مدينة دير الزور.. القبضة الأمنية لم تمنع أهاليها من الاستمرار في تحركاتهم

ناشطون يخشون من اقتحام القرى المجاورة بعد تقطيع أوصال المدينة

TT

لم تستعد مدينة دير الزور، التي اقتحمتها دبابات الجيش السوري ومدرعاته العسكرية منذ أسبوعين، زخمها الاحتجاجي في جمعة «الصبر والثبات»، إذ خرجت من بعض أحياء المدينة المحاصرة والمقطعة أمنيا مظاهرات قليلة مطالبة بـ«إعدام الرئيس بشار الأسد وإسقاط نظامه الاستبدادي».

ووفقا لناشطين، فإن المتظاهرين تحدوا الحصار، الذي تحكم قوات الأمن إطباقه على المدينة وخرجوا من مساجد عدة وهم يهتفون للحرية، مما دفع قوات الأمن و«الشبيحة» إلى إطلاق النار عشوائيا وشن حملة اعتقالات كبيرة بين صفوف المتظاهرين المطالبين بالحرية. وأدى ذلك إلى مقتل شخصين هما مرعي الحمود وإبراهيم الدخول، كما تم جرح العشرات ومعالجتهم في المنازل خوفا من اعتقالهم في حال نقلهم إلى مستشفيات المدينة.

ويشير شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ريف مدينة دير الزور والقرى المحيطة بها بدأت تتحرك بشكل أكبر وتشارك في المظاهرات نصرة للمدينة التي نزح أعداد كبيرة من أهلها. ونشر ناشطون على مواقع الإنترنت مقاطع فيديو للعديد من المظاهرات في القرى والبلدات المحاذية للدير، أبرزها مظاهرة بلدة الشحيل التي نزل أهلها بالآلاف للتنديد بممارسات نظام الحكم والمطالبة بإسقاطه.

ويبدي ناشطون خشيتهم من أن تتوسع العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري، لتشمل هذه البلدات والقرى فيتم اقتحامها والتنكيل بأهلها كما حدث في المدينة.

ويتحدث أحد الناشطين من مدينة دير الزور لـ«الشرق الأوسط» عن أجواء المظاهرات التي عمت المدينة قبل اقتحامها من قبل دبابات الجيش السوري ويشير إلى انتهاكات بشرية ومادية خلفتها عملية الاقتحام. ويلفت إلى أنه في «البداية كانت المظاهرات محصورة في يوم الجمعة، وكنا نخرج نصرة لدرعا واحتجاجا على الممارسات القمعية بحق أهلها، وكانت دوريات الأمن تقوم بتفريقنا وتشن حملات اعتقال وفقا لصور يلتقطها مخبروها للمتظاهرين ويزودون الأمن بها». ويوضح أن «أجهزة الأمن اتبعت أسلوب تجنيد (الشبيحة)، حيث استدعوا جميع الحشاشين ومتعاطي المخدرات في المدينة وزودوهم بتعليمات لقمع المتظاهرين وضربهم، لقاء أجر مادي، إضافة إلى أنهم حاولوا زرع الفتنة بين العشائر عبر تجنيد أفراد من عشيرة معينة لقتل أبناء عشيرة أخرى، لأنها معارضة للنظام».

ويؤكد الناشط الذي تم اعتقاله ستة أيام مع العشرات من زملائه وأجبر على كتابة تعهد بعدم الخروج في مظاهرات معارضة، أن «التحول في احتجاجات دير الزور حصل حين انتشرت صور حمزة الخطيب وأخته هاجر وبقية الانتهاكات في مدينة درعا، إضافة إلى مجازر حماه وقتل أكثر من مائة شخص في يوم واحد في مختلف أحياء المدينة الجريحة منذ الثمانينات.

ويبدي الشاب اعتزازه «لأننا استطعنا أن نجذب أنظار العالم إلى مطالبنا بأساليب مختلفة، فتم استقدام شعراء باللهجة المحلية ليقولوا قصائد منددة بنظام بشار الأسد، وفي إحدى الليالي تم زف عروسين داخل أجواء المظاهرات، ووقفت العروس أمام الجميع وقالت: (ليسقط بشار الأسد)».

ويتحدث الناشط عن «انشقاقات كثيرة حصلت في صفوف الجيش السوري وأحدها في ثكنة (الجيش الشعبي)، حيث أمر ضابط برتبة عقيد جنوده بإطلاق النار على المتظاهرين، وحين رأى الجنود أن الأهالي سلميون، ويسقطون أمامهم بشكل وحشي، وجهوا سلاحهم إلى رئيسهم وقتلوه وانضموا إلى المتظاهرين».

ويلفت إلى أنه «بعد هذه الحادثة، أمر جامع جامع مسؤول الأمن العسكري في المدينة عناصره بإطلاق النار عشوائيا على المتظاهرين وقتلهم بدم بارد».

وكان تم اجتياح المدينة، التي يصل عدد سكانها إلى 1,516 مليون نسمة، من قبل الجيش السوري بتاريخ 7-8-2011 وقصف أحيائها بالقذائف المدفعية والرشاشات الثقيلة. ويقول الناشط الديري: «قام الجيش باقتحام البيوت وإهانة الأهالي، كانوا يضربون الناس بأعقاب البنادق، ويأمرون السكان رجالا ونساء وأطفالا بالنزول من منازلهم بثياب النوم»، لافتا إلى أن «أعداد القتلى تفوق بكثير ما تردد في وسائل الإعلام، إذ قاموا بتصفية عشرات الشباب، فضلا عن الذين ماتوا تحت التعذيب وهناك مقابر جماعية يضعون عليها حراسا كي لا يفتضح أمرها».

وفي حين يبدو من الصعوبة بمكان أن يتراجع أهالي دير الزور عن حقهم في التظاهر والمطالبة بإسقاط النظام بسبب «الدم وعدد الشهداء والجرحى والمفقودين الذين لن يذهب حقهم سدى»، يدحض الناشط السوري محاولة التلفزيون السوري تسويق وجود «عصابات مسلحة» في دير الزور. ويقول: «نحن مجتمع عشائري مترابط، جميعنا أقرباء، ونعرف بعضنا جيدا إلى درجة أن أي غريب يأتي إلى المدينة نلحظ حضوره فمن أين ستأتي العصابات المسلحة؟».

وتعتبر مدينة دير الزور امتدادا طبيعيا لبلاد الشام، وهي واحدة من أبرز المدن السياحية في سوريا، وتقع على الضفة اليسرى لنهر الفرات على مسافة 450 كلم شمال شرقي دمشق و320 كلم جنوب شرقي حلب.

وتعد محافظة دير الزور ثاني أكبر المحافظات السورية مساحة بعد محافظة حمص، أي ما يشكل 17.9 في المائة من مساحة البلاد. وتعتبر حقول النفط في بادية دير الزور الوحيدة في سوريا ومن أهم حقول إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي في الشرق الأوسط، إلا أن أهالي المدينة لا يستفيدون من وجود هذه الثروة النفطية. ويقول الناشط السوري في هذا السياق: «تم إحضار أكثر من عشرة آلاف موظف من محافظات الساحل السوري ليشغلوا جميع الوظائف الحكومية في معظم الشركات المعنية باستثمار النفط بالدير في ظل تهميش واضح لأهالي المدينة وانتشار كبير للبطالة في صفوف شبابها».