المكتبات المنزلية.. الأقل حظا بين جميع المقتنيات في منتجعات القذافي وأبنائه

الاهتمام بالبذخ أدى إلى تجاهل الكتب ومحتواها

TT

في ردهة بيت عائشة، ابنة العقيد الليبي معمر القذافي، مقاعد اكتست باللون الأخضر الفاتح، أمامها مكتبة من خشب الزان المطلي بلون بني غامق، ومن أسفل تفتقر أرفف المكتبة إلى الكتب، ومن أعلى تبدو خالية تماما؛ حيث تمثل المساحة الشاغرة من المكتبة نحو 30%، وفي باقي الأرفف كتب يتراوح عددها بين 200 و250 كتابا، من بينها الكتاب الأخضر باللغتين العربية والإنجليزية ووثائق عن جمعية «واعتصموا» التي كانت تديرها عائشة في وسط طرابلس، وكتب أخرى تدور عن الكتاب الأخضر ونظرياته التي كتب عنها محترفون في النثر والتدبيج والنشر، و«مضوا لحال سبيلهم بعد أن عكفوا على هذا العمل مقابل ملايين الدولارات»، كما يقول حسين الأعرج، الفنان التشكيلي الليبي، الذي عاد إلى بيت أسرته في طرابلس بعد نحو 20 سنة من العيش في منفاه الاختياري في أستراليا.

المكتبات المنزلية هنا مجرد قطع مكملة للديكور؛ فالاهتمام بالديكورات في بيوت أسرة القذافي يفوق الخيال، ولا بد أن من قاموا بهذا تم جلبهم من الخارج. ويقدر الأعرج، الذي أصبح عجوزا من طول سني الغربة، قيمة بناء الديكورات بملايين الدولارات بالنسبة لما رآه في طرابلس فقط. ويتحدث الثوار عن بذخ مفرط في الكثير من المنتجعات والاستراحات والقصور والمخابئ المنتشرة بعيدا عن ساحل المتوسط في أماكن يصعب الوصول إليها، خاصة في وسط البلاد الصحراوية وجنوبها.

الأعرج، الذي أصيب في ساقه أثناء مشاركته في حرب بلاده مع تشاد في ثمانينات القرن الماضي، ينتمي إلى قبيلة أولاد سليمان العريقة، وترجع أصوله إلى مدينة سبها التي ولد وشب فيها قبل أن ينتقل إلى طرابلس لنشر لوحاته الفنية التي كان ينتقد فيها الحرب الخاسرة مع تشاد. وفر الأعرج خارج ليبيا ضمن آلاف الليبيين المعارضين، بعد أن شعر أن نظام القذافي سينتقم منه.

ويضيف الأعرج، في حسرة، وهو يتطلع إلى البحر من شرفة بيت عائشة الملحق بمنتجع لأبناء القذافي غرب العاصمة: هذه الأموال، التي صرفت على الديكور في منازل أبناء القذافي، كانت تكفي لبناء نهضة فنية وأدبية في ربوع ليبيا طيلة عقود. وكان من بينها كتاب عن تاريخ العالم باللغة الإنجليزية، وكتاب عن تناسخ الأرواح باللغة العربية، وكانت توجد كتب وألبومات صور ملقاة بين الوسائد المخملية وقطع من الإسمنت والخشب والزجاج المحطم.

ويوجد نقر للرصاص على واجهة الغرفة المجهزة بأثاث طفل، وأطلق الثوار كميات كبيرة من النيران ردا على محاولات يائسة من بعض الحرس الذين تبقوا في المنتجع بعد فرار أهله. هنا كان مهدا جديدا لابن عائشة المنتظر؛ حيث كانت تستعد لوضع وليدها، إلا أن سيطرة الثوار على العاصمة طرابلس دفعتها للفرار مع والدتها وعدد من أشقائها إلى الجزائر. وكانت الكتب مصفوفة على ما هي عليه دون أن تمسسها يد منذ زمن، على ما يبدو.

وبعد الأيام الأولى التي شهدت فوضى وعبثا بمحتويات الكثير من ممتلكات أسرة القذافي، أخذ الثوار ينظمون الأمور ويدققون فيمن يدخل ومن لا يدخل إلى هذه الممالك التي ستؤول إلى الشعب. وقال أحد الثوار، ويدعى حامد، وهو «نصف متعلم» من ضاحية فشلوم تصدى لعشرات من أهالي طرابلس الفضوليين حين حاولوا اقتحام المنتجع: «إن هذه الممتلكات أصبحت ملك الدولة، وستتصرف فيها الحكومة المقبلة».

وعلى الرغم من أن غالبية الثوار يظهر أنهم أقل خبرة وأقل قراءة للكتب من قادة المجلس الانتقالي الذي يدير شؤون ليبيا في الوقت الحالي، كما يقول الأعرج، فإن الكثير منهم يتمتع بطريقة عملية في التفكير، ودون أن ينتظروا تشكيل حكومة بدأ عدد من الثوار، خاصة ممن عادوا مع أسرهم من منافي الخارج، في بحث تخصيص أماكن لجمع متعلقات القذافي وأبنائه لتكون مثل المتحف الذي يحوي تاريخا مضى.

وقام عدد من هؤلاء الشباب، بالفعل، بتأسيس أول متحف من هذا النوع، لـ«توثيق جرائم القذافي». وفي بهو المتحف الذي أقيم على عجل يمكن أن ترى تمثالا للقذافي وهو مكبل بالأغلال داخل قفص حديدي.

ومن غرفة العاديات غير المستعملة في منزل عائشة يمكن أن تلقي نظرة من الباب لترى الردهة التي يوجد بها مجسم لحيوان أسطوري مصمم على شكل أريكة للاستراحة عليها. وبعد أن دخل الثوار معقل القذافي في باب العزيزية وبالتالي دخلوا بيوت عدد من أبنائه، خاصة تلك المعزولة بوجهها المطل على البحر، سادت الفوضى، وكان كل شخص يريد مغافلة الثوار والخروج بتذكار من هذه البيوت التي ظلت مغلقة على أسرارها طيلة سنين.

أما منتجع المعتصم، نجل العقيد معمر القذافي، الذي يوجد به مجسم مطلي بلون الذهب لتمثال فارس يمتطي صهوة جواد، فيمكن أن تصنع بثمنه 50 أو 60 مكتبة كبيرة الحجم تتسع لآلاف الكتب التي كان يمكن أن يستفيد منها الليبيون، كما يقول الأعرج.

وفي جولة داخل الغرف لا يوجد أي أثر للكتب أو للمكتبة المنزلية، ولا توجد أي نوتات موسيقية بجوار البيانو الأبيض الكبير الموجود في وسط البهو، هذا يعني أن مسألة العزف ربما كان يقوم بها آخرون يأتون بنوتات الموسيقى للعزف في المناسبات ويغادرون بها، كما يقول الأعرج. وعلى أي حال لم يعرف عن المعتصم قدرته على العزف على البيانو.

عند الدخول لهذا المقر تجد موقع المكتبة أيضا، لكنه ضئيل. من السقف المرتفع أعلى الردهة لمسافة طابقين ترى حلقات من الثريا المستوردة من الخارج؛ لأن الليبيين الذين وصلوا إلى هنا قالوا إنهم لأول مرة يرون مثلها. ويعتبر مشهد الثريا المزدان بألوان من البهرجة هي الأكبر والأهم في الردهة كلها، مقارنة بالمكتبة التي تشبه القزم. تتكون الثريا من ناحية السقف من 4 قطع كل قطعة تشبه ثمرة تفاح زجاجية معقوفة باعتبار أنها تتدلى من أعلى إلى أسفل. ومن تحتها دائرة فيها 8 قطع زجاجية مشابهة، ثم تمتد إلى أسفل وتزيد إلى 16 قطعة.

ولاحظ الأعرج من تصميم وحجم ما تركه القذافي وأبناؤه وراءهم من ألبومات للصور أن الاهتمام بها يفوق اهتمامهم باقتناء الكتب. واحد من عدة ألبومات في مكتبة سيف الإسلام القذافي، الملحقة بالمنتجع، تم تصميمه بطريقة تشبه تصميم الكتاب المصور وليس مجرد ألبوم عادي، بمعنى أنك حين تتصفحه تجد أن كل صورة من صور العائلة والأصدقاء هي جزء من الصفحة. أي أن الألبومات يمكن أن تطلق عليها اسم «كتب» مصورة قائمة بنفسها.

ويتكون أحد الألبومات من 250 صفحة يظهر سيف في معظمها مع والده ووالدته ومع إخوته وأصدقائه، ويرجع تاريخ بعضها إلى العام الماضي في احتفال أقامته جمعية أهلية كان يرأسها.

كان هناك من خرج من باب العزيزية بزجاجات عطور فاخرة، وآخر التقط ألبوم صور، وثالث اغتنم بندقية مزخرفة، ورابع تأبط شاشة تلفزيون مسطحة، وهكذا، إلا أن أحدا لم يخرج بكتاب؛ لأن هذا النوع من المقتنيات كان شحيحا، كما أنه لم يكن يلفت انتباه أحد، بما في ذلك ركن مكتبة باب العزيزية عن عالم الأرواح والسياسة والسحر والأديان والشيطان.