قضية بين شركات طيران خاصة تؤكد قيام «سي آي إيه» بنقل معتقلين لدول أخرى لتعذيبهم

339 ألف دولار تكلفة رحلات مكوكية بين السجون السرية لنقل قيادي «الجماعة الإسلامية» في إندونيسيا

TT

برزت على السطح مرة أخرى اتهامات لوكالة الاستخبارات الأميركية بالقيام بأنشطة غير مشروعة لنقل سجناء لتعذيبهم في دول أخرى بجميع أنحاء العالم في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). ونشرت جريدة «واشنطن بوست» أمس تحقيقا استقصائيا يتعقب الرحلات الجوية السرية التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية حيث رصدت قيام مسؤولي الاستخبارات باصطحاب الإرهابي الإندونيسي رضوان عصام الدين المعروف باسم «حنبلي» أبرز زعماء الجماعة الإسلامية في إندونيسيا، الذي تم اعتقاله في تايلاند في رحلات مكوكية بين سجون سرية تديرها وكالة الاستخبارات (سي آي إيه).

وقالت إنه بتاريخ 12 أغسطس (آب) 2003 أقلعت طائرة من طراز جلفستريم تقل 6 ركاب من مطار دالاس الدولي إلى بانكوك بعد توقفها في ألاسكا وأوساكا باليابان وقبل عودتها - بعد 4 أيام - هبطت الطائرة أيضا في أفغانستان وسريلانكا والإمارات وآيرلندا، وتكلفت الرحلة 339 ألف دولار.

وكانت تلك المعلومة ضمن تفاصيل كثيرة عن رحلات وكالة الاستخبارات المركزية الغامضة في شمال نيويورك جاءت ضمن أوراق قضية تشهدها محكمة نيويورك للفصل بين المتنازعين لوكلاء مع الحكومة حول فواتير تعاملات وتعاقدات لشركات طيران صغيرة تعمل في مجال خدمة الفرق الرياضية ورجال الأعمال.

وأوضحت أوراق القضية وجود عدة رحلات قامت بها شركة «ريتشمور» باستخدام طائرة رياضية صغيرة يقودها طيار واحد في أغسطس 2003 إلى مواقع مثل بوخارست ورومانيا وأذربيجان والقاهرة وجيبوتي وإسلام آباد وباكستان. ووفرت شركة «سبورتفلايت» طائرات لشركة «ريتشمور» ولاحقا اتهمت «ريتشمور» شركة «سبورتفلايت» بالإخلال في بنود التعاقد ورفعت قضية أمام محكمة نيويورك. وأصبحت سجلات الرحلات وتكلفتها جزءا من سجلات المحكمة.

ومع اقتراب الذكرى العاشرة لاعتداءات 11 سبتمبر فإن العدد الكبير من الفواتير والإيصالات والعقود والمراسلات الإلكترونية التي قدمت كأدلة إلى محكمة في نيويورك،تتيح إلقاء نظرة فريدة على عالم أصبحت «الحرب على الإرهاب» فرصة أخرى فيه أمام الشركات الأميركية لتحقيق أرباح منها. وفي حالات أخرى أعلنت الحكومة أن القضية من أسرار الدولة لإيقاف التقاضي حول البرامج التعاقدية التي أبرمتها وكالات الاستخبارات مع شركات الطيران الصغيرة.

وتشير «واشنطن بوست» إلى أن صفحات القضية البالغة 1500 صفحة تشير إلى مكالمات هاتفية من الجو إلى الأرض وإلى هواتف جوالة ومنها عدة مكالمات إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية ومنزل مسؤول كبير في الوكالة من كبار المشاركين في برنامج الترحيل السري وأحد الوكلاء المتعاملين مع وكالة الاستخبارات.

تقول أوراق القضية إنه خلال 36 شهرا بين عامي 2002 و2005 حلقت طائرة «ريتشمور» نحو 1258 ساعة طيران لحساب وكالة الاستخبارات بتكلفة 4900 دولار لساعة الطيران وحصلت شركة «ريتشمور» على 6 ملايين دولار على مدى 3 سنوات وفقا للفواتير وسجلات المحاكم وتضمنت العقود نصا يشترط أن يكون جميع أفراد طاقم الطائرة الأميركية من مواليد الولايات المتحدة وليسوا من المتجنسين بالجنسية الأميركية أو حاملي البطاقات الخضراء.

وفي عام 2002 استأجرت شركة «دينكورب» طائرة «ريتشمور» تستخدم للرحلات الرياضية نيابة عن الحكومة وقامت بتأمين طائرة مكونة من 10 مقاعد لرحلة تستغرق 9 ساعات وأمنت للشركة 50 ساعة من الطيران شهريا إذا وافقت على أن الطائرات على أهبة الاستعداد في خلال 12 ساعة دون تقديم كشوف المسافرين. وأعطت وزارة الخارجية الأميركية «ريتشمور» خطابات رسمية تفيد بأن هذه الطائرات توفر الدعم لسفارات الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، وتسمح لها بأن تحيد عن المسارات المعروفة لخطوط الطيران.

ويبدو أن هناك فواتير أخرى تتعلق بنقل خالد شيخ محمد الذي يعتقد أنه العقل المدبر لاعتداءات 11 أيلول سبتمبر. وكان محمد اختفى بعد إلقاء القبض عليه في السجون السرية لوكالة المخابرات المركزية، حيث تعرض إلى التعذيب بطريقة الإيهام بالغرق 183 مرة، كما تفيد مذكرة من وزارة العدل الأميركية.

وفي أول مارس (آذار) 2003 وهو تاريخ القبض على خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، تم استخدام طائرة «ريتشمور» لنقله من باكستان، لكن لا توجد فاتورة لهذه الرحلة في سجلات المحكمة. وقال محامي شركة «ريتشمور» إن الشركة كانت تعلم بغرض هذه الرحلات بعد وقت قصير ونقل عن رئيسها قوله «إننا نقل موظفي الحكومة والمدعوين الخاصين بهم» ومن الواضح أن الطائرات طارت من وإلى غوانتانامو وألمانيا والشرق الأوسط بشكل منتظم.

وقال كوري كريدر مدير مؤسسة ريبريف القانونية التي تتابع القضية «إننا أمام دليل جديد لقصة تقشعر لها الأبدان لجهود قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية لإخفاء أنشطتها غير المشروعة والثمن الذي دفعته لنقل السجناء لتعذيبهم في مختلف دول العالم، وإذا أردنا أن نتجنب تكرار أخطائنا، فإنه يجب علينا أن نحاسب كيف سمحنا لهذا النظام بالعمل تحت أنوفنا». وأشارت الصحيفة إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية رفضت مناقشة القضية أو التعليق على التقاضي. وقالت ماري هارف المتحدثة باسم وكالة الاستخبارات «إن الوكالة كقاعدة عامة لا تعلق على القضاء خاصة أن الوكالة ليست طرفا في القضية».

يذكر أنه في أعقاب هجمات سبتمبر تم تكليف فريق الترحيل السري التابع لوكالة الاستخبارات المركزية بالعثور على المشتبه في ضلوعهم بالإرهاب وتنظيم مهام القبض عليهم ونقلهم إلى مواقع لاستجوابهم في السجون السرية لدول حليفة. وتعرض هذا البرنامج لهجوم من الإعلام الأميركي ونشطاء حقوق الإنسان وخضعت سجلات الرحلات الجوية وأرقام الطائرات للتحقيقات خشية تورطها في عمليات الترحيل السري.

ومن القصص المعروفة بشكل مؤكد قصة تسليم أبو عمر المصري في عام 2005 حيث تم اختطافه من شوارع ميلانو ونقل جوا إلى مصر على الطائرة ريتشموند رقم N85VM وهي طائرة صغيرة تديرها شركة خاصة لمالكها فيليب مورس نائب رئيس مجموعة فينواي الرياضية.

وأشارت عدة تقارير إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية ألقت القبض على ما لا يقل عن 100 مشتبه فيهم ونقلتهم إلى بلدان أخرى، بما في ذلك جميع المعتقلين (ذوي القيمة العالمية) المحتجزين في خليج غوانتانامو بكوبا وكان من بينهم رضوان عصام الدين المعروف باسم حنبلي المتهم بضلوعه مع تنظيم القاعدة في تفجير ملهى ليلي في بالي بإندونيسيا عام 2002، وقد استخدمت وكالة الاستخبارات المركزية شبكة من شركات الطيران الخاصة واستأجرت ما لا يقل عن 26 طائرة خاصة من خلال المقاولين الشرعيين. وفي عام 2007 تمكن مجلس أوروبا (الذي يدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية) من التعرف على 1245 رحلة جوية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية قامت بالمرور عبر أوروبا، كما أظهرت الفواتير في محكمة مقاطعة كولومبيا توقف عدد كبير من هذه الطائرات في كل من بريطانيا وآيرلندا.

كانت صحيفة «واشنطن بوست» قد قامت بسلسلة تحقيقات خلال أعوام 2004 و2005 وأشارت إلى قيام المخابرات المركزية منذ 11 سبتمبر بتوظيف الأجهزة الأمنية العربية والإسلامية بشكل مباشر في خدمتها لمحاربة الإرهاب في سياق استراتيجية أمنية أميركية تقوم على مبدأ زيادة علاقات التعاون والارتباط مع الأجهزة الأمنية الأجنبية.