من موسيقى الراب إلى أشهر مغن للأناشيد الجهادية في ألمانيا

رسالة ومفردات شبيه «العولقي» تثير قلق مسؤولي مكافحة الإرهاب

TT

يبدو الرجل، الذي يصفه مسؤولون ألمان في الأمن بأنه خطر كبير على الأمن، من مغني الراب حيث لديه وشم على يديه، الأول هو «إس تي أر 8» والثاني «بلطجي». يقول دنيس مامادو كوسبيرت، وهو يضم قبضتيه وينظر إلى الوشم: «سيمحوه الله يوما ما». أصبح كوسبيرت، الذي كان يوما مغني راب شهيرا، أشهر المنشدين الإسلاميين في ألمانيا. لكن يقول مسؤولو الأمن إن له تأثيرا كبيرا ويحرض على العنف وإثارة القلاقل من خلال المقاطع المصورة التي تتضمن خطبا حماسية تمتدح الإرهابيين وتدعو إلى تنفيذ هجمات على الغرب. وتقول السلطات الألمانية إن أناسا مثله حرضوا على واقعة إطلاق نار على أميركيين اثنين من العاملين في مطار فرانكفورت في مارس (آذار). وقال آريد أوكا، الشاب الذي يبلغ من العمر 21 عاما، الذي بدأت محاكمته في فرانكفورت يوم الأربعاء الماضي بتهمة ارتكاب جريمة قتل، إنه فتح النار على حافلة تقل مجموعة من جنود سلاح الطيران الأميركي بعد مشاهدة مقطع مصور يزعم تعرض امرأة مسلمة للاغتصاب على أيدي رجال يرتدون زيا عسكريا أميركيا. وقال مسؤولون أميركيون إن مسلحين وراء ذلك المقطع المصور الذي اعترف كوسبيرت بأنه نشره على صفحته على موقع الـ«فيس بوك» ونقله عنه أوكا. وقال أوكا إنه كان يستمع إلى نشيد ديني يدعو إلى التصدي لقوات الاحتلال والغرب على جهاز الـ«آي بود» الخاص به وهو في طريقه إلى المطار قبيل عملية إطلاق النار. وقال أوكا للقاضي يوم الأربعاء الماضي: «لقد أثارت غضبي» في إشارة إلى كلمات النشيد. وقال خلال جلسة تصدرت فيها الدموع المشهد إن الإسلام أمده بالقوة بعد مروره بفترة من الاكتئاب، لكنه أدرك الآن أنه «دنس إيمانه».

ويرى المحققون في الإرهاب في ألمانيا أن كوسبيرت، البالغ من العمر 35 عاما، يمثل تهديدا، حيث يحرض الشباب الذين يشعرون بالغضب من الحملة التي يشنها الغرب ضد الإسلام، بل ذهب بعضهم إلى تشبيهه بأنور العولقي، الخطيب أميركي المولد الذي يختبأ الآن في اليمن والمتهم بالدعوة إلى العنف من خلال خطبه ومقاطعه المصورة. ويقول رافاييل بيرل، مدير وحدة مكافحة الإرهاب بمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي: «بعد إرساء رابط بينه وبين الجمهور من خلال الموسيقى، بدأ يقدم فكرا متطرفا إلى هذا الجمهور». ونفى كوسبيرت في مقابلة في أحد الجوامع هنا أي علاقة مباشرة له مع أوكا، على الرغم من قوله إنه يؤيده في ما يفعل، حيث قال: «لم يقتل الأخ مدنيين، بل قتل جنودا كانوا في طريقهم لقتل مسلمين». إنها رسالة شبيهة بالمقاطع المصورة التي تنشر على موقع «يوتيوب» والمواقع الإلكترونية الجهادية التي ساعدت في شهرة وانتشار كوسبيرت بين مؤيدي تنظيم القاعدة في أوروبا وغيرها من البلاد. ما يدل على هذا هو قول رجل يدعى أبو بلال في منطقة القبائل على الحدود الأفغانية - الباكستانية عن كوسبيرت: «وصل صوت الأخ إلى قلوب الناس هنا أيضا». ويلقي كوسبيرت خطبا في مختلف أنحاء ألمانيا وينجذب الناس إلى بعض أحداث قصة حياته، منها انتماؤه إلى عصابات برلين وكيف وجد الطريق المستقيم أخيرا. يقول كوسبيرت إن الشريعة تجيز الدفاع عن النفس، وقال: «واجبي أن أستخدم صوتي في إخبار الناس بالحقيقة وهو أن الجهاد فريضة». ويقول مسؤولو الأمن إن الشباب الذين يشاهدون هذه المقاطع المصورة لا يدركون أن ما يستمعون إليه مستلهم من فكر ديني جهادي متطرف يقوم على المنهج الإسلامي السلفي. سجل كوسبيرت في نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي نشيدا يمتدح فيه زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، حيث قال فيه: «إن اسمك يجري في دمائنا». وقال في مقابلة والابتسامة تعلو شفتيه: «لقد أعطيت البيعة للملا محمد عمر أمير حركة طالبان. إنه واحد من أعظم الرجال». وعبر كوسبيرت في خطبه عن الغضب من الهجمات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة على منطقة القبائل في باكستان واليمن والصومال، وقال إن أسمى أمانيه الآن هي موت الرئيس أوباما الذي وصفه بعدو الإسلام. واشتبهت السلطات الألمانية في اعتزام كوسبيرت الانضمام إلى أصدقائه في باكستان، لذا طلبت منه في يوليو (تموز) تسليم جواز سفره، لكنه قال: «لقد قلت لهم إنه ضاع مني». وتقول السلطات إنها لم تعثر على أدلة كافية للقبض عليه بسبب خطبه حتى هذه اللحظة، لكنها تحاول أن تلقيه خلف القضبان بتهم قيل إنه ارتكبها عندما كان مغني راب.

ومثل كوسبيرت أمام المحكمة في 18 أغسطس (آب) الماضي بتهمة حيازة أسلحة بشكل غير قانوني. وقال ممثلو الادعاء إنه كان يمسك بسلاح في مقطع مصور وإن الشرطة وجدت ذخيرة أثناء تفتيشها لشقته. وقال مسؤولو الأمن الألمان إنهم يسعون إلى القبض على كوسبيرت ومنع هذه الدعاية للجهاد من خلال المقاطع المصورة. أدانه قاضي المحكمة كوسبيرت، لكنه لم يحكم عليه بالسجن، بل اكتفى بتكبيده غرامة قدرها 1800 يورو أو ما يعادل نحو 2600 دولار.

كان كوسبيرت يعيش حياة مختلفة تماما قبل أن يتخذ اسما جديدا هو أبو مالك، فقد ولد ونشأ في برلين على يدي والدته الألمانية. وكان أبوه من غانا وتركهما وكوسبيرت لم يزل بعد طفلا صغيرا. وعندما تزايدت الخلافات في المنزل مع زوج أمه، الذي كان جنديا حازما سابقا في الجيش الأميركي، تم إيداع كوسبيرت دارا للأطفال صعبي المراس، وعاد إلى المنزل بعد خمس سنوات. يقول كوسبيرت: «لقد نشأت مع العنصرية. على الرغم من أن أمي كانت ألمانية، كان يناديني بعض المعلمين بالزنجي ويعاملون كل الأطفال المسلمين معاملة سيئة». وكون رأيه عن السياسة الخارجية الأميركية عام 1990 قبل أشهر من حرب الخليج الثانية، حيث شارك في مظاهرات شهدتها برلين. ويقول مبتسما: «كنا نسير ونصيح ونحرق العلم الأميركي».

* خدمة «نيويورك تايمز»