من الشباب في مصر وليكن 40 أو 50 شابا من مختلف الائتلافات وعينة من الشباب الليبي وعينة من الشباب التونسي.

* هل اهتمامك بالشباب هو ما يدفعك إلى اختيار أربعة من الشباب في حكومتك الانتقالية كما علمت؟

- الحقيقة هي أن التوجه في تشكيل الحكومة سيكون الصف الثاني لهم تحديدا، لازم يكون فيه شباب، وأيضا المرأة كنوع من التدريب خلال الفترة الانتقالية، لو استمرت الفترة الانتقالية شهرا أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أشهر فهذه فترة تدريب حقيقية.

* كم عدد الحقائب التي يحملها الشباب في حكومتك؟

- حتى الآن لا أعرف لأن الحكومة لم يتم تشكيلها بعد.

* متى سيتم الإعلان عنها؟

- خلال أسبوعين أو ثلاثة، حتى نقوم بإنهاء برنامج العمل والموافقة عليه حتى يتم اختيار أفراد الحكومة التي تصلح لأن تنفذ هذا البرنامج.

* هل تختار بنفسك أعضاء الحكومة بدون أي ضغوط؟

- لا توجد أي ضغوط من أي نوع، مطلقا، لا من المجلس الانتقالي أو أي جهة أخرى، سنقدم تصورنا لعمل البرنامج في الفترة القادمة ومنه استحقاقات الأمن والعدل الانتقالي حتى لا نترك مظالم كثيرة معلقة على مدار سنين، فنظام القذافي نهب ممتلكات واغتصب أعراضا وعذب الكثير من الناس وقتل وشنق ناسا كثيرين وأخذ أموالهم، وكلها قرارات معلقة تنتظر التنفيذ، لذلك يجب أن تكون هناك مرحلة عدل انتقالي فالناس يجب أن ترى أن القضاء عاجل ويأخذ حقوق الناس في الاعتبار، فلو لم تقتنع الناس بأن هناك قضاة تمنحهم حقهم، فهذا سيكون معيبا، والأمر الثالث هو التنمية في التعليم والصحة والتنمية البشرية.

* أنتم ستعيدون إذن بناء دولة من الصفر؟

- هذا صحيح، فالمؤسسات غير موجودة والمؤسسة الوحيدة التي كانت موجودة على مدار 42 عاما هي معمر القذافي.

* بدا لي أن القذافي ترك ليبيا بدون مؤسسات تقريبا؟

- نعم هذا صحيح لأن فكرة المؤسسة ضد فكر القذافي، لأن أي شيء مستقل يكون ضده.

* هل هذا جزء من كراهيته لليبيين إذا صح التعبير؟

- هو يقول إن الليبيين شعب ناكر للجميل وإنه عنده كل الحلول للمشكلات لكل البشر، وبالتالي كان ذلك على توصيفه لهم بـ«الجرذان» ومتعاطي «حبوب هلوسة»، وذلك يعبر عن احتقاره الشديد جدا للشعب.

* لكن إذا ما اعتقل هل تضمنون له محاكمة عادلة؟

- نعم نضمن له محاكمة عادلة تعطي توجها حقيقيا للنظام الجديد.

* أنت على المستوى الشخصي تتمنى اعتقاله حيا أو قتله؟

- أتمنى أن يتم اعتقاله حيا، فالشعب الليبي يريد منه أن يطرح إجابات لهذا السؤال: لماذا على مدار 42 عاما يتعذب؟

* عفوا، هل هو البحث عن إجابات أم التشفي في الرجل أم تكرار النموذج المصري في محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك؟

- لا تشفي، أنا أعتقد أن القذافي لو تقدم لمحاكمة عادلة فسيكون عبرة لأي أحد في العالم، وهذا الشخص يمكن أن يتحول إلى مادة إعلامية تدرس في المدارس وسنقوم بتعليمها لأطفالنا ونظم الديكتاتورية في ليبيا وماذا فعل هذا الرجل بوقائع حقيقية وبإثباتات حقيقية وماذا قدم الشعب الليبي بدمائه، ولكن هذا ليس مجرد رغبة في الانتقام أو محاكمة غير عادلة حتى يموت، لا، فهذا ليس ما نريده وفي النهاية يحكم عليه بالإعدام، إذا حكم كذلك، نريد أن يعلم هؤلاء الأطفال أن هذه فترة مر بها بلدهم ويجب أن يعلموا الحقائق التاريخية، وهذه الممارسات سميت ممارسات ديكتاتورية وممارسات فاشية أدت إلى اقتياد ليبيا إلى أربع أحقاب من تاريخها كانت من أهم الفترات التي غيرت في التاريخ.

* نريد أن نعرف هل عملية تحرير طرابلس كانت بأيد ليبية كاملة أم لا، لأن البعض يشكك بأنه تم الاستعانة ببعض القوات من العناصر الأجنبية؟

- لا، هذا غير صحيح، من حرر طرابلس هم الليبيون ولم يشارك أي شخص آخر من أي جهة.

* لكن هل تستعينون بعناصر أجنبية في تعقب القذافي ومحاولة اعتقاله أيضا؟

- لا، فالثوار الآن هم الذين يقومون بعمل وحدات وأبراج مراقبة وأمن ومتابعة وهم منتشرون في مختلف أرجاء طرابلس وحول طرابلس، وممكن يجدونه وممكن ألا يجدوه.

* ما هي الخيارات المتاحة في حالة القذافي.. اعتقاله أم قتله أم ماذا؟

- لا يوجد قتل، إذا تم اعتقاله فستكون هناك حراسات مشددة في حالة اعتقاله هو أو أحد أبنائه، إنما القتل ممنوع وإذا حكم القانون بإعدامه فليعدم، لكن نحن نختلف عن القذافي.

* هل تعتبر أن النظام قد سقط تماما بسقوط طرابلس أم بحسم مصير القذافي؟

- النظام لم يسقط، فسقوط طرابلس هذا رمز لكن لم يسقط النظام، وهناك أجزاء من ليبيا في الجنوب مثل سرت مسقط رأس القذافي لم تتم السيطرة عليها.

* هل تخاف من وجود عملية عسكرية في سرت؟

- هناك مفاوضات نتمنى أن تكلل بالنجاح لوقف إراقة مزيد من دماء الليبيين.

* فهمنا أن حكومة القذافي آمنة في طرابلس، هل أعطيتم لهم الأمان؟ أم ماذا؟

- لقد قمنا بحراسة عدد كبير من رجال النظام السابقين، ووقت المحاكمة سنسأل هؤلاء الأفراد.

* هل ستبعدون كل رجال نظام القذافي أم ستتم الاستعانة ببعض الوزراء التكنوقراط منهم؟

- التكنوقراط مطلوبون لاستمرار الحياة لأنهم يعلمون ما كانت عليه الأمور، ولكن رغم ذلك يشترط ألا تكون أيديهم ملوثة بدماء الليبيين، وألا يثبت أنه شخص فاسد سرق أو عذب ليبيين، هذه هي المعايير الأساسية، وغير هذا فليبيا بلدهم ومستقبلهم ويجب أن يشاركوا في بناء المستقبل.

* ماذا ستفعل بعد انتهاء هذه الفترة الانتقالية؟

- سأرجع إلى بيتي وإن كان في العمر بقية سأكتب، لأنني لم أكتب منذ فترة، وكما تعلم فقد استقلت من نظام القذافي وكنت أعد العدة للعودة إلى العمل الاستشاري مرة أخرى، وعندما حدثت هذه الانتفاضة كان لا بد من المشاركة، وأنا لن أخوض أي عمل سياسي مرة أخرى.

* حسنا، كيف مرت عليك أشهر الانتفاضة الستة؟

- فاتت عليّ كأنها 60 عاما.