أليستر بيرت: ندعم الربيع العربي.. ولا نعرف إلى أين سيتجه

وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط في حوار مع «الشرق الأوسط» : لا نعترض على وجود الإسلاميين في الحكم.. وعلى الأسد أن يرحل

أليستر بيرت وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط في مكتبه متحدثا لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: حاتم عويضة)
TT

أكد أليستر بيرت، وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن النجاح في العمليات في ليبيا كان مرده إلى الغطاء الدولي والحصار الذي فرض على نظلم القذافي. وقال في حوار مع «الشرق الأوسط»، إن بريطانيا تدعم الربيع العربي وتتمنى أن تكون نتائجه إيجابية على الرغم من أنه أقر بصعوبة التنبؤ بمآلات الأوضاع في البلدان التي تشهد انتفاضات ضد حكوماتها. وقال بيرت، إن على الرئيس السوري أن يرحل لأنه قد فقد شرعيته، ولأن ما يجري في سوريا عمل وحشي ومخز. وأضاف أن على الرئيس اليمني أن يلتزم بالتوقيع على المبادرة الخليجية مع التقدير للوضع الصحي للرئيس. وتوقع أن تكون نتائج الربيع العربي إيجابية على مستوى السلام مع إسرائيل، مع الإقرار بأن المهمة ليست سهلة.

وفي ما يلي نص الحوار:

* لو بدأنا بليبيا، كيف دعمتم الليبيين، وكيف ستواصلون دعمهم لبناء ليبيا الجديدة ماليا وعسكريا، وماذا عن الإفراج عن الأصول الليبية في المملكة المتحدة؟

- أعتقد أن الاستجابة الدولية للوضع في ليبيا كانت عظيمة ومؤثرة، وكانت مبنية على سياسة قوامها الصبر والإصرار، وإن كانت ستأخذ بعض الوقت بلا شك. قرار الأمم المتحدة كان بكل تأكيد في غاية الأهمية، كان حاسما في حماية المدنيين الليبيين، الدعم العسكري كان استجابة للقرار الدولي، وكانت غاية العمل العسكري حماية المدنيين ليس أكثر، لأننا كنا حريصين على أن تكون الاستجابة العسكرية للناتو مبنية على أساس من القرار الدولي الذي جاء لحماية المدنيين فقط، جاءت الاستجابة العسكرية للناتو وفقا له. وقد استفادت قوات الثوار من ذلك الدعم العسكري على الرغم من أننا قصدنا إلى حماية المدنيين لا غير. ولكن عدوانية النظام تجاه المدنيين جعلتنا نتصرف بسرعة، وهذا أفاد الثوار على الأرض. وقد تم ذلك الدعم عن طريق «مجموعة الاتصال الدولية» التي كان لها دور مؤثر، وقد عقدت عدة اجتماعات في هذا الخصوص انطلاقا من لندن ثم روما وأبوظبي وإسطنبول حين تشكل كيان دولي من أكثر من 40 دولة ومنظمة بما في ذلك الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، وكانت الرسالة من وراء ذلك هي أن نقول بوضوح إن المجتمع الدولي سيتصرف لحماية المدنيين وإن القذافي أصبح يمثل دعاية رديئة لأفريقيا والعالم العربي. وقد تحولت «مجموعة الاتصال الدولية» الخاصة بليبيا إلى «مجموعة أصدقاء ليبيا» التي يبلغ عدد أعضائها 60 دولة وكيانا دوليا، وهذه المجموعة قدمت وستقدم دعما ملموسا للمجلس الانتقالي الليبي عن طريق الاعتراف به والإفراج عن الأرصدة المجمدة، ودعم عملية التحول الديمقراطي. ويتجسد دور «مجموعة الاتصال الدولية» و«مجموعة أصدقاء ليبيا» في تنفيذ ما يرى الليبيون أنه ضروري، حيث تتم الاستجابة لما يقرره المجلس الانتقالي الليبي، والاستجابة للاحتياجات تتم أولا بأول: الدعم الإنساني، الماء الغذاء الطاقة، الحاجات الأساسية، (وخاصة في طرابلس) ضبط الأمن وحفظ النظام ودعم عملية التحول الديمقراطي، وهذا ما ستقوم به هذه الدول ضمن مجموعة أصدقاء ليبيا.

* هل لديكم مخاوف من تولي «الإخوان المسلمين» أو مشاركتهم في الحكم في ليبيا؟ وماذا عن الجهاديين الذين جاءت تقارير بمشاركتهم في الحرب ضد نظام القذافي؟

- نحن ندرك أن المجلس الانتقالي وسع ليشمل ممثلين عن كل الليبيين، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الوضع هناك. من الضروري ألا يكون المجلس الانتقالي ممثلا لمجموعة واحدة من الليبيين في شرق ليبيا، لا بد من مشاركة ممثلين لكافة الشرائح في ليبيا من الشرق والغرب، من القبائل والإسلاميين كذلك.

* إذن أنتم لا تعترضون على وجود الإسلاميين في الحكومة القادمة؟

- لا، لا، أعتقد أنه من المهم أن نوضح أن العنوان الرئيسي للإسلاميين ليس المهم هنا، المهم هو ما يعتقدون وماذا يقدمون، وماذا ينوون فعله. مؤيدو الديمقراطية في الدول المحررة يريدون أن يروا الناس في هذه البلدان أحرارا فيما يختارون، أحرارا في اختيار قراراتهم وخياراتهم.

* حتى لو كانت نتيجة الخيارات حكومة إسلامية؟

- ينبغى أن نقبل ذلك، ولكن ينبغي أن تحاكم الحكومة أو الحزب الإسلامي على أساس أقوالهم. هل يؤيدون مبادئ الديمقراطية والحرية، وبشكل دقيق، ما نوع ليبيا التي يريدونها؟ ومن المهم أن ندرك ماهية المبادئ التي ينادي بها المجلس الانتقالي. وقد عبر المجلس الانتقالي بوضوح عن ماهية ليبيا التي يريدون، إنها ليبيا الحرة التي فيها الناس أحرار في خياراتهم، وفيها حقوق الإنسان، وهذا ما قاتل المجلس الانتقالي لأجله، ونحن نتوقع أن يكون هذا هو أساس ليبيا المستقبل، لكن من المهم أن نترك للناس خياراتهم.

* هل هناك جهاديون يقاتلون مع الثوار في ليبيا؟

- حسنا، علينا الانتظار لنرى. أعتقد أن الأمر يعود للسلطة الليبية للتعامل مع الوضع، وذلك ينبغي أن يحترم. ومع ذلك فأنا أتصور أن الذين قاتلوا وعانوا ما عانوه في سبيل تحرير بلادهم لا يمكن أن يدخلوا مرة أخرى في حالة من الصراع، بل لديهم الرغبة الكبيرة لإحلال السلام والأمن والتخلص من الديكتاتورية وإعطاء مبادئ الحرية فرصة، وهذا ما يرغب فيه المجتمع الدولي ويدعمه. ودعني أعد لهذه النقطة لأهميتها البالغة، لأقول إنه في نهاية المطاف ما يخص الشأن الليبي لا يرجع إلينا، ولا إلى ما نرغب أن نراه نحن، إنه يعود إلى الليبيين وماذا يريدون هم، وكيف يمكن للمجموعة الدولية أن تدعمهم. غير أن المبادئ التي أرساها المجلس الانتقالي الليبي تعد مقبولة بشكل واسع من قبل المجموعة الدولية وهي مجموعة مكونة من عناصر من العالم العربي والغرب والمنظمات الدولية، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي، وهذا أمر جيد للغاية.

* ذهبتم إلى ليبيا بسرعة، وتدخلتم بشكل مباشر، ولكنكم لا تزالون مترددين حيال الحالة السورية.. هل يعود ذلك إلى أنه لا نفط في سوريا؟

- لا، لا...

* إذن بسبب حساسية الوضع تجاه إسرائيل؟

- لا، لا.. دعني أشرح لك الأمر، من الأشياء المثيرة فيما حدث خلال الشهور الماضية أن كل بلد مختلف، وكل بلد في العالم العربي مر بضغوط تلائم ظروفه من أجل التغيير. الكل مختلف، تشكيلات مختلفة وفروق واضحة. ومما يميز الوضع في ليبيا عن سوريا أن التدخل الدولي في ليبيا كان قويا وصارما، وفيه عناصر عربية مهمة. الجامعة العربية كان لها دور حاسم عندما قالت لا يمكن أن نسمح بمذبحة في بنغازي، ولا بد من عمل شيء. ومن هنا كانت السرعة في اتخاذ القرار في الأمم المتحدة. لم نكن وحدنا الذين استجابوا سريعا، كل المجموعة الدولية قالت إن تهديدات القذافي لبنغازي لا يمكن السماح بها. استطاعت المجموعة الدولية تحريك القضية لدى الأمم المتحدة لإصدار قرار وضع موضع التنفيذ بواسطة تحالف دولي كبير قادته بريطانيا وفرنسا وبدعم مهم من الإمارات العربية المتحدة وبلدان أخرى.

* على ذكر الجامعة العربية..

- اسمح لي دقيقة.. هذه الاستجابة الدولية لم تكن بالدرجة نفسها عندما نأتي للحالة السورية، في الحالة السورية الأمور مختلفة..

* هل تعني أنه لو أن الجامعة العربية بادرت باتخاذ موقف في الشأن السوري، كما حدث في الشأن الليبي، هل يعني ذلك أن الغرب كان سيستجيب بالدرجة نفسها وبشكل فوري؟

- الإجابة المختصرة لذلك هي: لا ندري. ما حدث في ليبيا كان استجابة فورية، مع توجهات واضحة، وهذه لم تكن الحال بالنسبة لسوريا. أولا العالم العربي لم يستجب بالطريقة ذاتها، وثانيا كان واضحا أن مجلس الأمن الدولي لن يمرر قرارا بالتدخل في سوريا. روسيا والصين أوضحتا أنهما لن تسمحا بتمرير قرار كهذا في المراحل المبكرة، ونادتا بإعطاء النظام المزيد من الوقت..

* ليقتل المزيد من الناس؟ عفوا. أقصد يعطى وقت أطول ليتمكن من قتل المزيد من الناس؟

- بالضبط.. لقد قلنا باستمرار، إن ما يحدث في سوريا خطأ، رد فعل النظام ضد المتظاهرين أدين، وقد ضغطنا بشكل مستمر لاتخاذ إجراء ضد النظام..

* هل تدعون إلى رحيل النظام؟

- لقد دعونا الأسد إلى الرحيل، والسبب أنه بعد خمسة أشهر من محاولة الضغط على النظام بالعقوبات التي تقود عملية فرضتها بريطانيا ضمن الدول الأوروبية لاستهداف مسؤولي النظام السوري الذين نشعر بأنهم مسؤولون عن العنف، على ألا تؤثر العقوبات على الشعب السوري، فعلنا ذلك للتعبير عن قلقنا وللوصول إلى التغيير. العنف لا بد أن يقف، السجناء السياسيون لا بد أن يطلق سراحهم، لا بد أن تكون هناك حرية التجمعات، حرية الصحافة، حرية منظمات الإغاثة الدولية في الدخول إلى البلاد، لا بد للإصلاحات التي أعلنها الرئيس أن تكون ملموسة على أرض الواقع. وللأسف هذا كله لم يحدث، وقد ضغطنا مع الشركاء بشكل مستمر لوقف العنف، ولكننا ينبغي أن نختار من الأساليب ما هو عملي. وفي المحصلة، هذا ليس قرارا يعود إلى بريطانيا وحدها. ومع ذلك فإن الأشياء تتغير الآن: القيود على النظام السوري اليوم هي أقوى من ذي قبل، العالم العربي اليوم أكثر إجماعا على أن ما يحدث في سوريا هو خطأ ينبغي أن يتوقف، ونحن نأمل أن هذا الضغط سيكون له مردوده، وقد وصلنا في بريطانيا إلى نقطة نعتقد فيها أن الرئيس فقد شرعيته، وعليه أن يرحل.

* ولكن النظام السوري يحاول أن يتحاشى العقوبات المفروضة عليه، إيران إلى جانبه، هناك العراق. ما الذي يمكن أن تفعله العقوبات إزاء حالة يقتل الناس فيها بشكل يومي؟

- نحن نعرف ذلك، ونحن قلقون بشكل عميق، وقد عبرنا عن ذلك القلق بشكل مستمر منذ البداية، ونحن نضغط لاتخاذ إجراء لأن ما يحدث خطأ، لكنه ليس بمقدور بريطانيا أن تغير ذلك وحدها، لا يمكن أن نتصرف منفردين، لا بد من أن نتحرك مع الآخرين، والتحرك مع الآخرين هو ما ضمن النجاح في المهمة في ليبيا، كما أن ما ضمن نجاح المهمة فيما يخص الحالة الليبية هو فرض العقوبات أيضا، حيث حرمت العقوبات نظام القذافي من الاستفادة من النفط، وقد كانت هناك وسائل فعالة لمنع النفط من الوصول إلى النظام. وفي الشأن السوري نحن مع بقية الدول الأوروبية ندعم فرض عقوبات على استيراد النفط السوري، وهي عقوبات عميقة وقاسية، ونحن نعتقد أن الوقت قد حان لفرض المزيد من العقوبات المباشرة على النظام لدفعه للتغيير أو الرحيل.

* هل تعتقد أن التدخل العسكري سيكون قريبا في الحالة السورية؟

- لا، لا يوجد ما يشير إلى أن المجموعة الدولية جاهزة لاتخاذ إجراء عسكري، أو تريد القيام بذلك. وقد سمعنا أصواتا كثيرة داخل سوريا تقول إنها لا تريد هذا الشكل من أشكال التدخل الخارجي. يريدون أن يرحل النظام ولكن - كما تقول المعارضة - على أيدي السوريين، ونحن ينبغي أن نستمع إلى ذلك. وفوق ذلك دعنا نكن واقعيين: لا يوجد توقع أن توافق الأمم المتحدة على إجراء عسكري كهذا، وبريطانيا لا يمكن أن تقوم بهذا منفردة.

* كيف تتعاملون مع الممانعة الروسية والصينية التي تحول دون صدور هذا القرار؟

- نحن نستعمل كل وسيلة دبلوماسية ممكنة للضغط عليهم، ولتوضيح الحالة الملحة، ونقول لهم إن ما يفعلونه خطأ، لكن عليهم أن يتخذوا قرارهم بأنفسهم. ومع ذلك فإن هناك تغيرا في المواقف، وخاصة على الجانب الروسي، المواقف تتغير مع الزمن. وعلينا أن نكون واقعيين في هذا الشأن ليس من الممكن أن نقول في اليوم الأول من الأحداث ما ينبغي أن يحدث خلال شهر أو ستة أشهر، ولكن مع الزمن القلق يزيد ومع القلق هناك خطوات مختلفة تتخذ لمزيد من الضغط. ومع بداية الأزمة كانت المجموعة الدولية تأمل أن يكون لدى النظام الإرادة في الإصلاح، وهذا ما لم يحدث، وعندما لم يحدث ذلك لجأنا إلى العقوبات التي سيكون لها آثارها، ولكن من غير المعقول أن نلجأ إلى الأساليب العنيفة من اليوم الأول. ونحن الآن وصلنا إلى مرحلة نعتقد فيها أن النظام لا يمكن أن يقوم بالإصلاحات، ولذلك نحن الآن نفرض عقوبات أقسى للتعبير عن قلقنا، ونتمنى أن تلتحق بنا الدول الأخرى.

* هل لديكم مخاوف من حرب أهلية في سوريا؟

- مرة أخرى، بالطبع سوف يكون لديك مخاوف دائما بخصوص أشياء من هذا القبيل، ولكن هناك قضايا خارجة عن إرادتنا. في المقام الأول الشعبان في سوريا وليبيا ثارا على ديكتاتورية حاولت التحكم في حريتهما. وقال الناس هناك نريد التغيير، وبالطبع فإنه يعود إليهم وحدهم أن يقرروا ماهية التغيير الذي يريدون. ونحن دائما نتمنى أن يكون ذلك التغيير سلميا ورسميا دون اللجوء للعنف، ولكننا لا نملي على الناس كيف يكون التغيير. ونحن ندرك الفروق الطائفية الموجودة، والتي تميز بلدا عن آخر، ولكننا نلح على الناس هناك أن يتخاطبوا فيما بينهم رغم الفروق الموجودة، وأن يجدوا طريقهم لحكومة جديدة بعيدا عن الأساليب العنيفة. ولكن هل هناك خطورة في أن يحدث التغيير بشكل عنيف؟ الجواب نعم. هناك خطورة. ولكن هل قرر الناس أن مستقبلهم من دون النظام سيكون أفضل؟ نعم قرروا ذلك، ولا بد لهم أن يجدوا طريقهم الخاص بهم إلى مستقبلهم الجديد. وبخصوص ليبيا نحن متفائلون، وذلك لما سمعناه ورأيناه من المعارضة الليبية، ونحن نتمنى أن يستمر ذلك خلال مرحلة ما بعد القذافي.

* الرئيس صالح في اليمن لم يوقع بعد على المبادرة الخليجية.. هل هناك نوع من الضغط يمارس لإنجاح المبادرة؟ وما هي التوقعات؟

- لقد قلنا بإلحاح مع آخرين للرئيس صالح، إن عليه أن يوقع على المبادرة الخليجية التي دعمها وقبل بها. الرئيس قال إنه موافق على نقل السلطة، ونحن نناشده أن يوقع على المبادرة الخليجية، وهو يواجه ضغوطا منا ومن أطراف أخرى كثيرة للتوقيع على المبادرة الخليجية..

* ما نوعية هذه الضغوط؟

- حسنا.. هي ضغوط عن طريق التواصل والحديث إليه، والحديث إلى أعضاء آخرين في أسرته لإبلاغهم بأن هناك عملية نقل للسلطة ينبغي أن تتم..

* هل تعطون نصائح أم تضغطون؟

- مرة أخرى، هناك خيارات محدودة لما يمكن أن نفعله في هذه المرحلة. هذه حالة يتحتم فيها أن تعمل الأطراف الخارجية مع الداخلية عن كثب. هناك برلمان وهناك معارضة، وهناك قوات انشقت عن النظام، وهناك كميات ضخمة من السلاح وإمكانية عالية لاندلاع صراع مسلح. الأطراف الخارجية تلح أن تعالج الأمور بوسائل غير عسكرية، بالحوار. هناك عملية انخرطت فيها دول الخليج العربية، والأمين العام للأمم المتحدة، ونحن نلح على جميع الأطراف أن تسير وفقا لهذه العملية. وهذه هي الطريقة المثلى للتعامل مع الوضع الراهن. هناك أيضا أطراف محلية تتعامل مع الوضع ونحن نريد أن نتعامل مع تلك الأطراف. ومرة أخرى هذه أمور لا نقررها نحن، الذي يقر ذلك هو الشعب ليختار مستقبله بنفسه، ودور المجموعة الدولية هو المساعدة دون أن تملي على الشعب ما ينبغي فعله في هذا الخصوص. نحن نؤكد أن على الرئيس أن يفي بالتزاماته مع تفهمنا أنه يحتاج إلى بعض الوقت للتفكير نظرا لإصابته بإصابات بالغة في محاولة اغتيال جعلته يذهب خارج البلاد.

* هل هناك أي نوع من الدعم المالي الذي تقدمه بريطانيا للدول العربية التي تمر بمرحلة «الربيع العربي»، في هذه الأوقات التي تعاني بريطانيا مع غيرها من دول العالم أزمة مالية حادة؟

- هناك أمور عدة، بريطانيا لديها برنامج «الشراكة العربية»، حيث نسعى لتقديم دعم مالي، ومشاريع لبناء القدرات، ودعم المؤسسات الديمقراطية، لدينا مبلغ 110 ملايين جنيه خصصت لدول مثل تونس ومصر، والآن ليبيا والباب مفتوح للآخرين. وهناك أيضا دعم مجموعة الثماني حيث خصص مبلغ 20 مليون جنيه من خلال المؤسسات المالية الدولية، وهذه مسألة فيها الآن تفاوض بين البلدان المعنية ومجموعة الثماني. وعليه فإنه حتى ولو كنا نمر بظروف مالية صعبة فإن هناك إدراكا لضرورة دعم البلدان التي تشهد تغييرا سياسيا وانتقالا للسلطة، وآليات الدعم موجودة. وإضافة إلى ذلك لدينا مشاريع لحرية التجارة وانتقال البضائع وتشجيع قطاع الأعمال الخاصة والمختلطة، وهذا سيساعد على بناء الاقتصادات والعلاقات بين الشعوب.

* هل تقدمون هذا الدعم وفقا للقيم أو للمصالح البريطانية؟

- الدعم المقدم يتماشى من حيث المبدأ مع قيمنا، أما المصالح فلنا مصالح على مستوى العالم. نحن نعتقد أن الحكومات هناك ستكون قوية ومستقرة إذا ما حصلت على التفويض الشعبي. وهناك عدة آليات لقياس لمعرفة التفويض الشعبي، وعلى سبيل المثال فإن وجود ديمقراطية برلمانية فحسب لا يعني تفويضا شعبيا، وعندما لا يحكم بلد ما بتفويض شعبي فإن الشعب سوف يطالب بشيء آخر، بالتغيير. وهو ما تجسد بشكل واضح خلال الأشهر الماضية، وهذا يعني أن القواعد القديمة للعبة السياسية في المنطقة العربية قد انتهت. الشعوب في كل مكان تريد الأشياء ذاتها لكنها تعبر بطرق مختلفة: الوضع في شمال أفريقيا مختلف عن سوريا وهي مختلفة عن الخليج على سبيل المثال. ونحن ندعم عملية التغيير ونتمنى أن نرى الناس أحرارا في اختيار قرارهم، لأننا نعتقد أن الاستقرار يأتي عن طريق وجود تفويض شعبي للحكومات. ونحن بالطبع لدينا مصالح في أن تسير الأمور على هذا النحو، ولكن هذه المصالح ليست فقط مصالح بريطانية، بل هي مصالح مشتركة بيننا وبين هذه البلدان.

* لماذا أصبح الرؤساء العرب المعنيون فجأة ديكتاتوريين في نظركم على الرغم من أنهم حلفاؤكم بالأمس؟

- لا، لو نظرت إلى الوراء قليلا سترى أن بريطانيا كانت تلح بشكل مستمر على قضية حقوق الإنسان والإصلاحات، ونحن نقول حتى للذين لا يزالون في السلطة هذا غير مقبول، ولكننا ندرك أن الأطراف الخارجية محدودة الحركة للتدخل. نحن لم نفرض التغيير في مصر ولا تونس ولا ليبيا، ولكنا دعمنا أولئك الذين قالوا إن هذا الوضع خطأ، ودعمنا أولئك الذين عبروا عن قيم نطمئن إليها. ولكن في الماضي كان علينا أن تعامل مع الحكومات كما هي، وكانت هناك علاقات ومصالح. مصر على سبيل المثال أخذت خطوات للأمام فيما يخص علاقاتها مع إسرائيل وعملية السلام وكان ذلك بمثابة حجر الزاوية في المنطقة، معنى ذلك أنه لم تكن كل قرارات الديكتاتوريين خاطئة. وفوق ذلك كما قلت لك لدينا سجل من المطالبات فيما يخص حقوق الإنسان والإصلاحات، وفيما عدا ذلك فإن بريطانيا لا يمكنها أن تفرض ما تراه على الآخرين، لأنه من المهم أن تقرر الشعوب نفسها ما تريد.

* ما هي آثار الربيع العربي على عملية السلام في الشرق الأوسط؟ هل سيؤثر بالسلب أو بالإيجاب على العملية؟

- هذا سؤال مهم، وربما كان أصعب الأسئلة، غير أن الإجابة باختصار هي: لا ندري. في المقام الأول عملية السلام يقررها الإسرائيليون والفلسطينيون بالتفاوض. وعندما يكون الشعب الفلسطيني مرتاحا للاتفاقية فهذا بالطبع سيؤثر على الكل، ونحن ينبغي أن نقول إذا كنتم راضين عن الاتفاقية فنحن ندعم ما ترونه مرضيا. نحن لا نزال نضغط في اتجاه إحلال السلام. ومع ذلك فللجماهير الحق في التعبير عن رأيها، غير أن هناك إدراكا بأن الاستقرار الذي تحقق بسبب اتفاقيات السلام مهم. وقد كان مثيرا للاهتمام أن الناس في صنعاء وتونس والقاهرة لم يخرجوا للشوارع للتظاهر في شأن يخص إسرائيل والفلسطينيين، ولكنهم تظاهروا في شؤون وقضايا محلية تخصهم، وهذا مؤشر مهم. ونحن نأمل أن يساعد الربيع العربي على إحلال السلام في المنطقة، بالتعاون مع الدول المعنية.

* ما هي أفضل السيناريوهات المتوقعة كنتيجة للربيع العربي، وما أسوؤها؟

- لا أعتقد أنني سأميل إلى أسوأ الاحتمالات. أفضل السيناريوهات أن تكون لشعوب المنطقة حرية التعبير عن تطلعاتها، وسيكون لها الكلمة في كيفية اختيار من يحكمهم، ومن المأمول أن الذين وصلوا إلى السلطة بفعل الربيع العربي سيعملون على ذلك. ولكن كما قلت لك لن تكون النتائج واحدة في البلدان المختلفة، ولا يوجد نموذج واحد نقول إنه هو الذي ينبغي أن يحتذى، ولكن المهم أنه سيكون لدى الناس حرية اختيار الحكومات، وهذا سيجعل الحكومات أكثر قوة واستقرارا، وهو ما يدعم السلام والاستقرار. سيركز الناس على القضايا التي تهمهم من صحة وعمل وتعليم وتربية الأطفال في جو من السلم الأهلي والإقليمي، غير أن النتائج لن تكون سريعة والطريق لن يكون معبدا، فالذين يفقدون السلطة سيقاومون وهذا ربما أدى إلى الضغط وبالتالي انفجار الصراع المسلح، لكن من المهم الإشارة إلى أن فقدان السلطة لا يعني فقدان الحياة، ومع المدى الطويل نأمل أن تسود المبادئ التي نادى بها الربيع العربي بشكل أقوى في المستقبل. المهم بالنسبة لنا أن الشعوب هي التي تقوم بهذا العمل وليس نحن.

* أنت إذن متفائل..

- هناك مخاطر بالطبع، وسيكون من الغباء تجاهلها، هذه عملية ليست سهلة، ولا سريعة، والخطورة تكمن كما ذكرت في أن تستمر الإملاءات من قبل الذين لا يزالون في السلطة ومن ثم ينفجر العنف.