خيارات العلاج القليلة أمام الأفغان تتسبب في زيادة تعاطي المخدرات

الجسر المحروق في كابل أكثر الأماكن التي يلجأ إليها مدمنو الأفيون

يتعاطى غالبية المدمنين الأفيون كمخدر أساسي لرخص ثمنه (نيويورك تايمز)
TT

فاض النهر ذات مرة أسفل جسر بوليسوختا المنخفض، لكن هذا المجرى المائي الهزيل بات يغص الآن بالنفايات، وانتشرت على شاطئيه أكوام الفضلات وعشرات من مدمني الهيروين والأفيون الذين يتوارون في الظلام، بعضهم يتعلق مثل الفراشات بالقرب من دعامات الكوبري، الذي يتساقط في ضباب دخان المخدرات.

عندما يغامر الغرباء بالدخول إلى هذه المنطقة، يلتف حولهم العشرات من المدمنين (هناك 200 إلى 300 كل يوم) لرؤية الوافدين الجدد. غالبية الزوار هم من موظفي الرعاية الصحية الذين يحاولون إقناع هؤلاء المدمنين في زيارة المستوصف الطبي من أجل الاستحمام والكشف الطبي.

سأله أحدهم وقد بدا قميصه المتسخ فضفاضا على جسده النحيل: «هل أنتم تتلقون الأسماء من أجل العلاج؟ سجلني للعلاج، اسمي زين الله».

هذه واحدة أخرى من المآسي التي تعاني منها أفغانستان، والمتمثلة في تفاقم مشكلة تعاطي المخدرات والمشكلات الصحية المرتبطة بها، وأقلها مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) الناتج عن مشاركة المدمنين في تعاطي الحقن من إبر مشتركة، وهناك نحو 900000 مدمن في أفغانستان في عام 2010، بحسب إحصاءات مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، الذي أشار إلى زيادة ملحوظة في أعداد مدمني المخدرات في أفغانستان عن العام الماضي، وهو ما يعني أن نحو 7 في المائة من السكان البالغين، البالغ عددهم 14 مليون نسمة، يتعاطون المواد المخدرة.

يتعاطى غالبية المدمنين الأفيون كمخدر أساسي، لما يتمتع به من نقاء غير عادي ورخص ثمنه، حيث تعتبر أفغانستان أكبر منتج للأفيون. ينتج الأفيون ويباع هنا بكل مشتقاته مثل الهيروين. وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى وجود ما يقرب من مائة وخمسين ألفا ممن يتعاطون الأفيون كمخدر أساسي يستخدمون حقن الهيروين.

وقد أظهرت البحوث التي أجريت أن 12 إلى 41 في المائة من الشرطة عادة ما تكون نتائج تحاليل تعاطي المخدرات بالنسبة لهم إيجابية نتيجة تعاطيهم لنوع من المخدرات، وغالبهم يدخنون بشراهة، بحسب تقرير صدر مؤخرا، من قبل مكتب المحاسبة الحكومية.

ومن بين المؤشرات الأخرى على هذه المشكلة التقرير الذي أصدرته مؤخرا وزارة الصحة العامة بالشراكة مع جامعة جون هوبكينز، التي وجدت تضاعف أعداد مرضى نقص المناعة المكتسبة في نسبة 7 في المائة من متعاطي المخدرات خلال السنوات الثلاث الماضية، بحسب فهيم بايغام، الذي يدير (حتى وقت قريب) برنامج السيطرة على الإيدز التابع لوزارة الصحة العامة.

وعلى عكس الكثير من الدول، التي ينتقل مرض نقص المناعة المكتسبة فيها بشكل أساسي عبر العلاقات الجنسية، ينتقل المرض في أفغانستان عبر تقاسم الإبرة.

ويعتبر جسر بوليسوختا - يعني الجسر المحروق - وجسر آخر قريب منه أكثر الأماكن التي يلجأ إليها مدمنو الأفيون والهيروين في كابل، الذين اعتادوا التجمع في أطلال مركز الثقافة الروسية على الناحية الشرقية من المدينة. وقد طردوا من هذا المكان بالقوة في أواخر عام 2010 على الرغم من أن البعض لا يزالون موجودين في الحي، لكن الكثيرين منهم لجأوا إلى الجسور, البعض منهم يأتي إلى هنا بصورة يومية لشراء وتعاطي المخدرات، ويزحفون إلى الأركان المظلمة لتعاطي الحقن أو التجمع في مجموعات صغيرة لتسخين مسحوق الأفيون حتى يتحول إلى سائل أسود ويطلق الدخان الذي يستنشقونه.

المنطقة أسفل الجسر كانت مكتظة بالسرنجات البلاستيكية، وطوال ستة أيام من الأسبوع يقوم فريق مكون من مدمنين سابقين وممرضين وعدد من عمال الرعاية الاجتماعية، من منظمة أطباء العالم الفرنسية، منظمة غير ربحية، بالخوض في هذه الدائرة من الجحيم، حاملين حاويات بلاستيكية ضخمة في يد، وماسك بيدين طويلتين لجمع هذه الإبر من القمامة، ومن الشائع أن يلتقط الفريق ما بين 160 إلى 170 إبرة كل صباح، ويسلمونهم إبرا جديدة وماسحا مغموسة في الكحول، وتقوم الممرضات بمعالجة جراح المدمنين في الأماكن التي حقنوا أنفسهم بها مرات كثيرة.

ليس كل المرضى متأكدين من أنهم قادرون على قبول العلاج، والبعض منهم لا يكترثون لذلك على الإطلاق، فيقول شاب طويل بالغ الهزال وقد برزت عظامه: «أنا بوبي ديفل هذه المدينة»، وبوبي ديفل هو اسم لشخصية جسدها ممثل هندي.

وأضاف: «أنا أتعاطي المخدرات منذ أربع سنوات. والليلة الماضية عندما دخلت إلى المنزل دون مال أو فاكهة طردتني زوجتى وأولادي من المنزل، وقالوا لي: «أنت مدمن مخدرات.. أنت كلب».

عندما سئل: «هل تستطيع أن تقلع عن المخدرات؟»، رد وهو يتكئ للنوم: «حسنا، لا أعرف، فزوجتي والمخدرات في غاية القوة».

ويقول الكثير من المدمنين إنهم يرغبون في التوقف عن تعاطي المخدرات، لكن خيارات العلاج محدودة. وتدير الحكومة بمساعدة عدد من المنظمات غير الربحية الكثير من مراكز علاج الإدمان، وتقوم ببناء سبعة أخرى. لكن هذه المراكز لا تقدم دعم ما بعد الشفاء من الإدمان، ولذا فإن نسبة الرجوع إلى الإدمان تصل إلى 92 في المائة، بحسب تقارير وزارة مكافحة المخدرات، التي تدير هذه المراكز. وقد حجبت وزارة مكافحة المخدرات العلاج الأنجع (علاجا بديلا للمخدر) على الرغم من المناشدات التي قدمتها وزارة الصحة العامة التي أبدى أطباؤها قلقا متزايدا، بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة.

وقال الدكتور بايغام: «نتائج بدائل الأفيون مثل الميثادون بالغة الفعالية». وأضاف: «إذا توقفت عن استخدام الهيروين، فستتوقف عن استخدام الحقن، وإذا توقفت عن استخدام الحقن فستقل مخاطر انتشار مرض الإيدز».

يتم تناول الميثادون عن طريق الفم، بيد أن المسؤولين في وزارة مكافحة المخدرات حذرون بشأن ذلك، ربما لأن لديهم خبرة أكبر في علاج الإدمان، ويقولون إن بدائل الأفيون لا تشفي من الإدمان.

ويقول محمد إبراهيم، نائب وزير مكافحة المخدرات: «إنها وجهة نظر في أفغانستان أن تستبدل مدمنا بآخر».

وقد قوضت الوزارة جهود مشروع بديل الأفيون الوحيد في البلاد، مشروع تجريبي تديره منظمة أطباء العالم ويشرف على تقديم الميثادون إلى 70 في المائة من المدمنين. وكان البرنامج قد لقي دعما من منظمة الصحة العالمية والمشاركين فيه، حتى إن هناك قائمة انتظار لطالبي العلاج في هذا البرنامج. بيد أن الوزارة كانت قد حجبت استيراد الميثادون ما حال دون التزام المشاركين المدمنين في البرنامج.

حتى الآن لا يزال المشروع التجريبي قائما، لكن لا يسمح له بالانتشار.

ويتوقع أن ترتفع أعداد المدمنين العام الحالي، وقد بدأ الكثير من الأفغان في تعاطي المخدرات عندما توجهوا للعمل في إيران التي تعاني من أسوأ مشكلات المخدرات في العالم. من المثير للدهشة أن السلطات الإيرانية تقوم بطرد المدمنين الأفغان ويقومون بإعادتهم عبر الحدود مرة أخرى. ويروي عدد محدود من المدمنين الأفغان أنهم حاولوا الإقلاع عن المخدرات في إيران التي تملك نظاما شاملا لمستوصفات العلاج بالميثادون.

فيقول زين الله (19 عاما) مواطن من قبيلة الهزاري: «كنت هناك بمفردي، ولم يكن هناك أحد من عائلتي ذهبت هناك للبحث عن عمل وبدأت في تدخين الهيروين. ما من أحد يحب الإدمان، لذا أرسلتني عائلتي إلى هنا كي أقلع، وبدلا من ذلك أنام تحت الجسر وزادت جرعتي منذ أتيت إلى هنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»