ملك البحرين: التسامح والابتعاد عن العنف هو ما نصبو إليه

أعلن الصفح عن الذين أساءوا إليه ولرجال المملكة آملا أن يعوا أن الإساءة لا تفيد

الملك حمد بن عيسى آل خليفة خلال إلقائه كلمة متلفزة أمس (أ.ب)
TT

أعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين في كلمة وجهها للبحرينيين مساء أمس بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان الصفح عمن اتهموا بالإساءة إليه ولرجال المملكة. وقال في كلمته: «إن من مسؤوليتنا أن نبادر بما نود أن نرى شعبنا عليه، فنحن ولله الحمد أقوياء بإيماننا وبوحدة شعبنا، وهذه القوة لا تمنعنا من مواجهة الأخطاء إن وقعت، فرغم التزامنا التام بتوفير الأمن والسلامة والطمأنينة لشعبنا، فإنه لا يرضينا أن يتعرض أي فرد من أفراد شعبنا بما يمس أمنه وحريته ومصدر رزقه وتحصيله العلمي، بما يبقي في نفسه مرارة تؤثر على عطائه لوطنه، فالتسامح والابتعاد عن العنف هو ما نصبو إليه وليس التشدد في العقاب بما يؤثر على وحدتنا وتلاحمنا وتعايشنا الوطني، وهذا يتطلب أن نبني جسور الأخوة والصداقة لتجتمع القلوب على ما هو خير للجميع، وعندما نرى العمال يزاولون أعمالهم والطلبة في طلب العلم، فإن تخلف البعض لسبب ما يلزمنا البحث في معالجة أمرهم ليلتحقوا بزملائهم، وبهذا يكتمل الركب في العمل بما يعود بالخير عليهم وعلى عائلاتهم وبلدهم، وهذه أوامرنا للمؤسسات المعنية بهذا الشأن وعليها المتابعة وبخطوات أسرع».

وأضاف قائلا: «أما فيما يتعلق بمن اتهم بجرائم ارتكبت في الفترة الماضية، ورغم أننا لا نرغب في التدخل في سير العدالة وتطبيق القانون فإننا نؤكد أن جميع قضايا المدنيين سيصدر الحكم النهائي فيها في محاكم مدنية، ونود أن نؤكد أننا لا نتطلع إلى محاكمة الجميع، فهناك من اتهموا بالإساءة لشخصنا ولرجال المملكة، ونحن في هذا اليوم نصفح عنهم، آملين أن يعوا أن الإساءة لنا ولغيرنا هي إساءة للجميع ولا تفيد بشيء».

وقال، مشيرا إلى الأحداث الأخيرة التي شهدتها البحرين: «هناك من مواطنينا من تعرض للإصابة وللمعاملة السيئة وللوفاة من مختلف الأطراف، فهناك رجال أمن استشهدوا وهم يقومون بواجبهم تجاه وطنهم، ونحن مسؤولون عنهم وعن عوائلهم، وهناك من قبض عليه، ومن ثم أثبت التحقيق أنه قد تعرض، وبصفة فردية، للمعاملة السيئة والإساءة وهو قيد الاحتجاز، وهذا شيء لا يرضي الله سبحانه وتعالى ولا يرضينا، فمن مسؤولية الدولة أن توفر لهم الحماية اللازمة حتى يأخذ القانون مجراه».

وأكد أنه لا بد «أن يعلم الجميع أنه في البحرين لدينا قانون يسمح للمتضررين من سوء المعاملة بطلب التعويض، وربما لا يفهم البعض هذه القوانين أو يظنون أنها لن تطبق بعدالة، لذلك سنطلب من المجلس الأعلى للقضاء متابعة تحقيق ما تقدم، وما اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق إلا خير دليل على التزامنا الكامل لمعرفة الحقيقة، ولإعطاء كل ذي حق حقه، شاكرين ومقدرين لهم صبرهم وجلدهم في عملهم النبيل».

وفي كلمته التي بثتها وكالة أنباء البحرين هنأ البحرينيين ببلوغهم موسم الخير في رمضان «معتزين بإحيائكم المجالس الرمضانية، وتلاقيكم الجميل في رحابها، فالالتقاء ونبذ الفرقة بين أبناء الشعب الواحد من العادات الحميدة التي ينبغي أن تستمر دائما وأبدا». وأشاد بالتوافق على مرئيات الحوار الوطني معتبرا أنه «يبشر بمستقبل زاهر لوطننا العزيز، وأن ما توافقتم عليه نحو مزيد من الإصلاح هو محل التقدير والترحيب والتأييد، كما نهنئكم بقرب حلول عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا وعلى بلادنا وعلى شعبنا وعلى جميع المسلمين، أعواما كثيرة وأزمنة مديدة، بالأمن والإيمان والسلام والصحة والعافية. آملين أن تشهد بلادنا العزيزة انطلاقة مثمرة من العمل المنتج والوئام والاستقرار في ظل مسيرتنا الإصلاحية الميمونة».

وأشار إلى الأحداث التي شهدتها البحرين قائلا: «إن المتأمل لما حدث من أحداث متلاحقة يدرك أن المخرج الوحيد والأمثل للنهوض من جديد هو وحدة الكلمة وجمع الصفوف ونبذ الفرقة والخلاف؛ امتثالا لأمر الله تعالى في قوله سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)».

واليوم من واجب الأمة أن تتناسى خلافاتها وأن تتوجه نحو وحدتها في خضم عالم لا يعترف إلا بالقوة، والقوة لا تصنعها بعد التوكل على الله إلا التكتلات الناتجة عن الوحدة والتلاحم، فالأمة تمتلك رصيدا حضاريا من الجوامع والمشتركات الكفيلة بتحقيق وحدتها على قواعد متينة، فهي أمة القبلة الواحدة والكتاب الواحد والرسول الواحد والإله الواحد لا شريك له سبحانه وتعالى. إن وحدة الأمة حلم ينشده المخلصون من أبنائها ويتنادى به كل عاقل فيها، وكما قال تعالى: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).

وقال: «كانت الفترة الأخيرة مؤلمة لنا جميعا، ورغم أننا نعيش في بلد واحد، فإن البعض قد غفل عن حتمية التعايش بين الجميع، وبناء عليه فإنه يجب علينا ألا نحيد عن ثقتنا وإيماننا بالمستقبل الواحد المشترك، وألا نفقد ثقتنا في بعضنا البعض، كإخوة وزملاء ومواطنين مهما تنوعت أطيافنا في هذا الوطن العزيز. إننا جميعا نشأنا على هذه الأرض الطيبة التي تضم الجميع، وتاريخنا يشهد بأن تعايشنا قد وضع بلدنا العزيز في مصاف الدول المتحضرة والمنتجة والمنفتحة والمتطورة في العالم، فلا أحد منا يريد أن يعيش وحيدا بطيفه، وأن يستبعد الآخرين. إن نجاحنا هو في إخائنا المتنوع في ثقافاته والمتوحد في وطنيته وحضارته».

وأضاف: «إن شهر رمضان المبارك قد أسهم في إعادة اللحمة، وصفاء القلوب بين أبناء شعبنا الواحد وأعاد ما في ذاكرتنا جميعا من تواصل وتراحم وإخاء ولدنا وترعرعنا جميعا عليه، وهذا خير دليل على أصالة شعبنا وقوة إيمانه ووطنيته الخالصة المشهودة».