هجمات تركيا وإيران تختبر القيادة في كردستان العراق

أربيل تواجه مهمة حساسة تتمثل في التوازن بين التوغلات والاستثمارات

TT

تعتبر إدارة زعماء أكراد العراق لعلاقاتهم مع جيرانهم مهمة حساسة إذ يتعين عليهم أن يوازنوا بين توغلات أنقرة وطهران مقابل الاستثمارات التركية التي ساعدت في جعل منطقة كردستان العراق المتمتعة بالحكم الذاتي من أكثر مناطق العراق استقرارا.

ولتركيا قوات قوامها 1300 جندي منتشرين على امتداد المنطقة الجبلية الكردية داخل العراق، فضلا عن عدد من مراكز المراقبة التي أقيمت في تسعينات القرن الماضي بموافقة العراق بعدما شن حزب العمال الكردستاني هجمات في إطار حربه من أجل الحكم الذاتي. وهاجمت تركيا قواعد حزب العمال الكردستاني في العراق على مدى سنوات، لكن غاراتها الجوية والقصف الإيراني عبر الحدود في الفترة الأخيرة يثير قلق العراقيين من أن تكون الجارتان تتنافسان على مد نفوذهما في المنطقة الغنية بالنفط بعد انسحاب القوات الأميركية في نهاية عام 2011.

وتوترت العلاقات بين أربيل عاصمة كردستان العراق وأنقرة منذ أن قتلت غارة جوية تركية أسرة من سبعة أفراد الأسبوع الماضي وفقا لما ذكره مسؤولون عراقيون، وهو ما دفع بغداد إلى استدعاء المبعوث التركي ودفع المشرعين الأكراد للمطالبة بأن تغلق تركيا قواعدها. وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لوكالة «رويترز»: «شهدنا تصعيدا لقصف كثيف عبر الحدود وغارات جوية على أهداف لا تستحق ذلك فيمكن أن نخلص إلى أن هذا قد تكون له علاقة بمرحلة ما بعد 2011».

ويقول العراق إن تركيا لديها 1300 جندي في بلدات مثل بامرني في كردستان حيث يحيط جدار واق من الانفجارات موقعا واصطفت دبابات وشاحنات وعربات مدرعة بالداخل أثناء زيارة في الفترة الأخيرة. ويراقب حراس الوادي من أبراج مراقبة. ولم تكن هناك حركة تذكر في موقع مراقبة تركي عند سفح الجبال الكردية العراقية. في الخارج كانت تقف دبابة في موقع مطل على أحد الطرق حيث كان رجال أكراد يتجادلون حول أسعار الفاكهة في ساحة إحدى الأسواق. وقال عبد الله جانجو العامل بالحكومة المحلية وهو جالس على جانب السوق «لم يسألنا أحد إذا كنا نريد هذه القوات هنا. مثل أن تقيم في بيتي ضيفا رغم أنك تكرهني وتهاجمني».

وتركيا، العضو منذ فترة طويلة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قوة دبلوماسية وسياسية صاعدة في الشرق الأوسط حيث تسعى شركاتها بنشاط وراء إيجاد فرص. لكن جاريث جينكينز، المحلل المقيم في إسطنبول، قال إن غارات تركيا على العراق من المستبعد أن تطمئن الدول العربية التي ربما تشعر بعدم ارتياح إزاء سياسات أنقرة القوية.

ولم تصدر تركيا بيانا رسميا عن قتل المدنيين في كردستان العراق الأسبوع الماضي لكن مصادر دبلوماسية تركية تقول إن هذه المزاعم يطلقها الانفصاليون لأغراض دعائية. وتقول أنقرة إن الغارات على مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين يتخذون من العراق مقرا لهم قتلت نحو 160 من مقاتلي الحزب. ونفى الحزب هذه المزاعم وقال إن عددا محدودا فقط من أعضائه قتلوا. وشنت أنقرة الغارات كرد انتقامي على هجمات داخل تركيا نفذها حزب العمال الكردستاني وقتل فيها الشهر الماضي 40 من أفراد القوات المسلحة التركية في إطار حملته المستمرة منذ 27 عاما من أجل حكم ذاتي للأكراد. غير أن منطقة كردستان العراق أصبحت ملاذا آمنا منذ تأسيسها بعد حرب الخليج الأولى. ويضخ مستثمرون أكراد الأموال في فنادق ومراكز تجارية في أربيل في حين توقع شركات نفط إسبانية وبريطانية اتفاقات للعمل في المنطقة التي ربما تصل احتياطاتها النفطية إلى 45 مليار برميل. وقال نوزاد هادي محافظ أربيل «منطقتنا تطورت وشهدت تقدما لأن علاقاتنا مع تركيا تعززت». وأضاف «علينا النظر إلى الحقائق».

وكثيرا ما لعبت كردستان العراق دورا سياسيا إقليميا إذ كان الحزبان الحاكمان فيها وهما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني متحالفين في أوقات مع طهران وأنقرة. وكان حزب العمال الكردستاني ذات يوم مدعوما علنا من سوريا. وكثيرا ما تشهد علاقات أربيل بالحكومة المركزية في بغداد توترات بسبب خلافات بين الأكراد والعرب على الأرض والحقوق النفطية.

وأصبح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مارس (آذار) الماضي أول زعيم تركي يزور كردستان العراق الذي مولت حصته في النفط العراقي ازدهاره الاقتصادي. وقال دبلوماسي غربي «أكراد العراق تربطهم علاقات تعاون مع الأتراك. الفائدة أكبر هنا من أن تقاس بحزب العمال الكردستاني». وأضاف «إنه توازن دقيق وهم يديرونه بشكل جيد».

كما أصبحت المشكلات الحدودية أسهل في الحل الآن مع وجود مكتب تنسيق أميركي - عراقي - تركي في أربيل، لكن مصدرا أمنيا عراقيا قال إنه مع إغلاق الحدود السورية بسبب الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد تخشى بغداد من أن يستخدم المقاتلون الأجانب الحدود الكردية ومناطق حزب العمال الكردستاني كمأوى، وكذلك في الدخول إلى العراق. ويقر مسؤولون أكراد عراقيون بأنهم غير قادرين على السيطرة على حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل النائية ويقولون إن جيرانهم يجب أن يحلوا مشاكلهم مع أقلياتهم الكردية عن طريق المفاوضات.

وبالنسبة إلى أكراد العراق المقيمين على الحدود التي فر إليها ألوف المزارعين للابتعاد عن القصف الإيراني والآن الغارات التركية، فإنهم يرون أن المحادثات وليس القنابل هي ما سينهي حرب أنقرة مع حزب العمال الكردستاني. ويقول أبو بكر ويسي المسؤول الكردي في رانيا قرب المنطقة التي قتلت فيها الأسرة المكونة من سبعة أفراد «سياسة تركيا تبدو متناقضة.. يضخون هذه الاستثمارات الضخمة ثم يهاجمون قرانا».