عيد الفطر في مصر يكتسي بحلة ثورية

الأطفال ارتدوا زي الجيش.. و«الإخوان» استغلوا الساحات في الدعاية لحزبهم وسط اعتراض المواطنين

صورة نشرت على المواقع الإلكترونية لطفلين يرتديان بدلتين عسكريتين
TT

لم يجد الأب سوى تلبية مطلب ابنه الصغير، ذي العشر سنوات، بأن تكون ملابس العيد الجديدة هذا العام عبارة عن «البدلة العسكرية» الكاكية اللون، على عكس ما طلبه الطفل العام الماضي عندما كان يريد «بدلة ضابط شرطة»، كغيره من الأطفال الذين يجتذبهم هذا الزي الأبيض.

في الشوارع والميادين المصرية وعلى مدار 3 أيام هي عمر عيد الفطر؛ لم يكن «الزي العسكري» الذي ارتداه الأطفال، بعد أن انتشر في واجهات محلات الملابس وعلى أرصفة منطقة وسط البلد التجارية كنتيجة لإدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم شؤون البلاد بعد تنحي مبارك، هو المظهر الوحيد لثورة 25 يناير (كانون الثاني)، فثمة مظاهر «ثورية» أخرى اكتسى بها «عيد الثورة» كما أطلق عليه المصريون، ففي المدن والقرى المصرية كانت «زينة» العيد لا تخلو من العلم المصري، الذي امتد أيضا إلى «البالونات» التي انتشرت بشكل كبير، خاصة بين الأطفال حيث غلب على ألوانها ألوان العلم، الأحمر والأبيض والأسود.. كما امتدت مظاهر الثورة إلى صور شهداء الثورة التي علقت في كثير من الشوارع.

كذلك لم تترك الأحزاب والقوى السياسية، خاصة التي خرجت من رحم الثورة، هذه الفرصة السانحة.. فاستغلت التجمعات الكبيرة التي تحدث في العيد بدءا من صلاة العيد وحتى أماكن المتنزهات والنوادي، في الترويج والدعاية لنفسها، استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة، والتي تبدأ نهاية الشهر الجاري.. حتى بدت الصورة وكأن «الانتخابات سوف تجري نهاية الأسبوع»، وهي الكلمات التي علق بها أحد المصلين في ساحة مسجد مصطفى محمود بالجيزة، بعد أن استفزه المشهد والصراع من أجل تسليم المصلين برامج انتخابية ودعوات انضمام إلى الأحزاب السياسية.

ففي ساحة المسجد، التي ارتبطت بوقفات مؤيدي مبارك منذ بدء الثورة، برزت جماعة الإخوان المسلمين على صلاة العيد هناك، وكان المشهد سياسيا بالدرجة الأولى، فقد قامت الجماعة بتوزيع المنشورات على المصلين التي تروج لمشروعاتها السياسية، ونشرت المئات من أعضائها بين المصلين لشرح برامج حزبهم الجديد «الحرية والعدالة» من أجل الدعوة للانضمام إليه.

ولم تكتف الجماعة بالدعوة والترويج لحزبها، بل قامت بتثبيت أكشاك في الميادين الكبرى وفي وسط التجمعات الكبيرة، بها استمارات عضوية للراغبين في الانضمام إلى حزبهم، ولم تمنعها خطبة العيد من التوقف عن الدعاية.

لكن كثيرا من المصلين لم يعجبهم هذا الحال، وأبدوا اعتراضهم عليه. يقول محمد عبد الغني: «(الإخوان) حولوا صلاة العيد إلى ساحة خاصة بهم، كنا نلوم عليهم في البداية بأنهم يخلطون الدين بالسياسة، لكنهم الآن فعلوا الأسوأ.. استغلوا الدين لصالح السياسة».

وتابع: «كيف لهم أن يقوموا بإلهاء الناس عن الصلاة بالدعوة إلى حزبهم؟ هم لم يحترموا خطبة العيد ولا الصلاة، العيد بكل مظاهره خاص بالمسلمين ككل، وليس لفصيل دون آخر أن يحتكر العيد والإسلام. كنا نلوم على الحزب الوطني المنحل مثل هذه الأفعال، ولكننا للأسف وجدناهم أسوأ»، مضيفا: «لدينا 50 حزبا سياسيا، لو أن كلا منهم فعل ذلك لتحول العيد إلى معارك انتخابية وساحة حرب ما نجا منها أحد».

أما في المحافظات المصرية، فكان لافتا انتشار اللافتات الحزبية، سواء من جانب قيادات الأحزاب أنفسهم بهدف الدعاية، أو اللافتات المؤيدة من المواطنين للأحزاب الجديدة في المحافظات، وكانت اللافتات الأكثر بروزا في ظهور عشرات اللافتات الخاصة بحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، وحزب النور ذي التوجه السلفي.

مسؤول بحزب الحرية والعدالة، رفض ذكر اسمه، برر لـ«الشرق الأوسط» هذه الممارسات قائلا: «لقد أحل الله البيع والشراء في موسم الحج، وقد قال عز وجل في كتابه الكريم: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) (مفسرا الفضل بالتجارة)»، مشبها استغلال «الإخوان» لصلاة العيد بأنه مثل الحج، ومشيرا إلى أن «هذه التجمعات لا يمكن تركها دون دعوة الناس وإقناعهم بنهج الجماعة ورؤيتها لمستقبل مصر».

الأجواء السياسية للعيد سيطرت أيضا على جموع المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ابتكر المصريون رسائل سياسية للتهنئة بالعيد، كما دارت أغلب تعليقاتهم للسخرية من رموز النظام السابق، معلنين التمرد على تلك الصيغة الثابتة التي كانت تقرن كلمة «العيد» بلفظ «مبارك» اسم رئيسهم السابق.

«روح الثورة» لمستها كذلك إيمان، الفتاة العشرينية، عند مشاهدتها «أعضاء اللجان الشعبية» يعودون إلى الشوارع في أيام العيد بهدف جديد، هو حماية المصريات من ظاهرة التحرش الجنسي، بعد أن ظهرت هذه اللجان وقت الثورة لتحقيق الأمن وحماية المنازل والمنشآت من البلطجية. تقول إيمان: «شعرت أنا وصديقاتي بقدر كبير من الطمأنينة بسبب تواجد هذه اللجان، فهذه السلوكيات الإيجابية التي لم يكن لها وجود من قبل جعلتني أشعر بعظمة الثورة وما صنعته من تغيير سياسي».

مظاهر «عيد الثورة» تعقب عليها الدكتورة عزة كريم، مستشارة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، بقولها: «المظاهر الثورية التي طغت في العيد تفيد أن المصريين يشعرون بقدر من الأمان والاستقرار، وهذا الشعور جاء لأن الشعب المصري طلباته من الثورة أكبر بكثير مما كان يعيش قبلها نتيجة الإحباط السابق، بمعنى أن هناك شعورا بأن الثورة قادرة على عمل المستحيل».