نساء ماليزيا يرغبن في اقتحام السلطة التي يسيطر عليها الرجال

تأخرن عن جيرانهن الآسيويات في المشاركة السياسية

TT

في اجتماع عقد بفندق في إحدى ضواحي العاصمة الماليزية، كان هناك حديث عن إجراء استفتاء شعبي لناخبين «يسهل إقناعهم»، وعن ميزانيات الحملات الانتخابية والاستراتيجيات الإعلامية وثيقة الصلة بهذه الحملات؛ بل وكان هناك حتى حديث مثير من قبل «مرشح».

حمل الاجتماع كل العلامات التي تدخل في إطار حملة انتخابية، مع وجود استثناءين: أن جميع المشاركين كانوا من النساء، وأنهن كن من مختلف الأطياف السياسية، لكن تجمعهن الرغبة في تعلم كيفية تنظيم حملة انتخابية.

«عاشت السيدات» كانت تلك هي صيحة حشد الجماهير الأخيرة التي أطلقتها المرشحة، والتي قوبلت بهتافات حارة من جمهور الحضور.

وتأمل «إمباور»، المنظمة غير الحكومية التي نظمت هذا الاجتماع وورش عمل أخرى مماثلة، في أن يساعد تدريب السيدات على اقتحام هيكل سلطة لا يزال يسيطر عليه الرجال بدرجة كبيرة في زيادة فرص ارتقائهن داخل أحزابهن، والفوز في الانتخابات. غير أن هناك أسبابا عدة تفسر اعتقاد المنظمة في حاجة السيدات الماليزيات للعون.

تأتي ماليزيا في مكانة متأخرة عن جيرانها من دول جنوب شرقي آسيا في ما يتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة، بحسب تقرير «مؤشر فجوة النوع الاجتماعي» العالمي الذي أعده المنتدى الاقتصادي العالمي، الكائن في جنيف. وفي حين كان ترتيبها العام في المؤشر هو رقم 98 من بين 134 دولة، احتلت المرتبة 110 من حيث تمثيل السيدات في الحكومة، متأخرة عن الفلبين وإندونيسيا وفيتنام وكمبوديا. يتحدد تصنيف التمكين السياسي اعتمادا على عدد السيدات في البرلمان وفي المناصب الوزارية وعدد السنوات التي شغلت فيها امرأة في دولة ما منصب رئيس الدولة أو الحكومة. لقد بدأ يزداد الاهتمام هنا في ماليزيا بموضوع تمثيل المرأة في كل من القطاعين العام والخاص. وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت الحكومة نظام كوتا جديدا الذي بموجبه يجب أن تشغل السيدات نسبة 30 في المائة على الأقل من المناصب في مجالس إدارة الشركات الماليزية بداية من عام 2016.

يذكر أنه كان قد طرح نظام كوتا مماثل خاص بالقطاع العام في عام 2004، وتقول الحكومة إن عدد النساء اللاتي يشغلن مناصب عليا في مجال الخدمات الأهلية وفي الجامعات الحكومية والمستشفيات وأيضا في الوظائف بالقطاعات الأخرى قد تضاعف تقريبا منذ ذلك الحين، لتصل نسبة السيدات إلى أكثر من 32 في المائة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه على المستوى السياسي، يرى المدافعون عن حقوق المرأة والمحللون أن الآراء المحافظة بشأن تولي النساء مناصب قيادية في هذه الدولة التي يعتبر السواد الأعظم من سكانها من المسلمين، والهيكل الداخلي للأحزاب السياسية، عاملان قد شكلا عقبات تقف حجر عثرة في طريق التقدم المهني للسيدات.

وعادة ما يجد هؤلاء الذين يتمكنون من التغلب على تلك المعوقات أن التفاوض في قاعات البرلمان ليس بالأمر الهين، في ظل وجود بعض الساسة الذكور المشهورين بتعليقاتهم المتحيزة للرجل والمعارضة لمساواة المرأة التي تتصدر العناوين الرئيسية بالصحف، بدءا من اتهام قائدات السيارات بالتسبب في وقوع حوادث طرق وصولا إلى الإشارة لزوجات يقيم أزواجهن علاقات مشبوهة مع فتيات ليل.

«عادة ما يكون الأعضاء النساء في البرلمان أكثر عرضة للهجوم والانتقاد، وعليهن أن يفين بتوقعات مختلفة من جانب عامة الناس»، هكذا تحدثت تيريسا كوك، عضو البرلمان عن حزب العمل الديمقراطي المعارض وواحدة من العديد من المشرعات اللائي أرسلن مذكرة في عام 2009 للبرلمان يشكين فيها من مثل تلك التعليقات المهينة.

تشغل السيدات نسبة 10.4 في المائة من المقاعد في مجلس النواب الوطني و8 في المائة في الجمعيات التشريعية. ويشغلن نسبة أعلى تصل إلى 25.7 في المائة من المقاعد في مجلس الشيوخ الوطني، حيث يتم تعيين معظم الأعضاء لا انتخابهم.

تترأس وزارتان فقط من بين 25 وزارة في ماليزيا؛ وهما وزارة المرأة والأسرة وتنمية المجتمع ووزارة السياحة، سيدات. وترى مجموعات تأييد، مثل منظمة إغاثة السيدات، أن النقص في عدد الأعضاء من السيدات بالبرلمان وبمجلس الوزراء يشير إلى بطء الحكومة في التعامل مع قضايا تشكل أهمية للسيدات، مثل وضع تشريع لمناهضة التحرش الجنسي.

على الرغم من قلة أعدد السيدات المرشحات، فإن الأرقام الحالية تعكس نوعا من التقدم. فقد اقتحم مزيد من المرشحات الانتخابات الوطنية عام 2008، وتم انتخاب المزيد من النساء لعضوية البرلمان أكثر من أي وقت منذ أن حصلت ماليزيا على استقلالها عن بريطانيا في عام 1957، بحسب ما ذكرت ماريا تشين عبد الله، المدير التنفيذي لمؤسسة «إمباور».

وجاءت غالبية الأعضاء من السيدات الجدد بالبرلمان من أحزاب المعارضة، التي حققت مكاسب تاريخية في انتخابات عام 2008.

وأوضحت تشين عبد الله أنه على غرار نظيراتهن في العديد من الدول، تحمل السيدات الماليزيات عبء الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. وقالت إن كثيرا من السيدات قد شكين من أنهن كن قد أملن أن يتمكن من القيام بكل أعمال المنزل، جنبا إلى جنب مع إدارة حملاتهن السياسية، ولكن أزواجهن لم يدعمن قرارهن باقتحام مجال السياسة. ويقول محللون إن السيدات تجد صعوبة أكبر في توفير المال الكافي لإدارة حملة انتخابية من الرجال.

«معظم من يديرون الحملات ويمولونها من الرجال»، هذا ما قاله جيمس تشين، أستاذ العلوم السياسية ومدير مدرسة الفنون والعلوم الاجتماعية بجامعة موناش في ماليزيا، مضيفا أنهم يتجهون لدعم رجال آخرين وليس نساء.

وفي حين تعتبر التحديات الاجتماعية والتمويلية التي تواجه النساء في ماليزيا قاسية، يرى بعض المعلقين أن هيكل الأحزاب السياسية في الدولة يعوق أيضا تقدم النساء في هذا الصدد؛ فمعظم السيدات الماليزيات ينضممن إلى عضوية الأجنحة النسائية بأحزابهن وليس الحزب نفسه في العموم.

ويرى النقاد أن الأجنحة النسائية بالأحزاب تتجه إلى التركيز على «قضايا المرأة» وعادة ما تفتقر إلى التأثير. غير أن البعض يقول إن تأثير تلك الأجنحة في مساعدة السيدات على الترقي في المناصب السياسية يتباين من حزب لآخر. وقال تشين إن السيدات في الأحزاب الكائنة في الملايو يعانين مما يشير إليه باسم «العامل الديني»، في إشارة إلى الآراء الإسلامية المحلية حول مدى ملاءمة النساء لتولي المناصب القيادية. وقد أتت أحزاب عرقية كائنة في المالايو، مثل منظمة المالايو الوطنية المتحدة الحاكمة والحزب الإسلامي الماليزي المعارض، بنسبة أقل من المرشحات السيدات عن الأحزاب العرقية الكائنة في الصين، مثل حزب العمل الديمقراطي المعارض، والجمعية الماليزية - الصينية، عضو في التحالف الحاكم.

إضافة إلى ذلك، يرى محللون أن أحزاب المعارضة تميل إلى كونها أكثر انفتاحا للتغيير، ومن ثم أكثر تأييدا للسيدات.

تشير كل من سيسيليا تشون سيم، باحثة مستقلة، وتشين عبد الله إلى قرار حزب العدالة الشعبية بإدخال تعديل على دستوره لضمان شغل السيدات نسبة 30 في المائة من المناصب القيادية، وترشيح حزب العمل الديمقراطي في انتخابات أبريل (نيسان) في ساراواك ضعف عدد المرشحات اللائي تم ترشيحهن في الانتخابات السابقة.

* خدمة «نيويورك تايمز»