موالٍ للقذافي جريح ومعتقل: العقيد منحنا الكرامة

لم يشاهد قناة «العربية» أو «الجزيرة».. وصدق تقارير تلفزيون الدولة

TT

ألقى فرج محمد نظرة مليئة بالقلق والمكر على غرفة المستشفى التي يوجد بها، وهي النظرة نفسها التي كان يظهرها سكان طرابلس عندما يتحدثون بصورة سيئة عن العقيد الليبي معمر القذافي.

«أنا شخصيا مستعد للموت ألف مرة للدفاع عن القذافي، ومستعد للموت الآن. أنا أحبه لأنه منحنا الكرامة ولأنه رمز للوطنية في البلاد».. كانت هذه هي كلمات محمد، وهو جندي يبلغ من العمر 20 عاما ويرقد في المستشفى أسيرا بعدما تم اعتقاله من قبل الثوار الذين أطاحوا بالعقيد الليبي معمر القذافي.

وبعد أسبوع من نجاح الثوار في اختراق العاصمة الليبية طرابلس، ذكر محمد بالعقبات التي تواجه الحكومة الانتقالية الجديدة التي لا تزال تتشكل، حيث لا تزال مدينة سرت وهي مسقط رأس محمد وكذلك العقيد القذافي، تحت سيطرة القوات الموالية للزعيم الليبي المخلوع، وهو الوضع نفسه في سبها في الجنوب وبني وليد في الغرب. وفي اللحظات التي يكون فيها الحراس بعيدين عن سماعه، كان محمد يعبر عن مزيج من الولاء للعقيد القذافي والخوف من الفوضى من بعده، وهو ما يدفع المقاتلين إلى الالتفاف حول قضيته الخاسرة حتى بعد انهيار سيطرته على الأمور. وفي الوقت الذي يدافع فيه محمد عن القذافي، اختفى العقيد الليبي عن الأنظار، وفرت زوجته صفية وابنته عائشة ونجلاه محمد وهانيبال إلى الجزائر يوم الاثنين الماضي، ولحقت بهم زوجتا محمد وهانيبال وأولادهما في ما بعد.

وقال محمد إنه حارب خوفا من المستقبل من دون العقيد القذافي، وأضاف «سوف تندلع هذه الحرب مرة أخرى، وسوف تعاني ليبيا من الشيء نفسه الذي يحدث في مصر»، وهو ما كرره أنصار القذافي بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، حيث حذروا من «القتل والسرقة والفوضى». وقال محمد «ما يحدث الآن هو نتيجة لما قام به الثوار وليس القذافي».

ويرقد محمد، الذي يعاني من كسر في ساقه وجرح في ظهره، في المستشفى مع خمسة أسرى آخرين في وحدة تابعة لمستشفى قاعدة معيتيقة الجوية، مع وجود حراسة مسلحة في القاعة. وتتعامل الحكومة الليبية المؤقتة مع هؤلاء الأسرى على أنهم أسرى حرب، ولكن محمد هو الوحيد الذي اعترف بأنه كان يقاتل إلى جانب العقيد القذافي، في حين قال اثنان من المصابين إنهما كانا ضمن العمال المهاجرين من النيجر والصومال، وإنهم اتهما زورا بأنهما من المرتزقة. وقال جريح آخر إنه أصيب وهو في الشارع، وأضاف «أنا بريء».

وأجمع كل الأسرى على أنهم قد تمت معاملتهم بصورة جيدة. وخلال إحدى الزيارات في الآونة الأخيرة، أحضر موظفو المستشفى وجبات خاصة لهم قبل الغروب لتناول وجبة الإفطار في شهر رمضان، على الرغم من عدم صيام المرضى الذين يعانون من حالة صحية سيئة. وعندما دخل الثوار الذين اعتقلوا هؤلاء الأسرى، غير محمد من نبرته في الحديث ومن تصريحاته، وقال «أعتقد الآن أن ليبيا قد أصبحت أكثر اتحادا».

وفي محاولة أخرى لتهدئة خاطفة، اتهم محمد الآلة الإعلامية للقذافي بأنها السبب في هذه المحنة. وقال إنه حتى وقت القبض عليه كان يصدق التقارير التي تبثها القنوات التلفزيونية التابعة للدولة، من أن الثوار عبارة عن مجموعة من الأجانب أو المتشددين الإسلاميين أو الوحوش المتعطشة للدماء واقتلاع قلوب الموالين للقذافي. وقال محمد: «لم أشاهد قناة (الجزيرة) أو قناة (العربية)»، في إشارة إلى اثنتين من الشبكات الإخبارية العربية، وأضاف «لم أكن أعرف أن الثوار من الليبيين».

وادعى محمد أنه لم يقتل أو يؤذ أي شخص طيلة الأشهر الأربعة التي قضاها في الخدمة. وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض المشاعر التي تتعاطف مع «الأخ القائد معمر القذافي»، وهو اللقب الذي كان يفضله العقيد، حيث يقول كثير من الليبيين إن ليبيا كانت عبارة عن دولة فقيرة يسكنها الرعاة من البدو عندما تولى القذافي مقاليد الأمور عام 1969، وكانت الثروة النفطية تذهب للشركات الأجنبية. وقد استغل القذافي ارتفاع أسعار النفط على مدى العقود التالية، وبدأ برامج التنمية التي - وإن تعثرت بسبب الفساد وعدم الكفاءة - ساعدت في تحويل ليبيا إلى دولة حضرية بالدرجة الأولى.

يفتقر المواطنون الليبيون إلى الحريات الأساسية، لكن بفضل الثروة النفطية اعتقدوا أنهم يتمتعون بمستوى معيشة مرتفع نسبيا عن جيرانهم الإقليميين.

وقال محمد، الذي تسرب من التعليم في الصف السادس وهو ابن لحارس عقار، إن العقيد القذافي قد حقق لليبيين الشعور باحترام الذات بإجلاء المحتلين الأجانب؛ وفي ظل حكم العقيد القذافي، اعتاد الليبيون الاحتفال بعيد وطني كل عام في ذكرى إخلاء الولايات المتحدة القاعدة الجوية التي شملت المستشفى الذي تم احتجاز محمد فيه.

بعدها، جاءت عناصر الرعاية الخاصة - ممثلة في المنشآت والطرق والمدارس والمستشفيات والوظائف - والتي تظهر بسخاء في المدينتين اللتين كانتا تعتبران مسقط رأس العقيد القذافي – وهما سرت وسبها. واشتهرت سرت بأنها المكان المفضل للعقيد القذافي لعقد اجتماعاته، بحسب ما ذكره محمد عن هذه المدينة التي تعتبر ميناء على البحر المتوسط ومسقط رأسه أيضا. وقال محمد «أهل سرت يحبون القذافي حبا صادقا وسيحاربون من أجله». لكنه عبر أيضا عن خوف يبدو نابعا من مبادئ سامية، مفاده أنه من دون قبضة القذافي القوية لحفظ النظام، فسيجر الثوار ليبيا إلى حالة من الفوضى، وهو ما يبدو محاكاة للتبرير الذي استخدمه العديد من الحكام المستبدين في دول الشرق الأوسط، ممن يصورون نظام الحكم بالقبضة الحديدية الذي ينتهجونه على أنه حصن أمان ضد الفوضى وغياب القانون.

وفي إحدى ضواحي طرابلس الموالية للعقيد القذافي، استرجع محمد مقابلته بعض السكان الذين «قالوا إنهم خشوا من أن يغتصب الثوار النساء ويقتلوا الرجال». لقد حارب سكان بعض الضواحي الموالية للقذافي من أجله حتى بعد أن اقتحم الثوار معقله. وقال محمد الذي عمل في سلسلة من الوظائف الغريبة متدنية الدخل منذ طفولته، إنه جذبه وعد بالتدريب في الجيش والحصول على راتب أيضا. فقد ذكر أنه شاهد إعلانا تلفزيونيا يعد بمنح راتب جيد وتدريب عسكري للشباب المدرجين في قائمة الدفاع الخاصة بالعقيد القذافي. ومن ثم، قام بتسجيل اسمه.

تم نقله على متن مركب إلى طرابلس، حيث لم يتلق إلا درسا عن كيفية تنظيف رشاش الكلاشنيكوف خاصته. وقال محمد إنه تمت استضافته في إحدى الثكنات ولم يقدم له القدر الكافي من الطعام والشراب، ومن ثم، توجه هو ورفاقه الضباط إلى جيرانهم طلبا للإحسان.

ومع ذلك، بحسب قوله، ظل وفيا للقذافي. خلع ضباط آخرون زيهم الرسمي ولاذوا بالفرار في هدوء، بعد سقوط معقل العقيد في أيدي الثوار. لكن محمد واصل القتال حتى اليوم التالي، حينما وجدت ميليشياته نفسها في معركة. بعدها، حاول رفاقه الهرب، وهو الأمر نفسه الذي فعله محمد، إلى أن أطلق الثوار النار عليه ليتعرض لإصابة في قدمه. وذكر أنه توسل إليهم قائلا «لأجل الله، لا تقتلوني!».

غير أنه بعد لحظة من استرجاعه ذلك المشهد، استجمع شجاعته الخيالية قائلا «سأضحي بنفسي وبأسرتي، بل سأبيع نفسي لأجل القذافي».

*خدمة: «نيويورك تايمز»