دمشق ترفض «مبادرة الجامعة العربية» لوقف القمع.. وتعتبر بيان الوزراء العرب «كأنه لم يصدر»

دبلوماسي لـ «الشرق الأوسط» : المبادرة تنص على وقف العنف.. وتعديل المادة «8» من الدستور واستقبال لجنة تقص عربية

يوسف الأحمد مندوب سوريا يتابع حديث رئيس وفد ليبيا بعد الثورة
TT

في حين تحفظت دمشق رسميا أمس على بيان الجامعة العربية الذي دعا إلى «وقف إراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان»، معتبرة أن البيان «كأن لم يصدر»، أعلن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي استعداده لزيارة سوريا ما إن تصل إليه الموافقة من حكومتها. وتأتي جولة العربي في محاولة لإقناع النظام السوري بالمبادرة العربية التي صدرت عن الاجتماع الوزاري الطارئ للمجلس أول من أمس، وأحيطت بالسرية الكاملة، لكن مصدرا دبلوماسيا سوريا نفى وجود مبادرة عربية قائلا إن زيارة العربي لعرض نتائج المشاورات التي تمت خلال الاجتماع.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الخطوط العريضة للمبادرة العربية تركزت على قبول سوريا الوقف الفوري لإطلاق النار، والإفراج عن المعتقلين، والبدء في مسيرة الإصلاح السياسي مع التشديد على تعديل المادة الثامنة من الدستور السوري التي تنص على أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة.

وكان وزراء الخارجية العرب قد بحثوا اقتراحا عرضه وزير خارجية قطر حمد بن جاسم ووزير الخارجية العماني يوسف بن علوي لتشكيل لجنة عربية وزارية لزيارة سوريا لتفقد الأوضاع والقيام بجولة في المدن السورية لاتخاذ القرار المناسب بشأن الأزمة السورية، لكنه اصطدم بالرفض السوري.

وقال مصدر دبلوماسي رفيع بالجامعة العربية لـ«الشرق الأوسط» إن «الخطوط العامة للمبادرة العربية التي يحملها الدكتور نبيل العربي إلى الرئيس السوري بشار الأسد تنص على قبول سوريا استقبال دمشق لجنة وزارية عربية برئاسة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي رئيس الدورة الحالية والأمين العام ووزراء ست دول عربية أخرى تكون مقبولة لدى سوريا للوقوف على حقيقة الأوضاع في سوريا».

وأضاف المصدر أن المبادرة تتناول في خطوطها العريضة ضرورة وقف إطلاق النار على أبناء الشعب السوري، والإفراج عن المعتقلين في السجون السورية، وفتح باب الحوار بين كل الأطراف، وإجراء إصلاحات سياسية وتعديلات دستورية، خاصة المادة «8» من الدستور. وتابع بقوله إن «رئيس الوفد السوري السفير يوسف الأحمد اعتبر هذه المطالب تدخلا في الشأن السوري وتأثرا بما تناقلته وسائل الإعلام» التي وصفها بـ«المغرضة» والتي تحاول «النيل من أمن واستقرار سوريا».

لكن مصدرا سوريا، رفض الكشف عن هويته، نفى وجود «مبادرة عربية»، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «الأمين العام للجامعة سينقل للرئيس السوري نتائج المشاورات التي تمت خلال الاجتماع».

من جهته، صرح الأمين العام في معرض رده على سؤال للصحافيين حول موعد زيارته إلى سوريا، بأنه «على استعداد لزيارة سوريا اليوم قبل الغد من أجل حمل المبادرة العربية لحل الأزمة السورية»، مضيفا أنه ينتظر رد الحكومة السورية على طلب الزيارة.

وصدر عن الاجتماع الوزاري في ساعة مبكرة من يوم أمس (الأحد) بيان عبرت فيه الجامعة عن انزعاجها الشديد إزاء ما تشهده الساحة السورية من تطورات خطيرة أدت إلى سقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح من أبناء الشعب السوري، وشدد البيان على ضرورة وضع حد لإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان واحترام حق الشعب السوري في الحياة الكريمة الآمنة، وتطلعاته المشروعة نحو تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستشعرها الشعب السوري وتحقق تطلعاته نحو العزة والكرامة.

وشدد البيان على استقرار سوريا باعتبارها ركيزة أساسية في استقرار الوطن العربي والمنطقة بأكملها، واختتم البيان ببندين هما: «حرصا من المجلس على معالجة الأزمة السورية داخل إطارها العربي طلب من الأمين العام للجامعة العربية، القيام بمهمة عاجلة إلى دمشق، ونقل المبادرة العربية لحل الأزمة إلى القيادة السورية – وإبقاء المجلس في حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات».

وأكدت مندوبية سوريا لدى الجامعة العربية في مذكرة أرسلتها إلى الأمانة العامة للجامعة ووزعتها على سفارات الدول العربية في القاهرة أنها «سجلت رسميا تحفظها المطلق» على البيان، وأنها «تعتبره كأن لم يصدر، خصوصا أنه تضمن في فقراته التمهيدية لغة غير مقبولة وتتعارض مع التوجه العام الذي ساد الاجتماع».

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الجلسة شهدت حالة من التوتر الشديد، خاصة حينما عرض السفير السوري في القاهرة يوسف الأحمد ومندوبها الدائم لدى الجامعة، فيلما عما قال إنه عصابات مسلحة تروع المواطنين، وعناصر الجيش السوري والقوى الأمنية.

وكان الأمين العام للجامعة العربية قد انتقد بشكل ضمني قمع المظاهرات في سوريا في كلمته الافتتاحية أمام الاجتماع، وقال إن المنطقة العربية تشهد ثورات ومظاهرات تطالب بالإصلاحات، والتغييرات الجذرية، وقال إن هذه الثورات ليست من الصدف العابرة، بل هي نتائج إرهاصات، أملتها طبيعة التطور، وهي مطالب مشروعة يرفع لواءها الشباب العربي المواكب لعصره، مؤكدا ضرورة التجاوب مع هذه المطالب دون تأخير.

وتابع العربي بقوله إن «التجارب أثبتت عدم جدوى المنحى الأمني واستعمال العنف ضد الثورات والانتفاضات والمظاهرات التي تطالب بإحداث التغييرات الجذرية في العالم العربي»، معتبرا أنها «مطالب مشروعة يرفع لواءها الشباب العربي الواعد ولا بد أن نتجاوب مع هذه المطالب دون تأخير». وأضاف أن الجامعة العربية تتعرض لضغط متزايد من الرأي العالم العربي فيما يتعلق بهذه التطورات، وهي تحتاج إلى مواكبتها، وأردف قائلا «أنا أنوي أن أتقدم للمجلس في دورته القادمة، بتصور حول هذا الموضوع ودور الجامعة العربية في المرحلة القادمة».

وأكد العربي في كلمته على متابعة جامعة الدول العربية للتطورات في ليبيا، وخاصة فيما يتعلق بالجانب الإنساني، مشددا على ضرورة الإفراج عن جميع الأموال الليبية المجمدة للاستفادة منها في إعادة البناء والإعمار، وبناء المؤسسات الدستورية، في إطار الحفاظ على وحدة ليبيا، وكذلك العمل على إطلاق مشاريع لإعادة البناء. ونبه إلى أهمية الدعم العربي لتوجه فلسطين لطلب عضوية الأمم المتحدة، مجددا الدعوة في هذا الإطار إلى الالتزام العربي بدفع الحصص المالية لدعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الضغوط الإسرائيلية.