تركيا تطرد السفير الإسرائيلي.. وتبقي على العلاقات بين البلدين

نتنياهو يرفض مجددا الاعتذار.. ونائب وزير يقترح دعم الأكراد والاعتراف بمذابح الأرمن.. وفصائل غزة ترحب

TT

على الرغم من القرارات القاسية التي اتخذتها تركيا ضد إسرائيل، بطرد السفير وتجميد اتفاقيات التعاون العسكري، استقبلت حكومة بنيامين نتنياهو هذه الإجراءات بأعصاب باردة. فقالت إنها توقعتها، لا بل حرصت على الإشارة إلى أن تركيا «لم توصد الباب تماما وأبقت على مستوى معين من العلاقات، يتيح تصحيحها في المستقبل».

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أمس، تعقيبا على الإجراءات التركية: «إن هنالك أسبابا كثيرة تجعل تركيا وإسرائيل في حالة مراجعة ذاتية في القريب والسعي لإعادة العلاقات إلى مجاريها».

كان وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، قد أعلن، أمس، في مؤتمر صحافي درامي عن سلسلة إجراءات ضد إسرائيل، وذلك لرفضها تقديم اعتذار صريح عن اعتدائها على سفن أسطول الحرية في مايو (أيار) 2010، الذي قتل فيه 9 أتراك وأصيب العشرات. وبدا الوزير التركي غاضبا بشكل خاص؛ حيث إنه ألغى زيارة إلى بولندا وعاد إلى بلاده، إثر نشر مقاطع من تقرير لجنة بالمر، التابعة للأمم المتحدة، التي كانت قد حققت في الاعتداء. فقال إن بلاده ترفض تقرير بالمر الذي أجاز الحصار على غزة واعتبر الهجوم الإسرائيلي صحيحا.

وأعلن أوغلو سحب السفير وجميع المسؤولين الكبار في السفارة وطرد السفير الإسرائيلي وجميع المسؤولين في السفارة ممن يحملون الدرجة الدبلوماسية الثالثة فما فوق وخفض التمثيل الدبلوماسي للدرجة الثالثة، وتجميد جميع الاتفاقات الأمنية، بما في ذلك صفقات السلاح. وشدد أوغلو على أن تركيا لن تتراجع عن الحصول على اعتذار وتعويضات. واتهم أوغلو إسرائيل بارتكاب «جريمة حرب في المياه الدولية»، وقال: إن أنقرة ستدعم ذوي ضحايا العدوان. وأكد أن تركيا «لا تعترف بالحصار على غزة»، وإنها ستحيل مسألة الحصار أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ورفضت إسرائيل، رسميا، من جهتها التعليق، باعتبار أن تقرير لجنة بالمر لم يصدر بعدُ. لكن أوساطا سياسية مقربة من نتنياهو تحدثت في الموضوع، وقالت إن الحكومة تنوي قبول تقرير بالمر، لكن مع بعض التحفظات على قسم من استنتاجاته الخاصة بإسرائيل؛ فهي تعتبر التقرير قاسيا جدا في تعاطيه مع موضوع القتل؛ حيث إنه ذكر أن القوات الإسرائيلية استخدمت القوة المفرطة، ووصف تصرفاتها بالعربدة الهستيرية. وذكر أن أحد القتلى تلقى رصاصة بين عينيه وآخر تلقى الرصاصة من الخلف، مؤكدا أن مقاومة العدوان اتسمت بالعنف ولكن ليس لدرجة تحتاج فيها إلى الرد بإطلاق الرصاص القاتل.

واعتبر التقرير العدوان عملية دفاع عن النفس، وأن وقوع قتلى لم يكن وفقا لمخطط مسبق، بل نتيجة لسلسلة تطورات معقدة في مقدمتها التصرف العدواني لعدد من الناشطين على متن سفينة مرمرة.

يُذكر أن العلاقات التركية - الإسرائيلية تدهورت كثيرا بعد هذا الهجوم، لكن الولايات المتحدة تدخلت طيلة الشهور الماضية بهدف التوصل إلى اتفاق مصالحة، مؤكدة لهما أنها تريد لحلفائها في المنطقة علاقات طبيعية من أجل مواجهة تحديات أكبر. واقترحت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون صياغة نص يعين الطرفين على تسوية هذه الأزمة. واختارت لجنة بالمر أن تفعل ذلك، وأجل نشر تقريرها 4 مرات لكي يتاح للإسرائيليين والأتراك التفاهم حول نص مقبول، بيد أن تركيا أصرت على الاعتذار ودفع تعويضات لعائلات الضحايا.

وفي إسرائيل نشب خلاف شديد بين الوزراء حول هذه القضية؛ فقد أيد بعضهم، وفي مقدمتهم وزير الدفاع إيهود باراك، تقديم اعتذار على أن تدفع التعويضات بواسطة صندوق تركي، والتعهد بألا تتقدم تركيا إلى إسرائيل بمطالب إضافية، وهو الأمر الذي وافقت عليه تركيا، لكن وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، ووزير الشؤون الاستراتيجية، موشيه يعلون، رفضا ذلك وقالا إن على تركيا أن تعتذر لإسرائيل لأنها بادرت لإطلاق أسطول الحرية، مستفيدين من قرار لجنة بالمر بأن الحصار على غزة هو حق قانوني وأن قرار إسرائيل باعتراض الأسطول ومنعه من الوصول إلى غزة قرار صحيح.

وحسم نتنياهو الخلاف لصالح ليبرمان؛ فقرر ألا تعتذر إسرائيل حاليا، واقترح الاكتفاء بإعلان الأسف ودفع التعويضات للصندوق التركي، أو تأجيل الاعتذار 6 شهور على أمل أن يكون وضعه الحزبي الداخلي مناسبا. وعلل نتنياهو هذا الموقف بالقول إنه لا يوجد أي ضمان لأن تلتزم تركيا بإعادة العلاقات بين البلدين على ما كانت عليه في الماضي. وأضاف ليبرمان أن رئيس حكومة تركيا، رجب طيب أردوغان، تعمد افتعال أزمة مع إسرائيل لتساعده في معاركه الحزبية الداخلية.

من هنا، فقد نفذت تركيا تهديدها بتخفيض العلاقات مع إسرائيل للدرجة الثالثة. وجمدت الاتفاقيات الأمنية. وقال الرئيس التركي عبد الله غل، أمس: إن تركيا تعتبر تقرير بالمر «غير موجود». وهدد باتخاذ خطوات إضافية ردا على رفض إسرائيل الاعتذار. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن غل قوله، ردا على سؤال عن عدم تضمين تقرير لجنة بالمر الذي سربت صحيفة «نيويورك تايمز» مقتطفات منه توصية لإسرائيل بالاعتذار من تركيا: «إن مثل هذا التقرير غير موجود بالنسبة إلينا».

وأشار غل إلى أن تصريحات أوغلو تشكل موقف الدولة التركية، وقال: «في الواقع كان يجب اتخاذ هذه الإجراءات قبل الآن، لكننا من أجل منح فرصة لدولة حليفة لممارسة جهودها حسنة النية، انتظرنا حتى اليوم». وأضاف أن «الإجراءات التي أعلنَّا عنها هي الخطوة الأولى.. ووفقا لتطور الأحداث والموقف الإسرائيلي، يمكن اتخاذ إجراءات إضافية في المستقبل». ووصف الحكومة الإسرائيلية بأنها «منسلخة عن الواقع وليست لديها استراتيجية»، مشددا على أن تركيا «التي هي أكثر دولة نفوذا في المنطقة، لن تحافظ على حقوق مواطنيها فحسب، بل على حقوق الشعوب التي هي بحاجة.. وعلى المجتمع الدولي أن يكون مدركا لذلك».

وحمَّل غل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية وصول العلاقات الإسرائيلية - التركية إلى النقطة التي وصلت إليها اليوم، مؤكدا أن بلاده لن تعيد الوضع إلى ما كان عليه مع إسرائيل إذا لم تتخذ الأخيرة الخطوات اللازمة.

إلى ذلك، رحبت الفصائل الفلسطينية في غزة بالقرار التركي. من ناحيته، فقد رأى الدكتور سامي أبو زهري، الناطق باسم حركة حماس، القرار التركي ردا طبيعيا على الجريمة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية، وإصرار الاحتلال على رفض رفع الحصار عن غزة.

أما حركة الجهاد الإسلامي فقد قالت، على لسان نافذ عزام، عضو المكتب السياسي، في تصريح خاص لـ«وكالة فلسطين اليوم الإخبارية»: إن قرار تركيا خطوة جيدة تؤكد اعتزاز الشعب الفلسطيني بتركيا، ولتعزيز صمود شعبنا في وجه العدوان الصهيوني. ورأى أن تركيا بقرارها تفرض احترامها، خاصة في وقت ترفض فيه إسرائيل تقديم الاعتذار لها عن جريمتها بحق الأتراك. ورأى أيضا في هذه الخطوة تعزيزا لمكانة تركيا، مبينا أن ذلك يعطيها مزيدا من القبول لدى الشارع العربي والإسلامي والفلسطيني.