سجين أميركي أطلق الثوار سراحه: قضيت أيامي أتسلى بتعلم لغات على عبوة حليب

فانديك قال إنه لم يصدق عندما أخبروه بأن «القذافي انتهى».. وسجناء ترددوا في الفرار خشية أن تكون خدعة

TT

خشي كاتب وصانع أفلام أميركي أن يصبح واحدا من ضحايا الديكتاتور الليبي معمر القذافي المنسيين، بعد أن انتهى الأمر به داخل أحد أسوأ السجون الليبية سمعة خلال الثورة ضد معمر القذافي، ألا وهو سجن أبو سليم. وعندما أطلق سراحه، قال ماثيو فانديك إنه لم يصدق في أول الأمر أن محنته قد انتهت.

وتمكن حشد من الناس من أن يفتحوا زنزانته في ليبيا بعد ستة أشهر من الحبس الانفرادي. وخشي من أن يكون هذا حشدا غاضبا يعتقد أنه جاسوس لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. ولكن كانوا ثوارا وسجناء يسعون لإخراج الكاتب (32 عاما)، الذي أتى من بالتيمور من سجنه في أبو سليم داخل طرابلس، بحسب ما قال لـ«أسوشييتد برس».

وكان جنود موالون للعقيد القذافي قد أسروا فانديك في مارس (آذار) داخل مدينة البريقة النفطية شرق البلاد، وبعد ذلك ظل بمعزل عن العالم لستة أشهر داخل العاصمة. وقال فانديك أمام فندق بطرابلس يعيش فيه حاليا: «كنت في البريقة، في ذلك اليوم كنت ألتقط صورا للبلدة. كنت مع المتمردين في شاحنة وتم نصب كمين لنا. لدي صورة واحدة، فالذاكرة عادت لي في وقت لاحق لكنني فقدت الوعي. لكنني أتذكر أنني كنت ألتقط صورا لأناس يبتسمون في البلدة، ثم استيقظت في زنزانة بجوار رجل يجري تعذيبه في غرفة، وأنا لا أدري ماذا حدث»، بحسب وكالة «رويترز».

وأضاف: «كنت في حبس انفرادي طوال الوقت، ولم يكن أمامي القيام بشيء سوى النظر إلى الحائط»، وكان الكاتب الملتحي يرتدي ملابس السجن القاتمة الفضفاضة، وهي الملابس الوحيدة التي لديه.

وتحدث عن أشهر من الإجبار على العيش بمعزل عن العالم من دون شيء يقوم به كنوع من «التعذيب النفسي»، ولم يدرك أن عيد ميلاده الثاني والثلاثين قد جاء وانقضى. وكان يسلي نفسه بقراءة المحتويات على عبوات الحليب التي كانت تأتيه مع وجباته.

ويستذكر فانديك ذلك قائلا: «عندما جاءتني عبوة حليب ألماني عليها خمس لغات، كان ذلك ممتعا، فقد احتفظت بهذا الصندوق وحاولت تعلم الكلمات بلغات عدة. كنت أفعل أي شيء لأتحول عن التحديق في الحائط».

وكان تواصله الوحيد مع البشر عبر الحراس الذين يحضرون إليه الطعام. وعندما تحول إلى سجن أبو سليم في طرابلس، كانوا يقومون بتمرير أطباقه عبر فتحة صغيرة. كان يخشى من أنه سيبقى بمعزل عن العالم الخارجي لعقود، ولن يعرف أحد ما إن كان حيا أم ميتا.

لم يأت فانديك إلى ليبيا في مارس (آذار) للعمل، ولكن من أجل زيارة أصدقاء ليبيين كان لهم دور في الأيام الأولى من انتفاضة ضد القذافي في الشرق، وكان قد أتم رحلة سفر إلى العراق ومر بإيران ووصل إلى أفغانستان بدراجة نارية.

وكان يركب على شاحنة عبر مدينة البريقة النفطية يلتقط صورا لأطفال يبتسمون عندما أسرته قوات حكومية على غفلة من أصدقائه الثوار. ولا يتذكر ما حدث بعد ذلك، ويقول: «بعد ذلك استيقظت في زنزانة ورجل يعذب في الغرفة التي تعلوني»؛ أخذوا صوره وكاميراته واستجوبوه لفترة وجيزة، وبعد ذلك نقلوه إلى سجن في طرابلس حيث بقي 85 يوما في زنزانة ضيقة لا مكان فيها للحركة.

أخذت قوات القذافي نحو اثنا عشر صحافيا أجنبيا في معارك القتال شرق ليبيا، كان من بينهم فريق من «نيويورك تايمز» ووكالة الصحافة الفرنسية، وعدد من الصحافيين الآخرين. وأطلق سراحهم جميعا خلال أسابيع، باستثناء مصور جنوب أفريقي يدعى أنتون هامرل ترك ميتا في الصحراء بعد أن أطلقت القوات الحكومية النار عليه.

ليس لدى فانديك أي تاريخ إعلامي، وليس واضحا ما إذا كان نظام القذافي يعرف ما يقوم به أو سبب إلقاء القبض عليه، وأنكرت الحكومة وجوده حتى أسابيع قليلة مضت.

وعلى ضوء مصباح بسقط الزنزانة بحجم طبق غذاء، كان يسجل أيامه في الحبس الانفرادي على الحائط إلى جوار علامات تركها آخرون كانوا في هذه الزنزانة من قبله. وكان الصف الذي سجله ضعفين أو ثلاثة أضعاف ما تركه الآخرين.

ويقول: «حينها أدركت أن هناك مشكلة كبيرة مرتبطة بي»، وفي النهاية نُقل إلى أبو سليم من دون توضيح. في عام 1996، نفذ القذافي مذبحة ضد 1200 سجين في أبو سليم. ولكن وجد فانديك ذلك تطورا، حيث كانت هناك الزنزانة أكبر وبها حمام. ويقول: «كانت هناك مساحة أكبر للتحرك، ولذا بدأت أتحرك للأمام والخلف حتى يمكني النوم»، وقال إنه بدا الحراس مرتبكين بخصوص سبب أسره. وتناقلت بينهم إشاعات عن أنه يمكن مبادلته كجاسوس لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أو عميل لتنظيم القاعدة.

وبعد ذلك، جاء يوم سمعت فيه سلسلة من الضوضاء، وبعد ذلك استطاع أن يسمع حشدا يقتحم البوابات وصولا إلى زنزانته. وعندما فتح باب زنزانته، توقع إعدامه كجاسوس لوكالة الاستخبارات المركزية. ولكنهم انتقلوا إلى الزنزانة المجاورة. ويقول الكاتب: «قال أحدهم (انتهى القذافي) ولم أصدق ذلك».

وتردد سجناء آخرون في ترك الزنازين، وحسبوا أنها ربما تكون خدعة. وقابل فانديك سجينا يتحدث الإنجليزية ومسجونا منذ 15 عاما. وساعده الرجل على الوصول لمأمن في مسجد مجاور حيث كان الناس يوزعون الطعام على الهاربين.

وبعد هربه، تحدث فانديك مع أمه، ووصف المحادثة بأنها كانت «عادية بصورة مفاجئة». ولا يخطط لأن يعود إلى أرض الوطن في الوقت الحالي، حيث يرغب في العثور على أصدقائه الليبيين الذين قابلهم لآخر مرة في البريقة. يقول إنه أخبرهم بأنه «سيبقى حتى تتحرر ليبيا».