مصادر : «شبيحة» هددوا بالإضراب بعد عجز النظام عن دفع رواتبهم

قالت لـ «الشرق الأوسط»: يتقاضون 100 دولار يوميا.. والأرقام تتصاعد في يوم الجمعة

TT

يبدو أن حالة التماسك التي ظهر عليها النظام السوري منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا قبل 5 أشهر أصبحت على المحك، فطوال تلك المدة كان نظام الأسد يعتمد في قمع مظاهرات مواطنيه على قوات الجيش وعناصر «الشبيحة»، إلا أن كليهما بدأ في الخروج من تحت طاعته رويدا رويدا، وهو ما قد يغير من المعادلة على الأرض قريبا وقد يرسم سيناريو مفاجئا لنهاية الأحداث التي خلفت 2200 قتيل، وفقا لتقديرات ناشطي حقوق الإنسان السوريين.

وخلال المظاهرات الحالية كان لـ«الشبيحة» دور بارز في إسكات المعارضين، حيث استعانت بهم السلطات الأمنية لضرب المتظاهرين والاعتداء عليهم وقتل بعضهم بحسب شهود عيان.

لكن تراجع السيولة المادية لدى النظام السوري جنبا إلى جنب مع استمرار المظاهرات لفترة طويلة، أدى إلى عجز النظام عن دفع أجور «الشبيحة» بشكل أغضبهم وربما يخرجهم من الصورة في قابل المظاهرات، فللمرة الأولى منذ بدء فرض عقوبات على النظام السوري، اعترفت دمشق بتأثير العقوبات، إذ قال حاكم المصرف المركزي السوري، أديب ميالة، إنه سيكون على السوريين «شد الأحزمة»، وأضاف ميالة: «سنواجه صعوبات متزايدة بسبب العقوبات والأحداث»، وهو ما أكد نتيجته المصدر الذي كشف عن أن «الشبيحة» هددوا بإضراب عن العمل في حال استمرار انقطاع أرزاقهم، وعدم دفع مستحقاتهم بصورة فورية وعاجلة، كما تواردت أنباء أن أعدادا كبيرة من عناصر «الشبيحة» في دمشق قد غادرت إلى اللاذقية ومحافظات أخرى بعد أن توقفت الجهات الداعمة عن دفع مستحقاتهم.

وكشف مصدر خاص لـ«الشرق الأوسط» أن راتب «الشبيح» يصل يوميا إلى 5000 ليرة سورية (100 دولار أميركي) في حلب، بالإضافة إلى توفير سيارات لنقلهم بعكس باقي مناطق سوريا حيث يأخذ «الشبيح» يوميا 2000 ليرة (42 دولارا أميركيا) فقط، لكن اللافت هو الأرقام الفلكية التي يتقاضاها «الشبيحة» عن استغلالهم يوم الجمعة، فرغم أنه يعرف أنهم يتقاضون 2000 ليرة فقد كشف المصدر أنها تبلغ بين 7000 و10000 ليرة عن يوم الجمعة الذي يعتبر أكثر أيام الأسبوع السوري احتجاجا ودموية، وهو ما لم يعد النظام قادرا على توفيره الآن بشكل سريع ومستمر، وربما تلعب تلك الأزمة دورا كبيرا في انكماش سيطرة النظام على بعض المدن التي لم تخرج بعد في مظاهرات حاشدة لسيطرة «الشبيحة» عليها.

فوفقا لسيف مللي، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» من حلب تحت اسم مستعار، فإن «الشبيحة» يلعبون دورا كبيرا في عدم انضمام حلب لركب المدن الثائرة بشكل مؤثر وفعال، حيث قال مللي: «(الشبيحة) يسيطرون على المدينة، هم في كل مكان، ولا يترددون في إعمال القتل دون أي حسابات».

ولا يقتصر دور «الشبيحة» على قمع المتظاهرين بل يمتد لفرض سيطرة النظام على الجيش نفسه ومراقبة تحركاته بشكل لا يسمح بعدم تنفيذ الأوامر، حيث قال شاهد عيان من درعا، إن «الشبيحة» يقومون بمراقبة حركة الضباط والاتصال بالمسؤولين وإعطائهم تقارير عن تحركاتهم ومكالماتهم، حيث قال لـ«الشرق الأوسط»: «الجيش كله في قبضة (الشبيحة)».

ويواصل الشاهد حديثه قائلا: «في بداية الاحتجاجات، لم نكن نرى (الشبيحة) مع رجال الأمن مثلما هو الحال الآن، إذ كانوا يندسون في صفوف المحتجين لبث الفوضى والقيام بأعمال العنف، حتى يتسنى للسلطة الطعن في شرعية المظاهرات»، ثم تابع قائلا: «لكن الآن ومع ثبوت كذب الاتهامات، أصبحنا نرى (الشبيحة) مع رجال الأمن علنا»، لكنه أضاف: «هم يراقبونهم بشكل كبير».

وينشط «الشبيحة» في مجموعات ليس لها هيكل مؤسساتي أو تنظيمي معروف، لذا لا يمكن تحديد أعداد أفرادها بدقة، لكن تقديرات لمنظمات حقوقية سورية تشير إلى أنهم ما بين 5 و10 آلاف شخص، يتمركزون في مناطق جغرافية تعرف بولائها للنظام مثل في القرداحة وجبلة وطرطوس واللاذقية وأغلب قرى الساحل العلوية، المثير أن شكاوى «الشبيحة» الآن من تأخير دفع أجورهن الفلكية قد يشكل أزمة للنظام السوري الذي يعتمد عليهم بشكل أساسي لبسط سيطرته على الأرض.

ومن جانب آخر، فإن النظام السوري يواجه أزمة أخرى كبيرة تتعلق بانشقاق مئات الضباط والجنود من صفوفه، وجاء في بيان على الإنترنت للضباط الأحرار وهي مجموعة تقول إنها تمثل المنشقين أن انشقاقات كبيرة وقعت في حرستا (ريف دمشق)، وإن قوات الأمن والمسلحين الموالين للأسد (الشبيحة) تطارد المنشقين، حيث حدث هناك أول اشتباك معلن بين الجيش والمنشقين، وذلك وفقا لروايات أحد سكان المدينة عبر الهاتف، حيث قال: «الجيش أطلق نيران الرشاشات الثقيلة طوال الليل وكان يلقى ردا من بنادق أصغر»، وهذا أول انشقاق يجري الإبلاغ عنه حول العاصمة حيث تتمركز القوات الأساسية للنظام. وتنفي السلطات السورية مرارا حدوث أي انشقاق في الجيش.

وقال مصدر في تنظيم الضباط الأحرار لـ«الشرق الأوسط» إن أعداد المنشقين جد كبيرة، وإن النظام يحاول التعتيم على الأمر بشتى الطرق والوسائل. وكشف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن الضباط الأحرار بصدد تنظيم أنفسهم على الأرض بغرض مواجهة قوى الجيش التي تعتدي على المدنيين العزل.

وإذا صحت أنباء تنظيم المنشقين لأنفسهم ونجحوا في مسعاهم فعلا، فإن ذلك ربما يشكل أكبر خطر ممكن على نظام بشار الأسد منذ بداية الاحتجاجات التي يصر المعارضون والأهالي على أنها سلمية، بينما تؤكد دمشق أنها تتضمن وجود عصابات مسلحة تقتل المدنيين وقوى الجيش.

وأوضح أشرف المقداد، رئيس إعلان دمشق في أستراليا، أن الحل في سوريا لن يأتي إلا من خلال استخدام السلاح ضد عصابات الأسد، على حد قوله، حيث قال لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة تكمن في أن الثوار يواجهون جيشا مدججا بالسلاح، وللتغلب عليه لا بد أن تتحول الثورة إلى ثورة مسلحة»، وستكشف الأيام القليلة المقبلة عن الخطر الذي يمكن أن يشكله تنظيم الضباط الأحرار على مجرى الأحداث في سوريا خصوصا مع العلم بأن التنظيم يفتقر إلى التسليح الثقيل أو القيادة العليا التي يمكن أن تدير معركة على الأرض مشابهة للأنموذج الليبي حيث انتصر الثوار المسلحون في مواجهة كتائب القذافي، كذا الخطر الذي ستلعبه الأزمة الاقتصادية التي تواجهها دمشق في توفير السيولة المطلوبة لحشد «الشبيحة» لقمع المظاهرات وهما العاملان اللذان ربما يؤكدان أن سيطرة نظام الأسد على الأرض بفعل ترسانته العسكرية قد تتلاشى مع مرور الوقت وهو ما قد يفرض سيناريوهات مختلفة للنهاية.