بداية دامية للعيد في العراق.. والشبهات تتجه إلى «القاعدة» في تفجير «أم القرى»

مقرب من رئيس الوقف السني المستهدف لـ «الشرق الأوسط»: تلقى تهديدات بعد خطبة تنتقد الأسد

TT

شيعت أمس جثث ضحايا التفجير الانتحاري الذي استهدف الليلة قبل الماضية جامع «أم القرى» مقر الوقف السني في بغداد، وأسفر عن مقتل 28 شخصا بينهم نائب في البرلمان. واتهم الشيخ أحمد عبد الغفور السامرائي، رئيس الوقف السني، المستهدف بالتفجير، تنظيم القاعدة محملا إياه مسؤولية الحادث، بينما كشف مصدر مقرب من الأخير عن تلقيه تهديدا بعد انتقاده في خطبة جمعة مؤخرا نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وكانت أشلاء جثث مقطعة لا تزال تنتشر في باحة مسجد أم القرى صباح أمس، وتناثر حطام زجاج النوافذ الملون، بينما انتشرت أشلاء ودماء الضحايا على الجدران الرخامية. وتجمع في الحديقة خارج مبنى المسجد، الذي أنجز بناؤه في عهد الرئيس السابق صدام حسين، نحو أربعين رجلا، حول جثة عبد الرزاق محسن السامرائي، الموظف في الوقف السني وقد لف جثمانه بالعلم العراقي ووضع في تابوت ثم جرى نقله ليوارى الثرى.

وكان مسؤول في وزارة الداخلية العراقية أعلن مقتل 28 بينهم النائب خالد الفهداوي الذي ينتمي إلى تحالف الوسط المتحالف مع القائمة العراقية وإصابة 37 آخرين. لكن مسؤولا في وزارة الدفاع العراقية أكد وقوع ثلاثين قتيلا و34 جريحا في الاعتداء.

وقال الشيخ أحمد عبد الغفور السامرائي، إمام المسجد، إن «الانتحاري دخل بين المصلين وهو يخفي المتفجرات في لباسه الداخلي، ولف ضمادا حول يده وتظاهر بأنه مريض». وأكد السامرائي المعروف بمواقفه الشديدة ضد «القاعدة»، أن الانتحاري الذي قال إنه ينتمي إلى تنظيم القاعدة، كان يترصده ويحاول الاقتراب منه، لكنه لم يتمكن وفجر نفسه على بعد ثلاثة أمتار منه، حسب ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف قائلا للصحافيين «أتوجه إلى العالم ليعرف من هو تنظيم القاعدة (..) عليهم ألا يبرروا لهم. هؤلاء لم يتركوا حرمة مسجد ولا طفل صغير، إلا وانتهكوها». وتابع «لا تحسبوهم على العراقيين، لا على السنة ولا على الشيعة. هؤلاء إرهابيون، والإرهاب ليس له دين».

من جهته، وجه نائب رئيس ديوان الوقف السني الشيخ محمود الصميدعي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة، قائلا إن «الأمر لا يحتاج إلى كثير تأمل لكي نفكر من هي الجهة التي قامت بتنفيذ هذا العمل، حيث إن الاستهداف قاعدي بكل وضوح»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن «المستهدف الأول في هذا العمل الإرهابي هو رئيس ديوان الوقف السني». وحول دوافع استهداف السامرائي، قال الصميدعي إن «الشيخ السامرائي هو أحد أعمدة الوسطية والاعتدال في العراق، وهذه ليست هي المرة الأولى التي يستهدف فيها، وأنه يقف ضد المشاريع التي تنفذها جهات إقليمية على حساب وحدة الشعب العراقي». وبشأن تحديد الجهة التي يقصدها بذلك، قال الصميدعي «نحن نرى أن إيران هي الطرف الإقليمي الذي له مصلحة كاملة في ضرب المشروع الوطني لنا وهو مشروع الاعتدال والوسطية». وأوضح أن «هناك أسئلة باتت معروفة وتتعلق بالتمويل والتوجيه وإدخال السلاح بأنواعه إلى هؤلاء الذين يستهدفون في المقدمة من بين ما يستهدفون من العراقيين أهل السنة مثلما تشير الإحصاءات بدءا من أئمة الجوامع إلى الدعاة إلى المصلين في الجوامع، وهذه أمور باتت للأسف مسكوتا عنها». يذكر أن السامرائي كان قد هاجم نظام الرئيس السوري بشار الأسد من على منبر خطبة الجمعة الماضية، بسبب ما سماه «المجازر التي تقترف ضد أشقائنا من أبناء الشعب السوري»، مطالبا بإيقاف «الممارسات القمعية التي تستهدف المدنيين العزل في سوريا». وحسب مصدر مقرب من الشيخ السامرائي، تحدث لـ«الشرق الأوسط» في لندن، فإن «رئيس الوقف السني كان قد تلقى خلال اليومين السابقين لحادث التفجير الانتحاري عدة تهديدات بالقتل على خلفية خطبة الجمعة»، مشيرا إلى أن «الشخص الذي فجر نفسه جاء من وراء الحدود وتوغل في العمق العراقي وصولا إلى بغداد من غير أن تقبض عليه السلطات الأمنية». وأضاف المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه، قائلا إنه «كان على الجهات الأمنية أن تتخذ المزيد من الاحتياطات لحراسة مسجد أم القرى، خاصة أن الشيخ السامرائي مستهدف وتم تهديده من قبل نظام عربي مجاور للعراق بسبب دفاعه عن أشقائنا من أبناء الشعب السوري».

إلى ذلك، حظي هذا الحادث بإدانة واسعة من قبل القيادات السياسية العراقية. فقد اعتبر الرئيس جلال طالباني في بيان التفجير «محاولة للعودة بالبلاد إلى زمن الاحتراب الطائفي والحيلولة دون استقرار الوضع الأمني وعرقلة التفاهمات بين القوى السياسية». ودعا «رجال الدين والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين كافة إلى إحباط مخططات المجرمين، وقطع الطريق عليهم». من جهته، دعا رئيس الوزراء نوري المالكي في بيان القوات الأمنية والمواطنين إلى «تشديد ضرباتهم على الإرهابيين وأعوانهم»، معتبرا أن التفجير «لن يؤثر على مسيرة العراقيين في بناء بلدهم».