عراقيون لليبيين: تعلموا من أخطائنا.. وإلا ستواجهون نفس مصيرنا المظلم

من نصائحهم: لا مناصب للعائدين من الخارج.. واستيعاب عناصر النظام السابق.. وتجنب النظام البرلماني

عراقيون يلعبون الشطرنج في مقهى ببغداد ويسدون النصائح لليبيين (نيويورك تايمز)
TT

جلس بعض العراقيين حول طاولة بلاستيكية صغيرة في أحد المقاهي في الهواء الطلق في بغداد مساء الجمعة الماضي يلعبون الشطرنج ويدخنون ويتذكرون عندما سقط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وشعروا بالحرية للمرة الأولى في حياتهم. ولكن سرعان ما تحول الحديث إلى ذكريات قاتمة ومؤلمة عن الحرية التي تحولت إلى فوضى وإراقة الدماء في نهاية المطاف.

لقد تمت إثارة هذه الذكريات الأسبوع الماضي بعد مشاهدة بعض الصور على شاشات التلفزيون لشعب آخر وهو الشعب الليبي الذي يسير في نفس الطريق، وربما يتجه نحو نفس المصير المظلم الذي يعيش فيه الشعب العراقي منذ ما يقرب من عقد من الزمان.

«عليهم أن يتعلموا منا»، كانت هذه هي كلمات عبد الخالق (42 عاما)، وهو ميكانيكي من بغداد، بعد فوزه في عدة مباريات شطرنج. وقال العراقيون إنهم تعلموا ما لم يفهموه وهم يعيشون في ظل عقود من القمع وهو أن الديمقراطية ليست مجرد غياب القمع، لكنها تنطوي أيضا على مفاهيم صعبة تتمثل في التسامح والتسوية والمسؤولية المدنية التي لم تترسخ بعد سواء في العراق أو في ليبيا.

إن ما ظهر في العراق بعد سقوط حكومة صدام حسين كان عبارة عن مجتمع أفراد وجماعات صغيرة تستولي على ما يمكن جمعه من خلال النهب، وفي النهاية من خلال العملية السياسية، وهو ما جعل العديد من العراقيين يشعرون بالقلق من حدوث الفوضى على غرار الديمقراطية في العراق، ولذا فهم يريدون يدا قوية منتخبة من الشعب.

ومن هذا المقهى الذي يلعب فيه رجال آخرون الدومينو والطاولة ويدخنون الشيشة ويشربون الشاي، تم تقديم النصيحة للشعب الليبي. وكانت وجهات النظر تعكس المشكلات التي ما زال يعاني منها العراق، ويشكون في أنها تنتظر ليبيا ما لم يتصرف الشعب الليبي سريعا. وقد قدم هؤلاء الرجال العديد من النصائح لليبيين مثل «لا تثقوا في المغتربين الذين يعودون بسرعة للوطن للحصول على منصب في الحكومة؛ تجنبوا النظام البرلماني؛ لا تعزلوا أعضاء النظام السابق من غير محاكمة أو تهمة معينة، كما حدث في العراق».

وقال فراس عبد الهادي (28 عاما)، وهو مهندس في مكتب أمين بغداد «جاء الناس من الخارج ليحكموا العراق ولم يفهموا المعاناة التي كنا نعيش فيها»، في إشارة إلى محاولة العراقيين الذين فروا من البلاد تحت حكم صدام حسين الوصول للحكم عندما عادوا للبلاد. وأضاف عبد الهادي «لقد عادوا وادعوا أنهم وطنيون. يجب أن يصوت الليبيون للأشخاص الذين يعانون مثلهم، لأن الذين كانوا في الخارج لا يشعرون بما شعروا به هم».

وأضاف العراقيون في المقهى أنه يجب إدارة النظام الجديد في ليبيا من قبل رئيس وليس رئيس وزراء، وينبغي على المشرعين الابتعاد عن النظام البرلماني الذي يأتي كل يوم بحكومة جديدة. وقال صقر كاظم (34 عاما)، ويعمل مقاولا «لقد فشل النظام البرلماني في العراق. ينبغي أن يحكم البلاد رئيس يمكنه اتخاذ جميع القرارات ولا تكون لديه كل هذه الكتل الموجودة لدينا الآن».

ويجب وضع شخصية السياسيين في الاعتبار، فإذا ما افتقد القادة السياسيون للشخصية القوية، فسوف يتفشى الفساد وتنتشر الرشاوى، كما هو الحال في العراق. وقال أحمد علي (46 عاما) وهو صاحب متجر «الشخصيات الضعيفة تقع فريسة لإغراءات السلطة وتستخدم السلطة لسرقة أموال الشعب».

وربما يكون الشيء الأهم، حسب كلام هؤلاء العراقيين، هو أنه يتعين على الليبيين عدم تكرار الخطأ الذي وقع فيه الأميركيون والعراقيون وهو إقصاء من كانوا على علاقة بالنظام السابق من الحياة العامة. فقد تم إبعاد العديد من أعضاء حزب البعث، كما تم تفكيك الجيش العراقي بأكمله. وأدى نبذ الكثير من العراقيين إلى إذكاء روح التمرد، وهو ما دفع البلاد إلى الصراع الطائفي الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من العراقيين. وقال هادي «عليكم الإبقاء عليهم داخل الحكومة حتى تتجنبوا الصراع الذي نعاني منه. ولهذا السبب، لم يشارك السنة في كثير من الأحيان».

وقال علي، صاحب المقهى «كل الناس في أي دولة يريدون قطعة من الأرض. سوف يقبلون الحكومة إذا ما توافرت لهم قطعة من الأرض. كيف لي أن أحب الحكومة إذا لم تعطني جزءا من أرض بلادي؟».

وأكد الرجال في المقهى على أنه يتعين على الليبيين أن يكونوا حذرين من حرية التعبير عن الرأي. يتمتع العراقيون الآن، على حد قولهم، بحرية التعبير عن أنفسهم، وهو ما لم يكن بإمكانهم في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، لكن هذا الحق لا طائل منه تقريبا، على حد قولهم، لأن الحكومة لا تستجيب لمطالب الشعب. وقال هادي «لا أحد يستمع إلى الشعب».

وبعد مرور ثماني سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، ما زالت هناك تفجيرات واغتيالات في العراق بصورة شبه يومية، كما ترتفع معدلات البطالة. ولا يزال العراق بعيدا كل البعد عن الهدف الذي كانت إدارة بوش تصبو إليه بعد سقوط صدام حسين. وقال عبد الكاظم «كنا نعتقد أن البصرة ستصبح مثل دبي»، في إشارة إلى المدينة الساحلية التي تقع في جنوب البلاد. وتعد البصرة واحدة من المدن الأكثر أمانا وازدهارا في العراق، لكنها لا تزال بعيدة كل البعد عن دبي. فمساء الخميس الماضي وقع تفجيران، أحدهما كان انتحاريا، مما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة 35 آخرين خارج البصرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»